الرئيسية / أقلام / افتتاحية صوت الشعب: مهدي جمعة.. الخيارات المغلوطة
افتتاحية صوت الشعب: مهدي جمعة.. الخيارات المغلوطة

افتتاحية صوت الشعب: مهدي جمعة.. الخيارات المغلوطة

22شدّ أوّل ظهور إعلامي لرئيس الحكومة الجديد، يوم الاثنين 3 مارس اهتمام الرأي العام. وهو أمر عادي لاعتبارات عدّة، أوّلها أنّ تصريحات الرّجل هي بمثابة الكّشف الأول عن مقاربته مجمل الأوضاع السائدة وتحديد التوجّهات الكبرى لمعالجتها. وبهذا المعنى تغدو المضامين المعلنة جزء من برنامج “حكومة الكفاءات” التي كافحت المعارضة الدّيمقراطيّة وقطاعات عريضة من شعبنا أشهرا طويلة لفرض وجودها للتخلّص من حكومة “الترويكا 2”.

وثانيها اشتداد المخاطر المحدقة بالبلاد ضمن محيط إقليمي ودولي شديد التقلبات والتغيّرات الحادّة المحكومة بالمطامع الاستعمارية النهّابة ونزعات التّدخّل الرّجعي السّافر بأشكال عدّة من بينها المال الفاسد وتغذية الإرهاب وتقويته بغلاف إسلامي كاذب ينهل من التفكير التكفيري الوهابي المتخلّف. وثالثها ارتفاع سقف الانتظارات الشعبيّة من هذه الحكومة التي لا مبرّر لوجودها واستمرارها سوى القطع مع السّياسات القديمة والاستجابة للمطالب الملحّة للشعب ولو في حدّها الأدنى السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي.

ودون الخوض في الجوانب الشكليّة المتعلّقة بكيفيّة الظهور الأوّل وتوقيته، ودون العودة إلى الجدل حول الهالة الإعلاميّة الواسعة التي سبقت ذلك الحوار وأعقبته، فإنّ المسؤوليّة الوطنيّة لمثل هذه الأوضاع المعقّدة في بلادنا تقتضي في نظرنا التركيز على المضامين الأساسيّة.

إنّ تشخيص الواقع الذي أجهد السيد جمعة نفسه في تقديمه لم يحمل الكثير من الجديد مقارنة بما هو متداول في الوسطين السياسي والشعبي وكذلك لدى الجهات الدوليّة، حكومات ومؤسّسات ماليّة كبرى. فالكلّ يعلم عمق الأزمة التي تنخر البلاد. “فأقوى حكومة” في التاريخ سارت بالبلاد نحو الهاوية ولم تُبق في الخزينة إلاّ مليارا و نصف المليار من الدينارات بعد أن كانت تضمّ  تحت حكم المخلوع 16 مليار دينار، إضافة إلى مديونيّة خارجيّة عالية تقارب الـ50 في المائة ونسب تضخّم غير مسبوقة وترقيم سيادي كارثي وانهيار مريع للدينار التونسي…

أمّا آفة الإرهاب الذي اشتدّ عوده كما لم يحدث من قبل نتيجة التهاون وحتى تواطؤ حكومتي “الجبالي – العريّض” فهو على مخاطره الكبيرة وإقرار جمعة بضرورة محاربته لم يكن محلّ تدقيقات ضمن ذلك التّشخيص ولا نعتقد أنّ غلبة الوعي بما هو اقتصادي ولا مجال التخصّص يبرّران ذلك التّناول العرضي، فالأمن ضرورة لابدّ منها لمعالجة ملفات التنمية والاقتصاد.

واعتبارا لذلك فإنّ وصف مهدي جمعة أزمة البلاد بكلمة “أزمة شاملة ” يصبح من قبيل اللغة الإنشائيّة لا أكثر ولا أقل . كما أنّ الحديث عن المصارحة والمكاشفة يفقد جلّ معانيه ودلالاته. فالمصارحة ليست إلّا جزئيّة ومتعلّقة بالإقرار الرّسمي بالوضع الكارثي للبلاد واقتراب الدّولة من الإفلاس والانهيار القريب وهو إقرار إيجابيته الوحيدة تكمن في القطع مع التّزييف الذي مارسته حكومة “الترويكا” ومازال البعض من أحزابها يردّده حتى هذا اليوم.

والأهمّ من ذلك أنّ رئيس الحكومة لم يحدّد الجهات المسؤولة عن هذا التّردّي المريع واكتفى بعبارة “الله يهدي وبرّا”.

والحقيقة أنّ من شروط التّشخيص الجيّد تحديد المسؤوليّات بوضوح دقيق حتى يسهل في ما بعد إيجاد العلاج المجدي وذلك هو بيت القصيد كما يقال. وفي هذا السّياق نحن نعتقد أنّ البلاد ورثت تركة ثقيلة ووضعا مأزوما أثمر الثورة على سلطة “بن علي”. إلاّ أنّ الحكومات المتعاقبة وخاصّة بعد 23 أكتوبر 2011 قد لعبت أدوارا حاسمة في تعفين الأوضاع على جميع الأصعدة وهي حقيقة كان لابدّ من الإصداع بها حتى وإن كان لرئيس الحكومة الحاليّة مسؤوليّة فيها بحكم تولّيه حقيبة وزاريّة مع علي العريّض.

 والأخطر من ذلك أن يجيب جمعة عن سؤال: ما هي حلولكم للوضع؟ بما يلي: “الشدّة في ربّي” وبعدها يقدّم تصوّرات جميعها يذهب نحو مزيد التّداين الخارجي والخصخصة وإيقاف الانتدابات في الوظيفة العمومية علاوة على التلويح بإجراءات قاسية من المؤكّد أنها ستطال كالعادة الأسعار في اتجاه الرّفع  والأجور في اتّجاه التجميد الخ…

وخلاصة القول إنّ الإطلالة الأولى لرئيس الحكومة مخيّبة للآمال ومنذرة باشتداد معاناة الشعب التونسي. ونحن نعتقد أنّ المصلحة العليا للبلاد والوفاء لقيم الثورة تقتضي من الفريق الحكومي تعميق تشخيصه للوضع والتحلّي بالشّجاعة الأخلاقيّة والسّياسيّة لمراجعة هذه الخيارات وتطويعها لخدمة السّيادة الوطنيّة وتلبية المطالب الشعبيّة والإقلاع عن سياسة الهروب إلى الأمام والعمل بمقولة ” وداوني بالتي كانت هي الداء”.

فداء البلاد التبعيّة والارتهان للأجنبي والمطروح القطع معهما. وداء البلاد الخصخصة العشوائيّة والأجدى تطوير القطاع العمومي وتوفير العدالة الاجتماعيّة بين الطبقات والجهات. وداء البلاد تفشّي البطالة والأنسب الحدّ منها. وداء البلاد انتشار الفقر والغلاء الجنوني للأسعار والمطلوب مقاومتهما. وداء البلاد حدّة تفاقم الفوارق الطّبقيّة والأنسب تعديلها.

                                                                                                                                                                        صوت الشّعب

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×