الرئيسية / صوت الوطن / النّضال الاجتماعي ومخاطر التّمييع: توظيف الدّين نموذجا
النّضال الاجتماعي ومخاطر التّمييع:  توظيف الدّين نموذجا

النّضال الاجتماعي ومخاطر التّمييع: توظيف الدّين نموذجا

تتعالى في المدة الأخيرة موجات النضال الاجتماعي التي اتسع نطاقها، إذ لا تكاد تخلو أغلب جهات البلاد من احتجاج ما 2-1على خلفية اجتماعية، وهذه نتيجة حتميّة لتواصل الاختيارات العامة التي انتجت الثورة، وكانت سببا في اندلاع موجات النضال الطبقي والاجتماعي التي أخذت أشكالا متعدّدة على طول تاريخ تونس المعاصر. ولئن يؤكد هذا الأمر، بالنسبة إلى عموم الشعب وإلى القوى السياسية والاجتماعية الثورية والتقدمية، على نضج الجماهير ووعيها الحادّ بمصالحها التي تتعرّض للتصفية، فإنّه (أي هذا النضال) يشكّل بالنسبة إلى الطبقات المسيطرة وخدمها الإيديولوجيّين، خطرا على هيمنتها وسطوتها وربما وجودها أصلا، لذلك فهي تعمل ما في وسعها على إنهاك هذه النّضالات وحرفها عن مسارها واتّجاه تطوّرها التاريخي النوعي، وهو إنجاز الفعل الطبقي المستقلّ أي الثورة الاجتماعية التي تقلب رأسا على عقب نمط الإنتاج الاستغلالي نحو نمط جديد يكرّس العدل الاجتماعي من خلال تحقيق استفادة الأجراء من نتائج عملهم. فكيف تُحقِّق البرجوازية هذا الهدف الخبيث؟ وماهي وسائلها وآليّاتها في ذلك؟

الأغنياء ينزعجون من احتجاج الفقراء

لا شكّ أنّ مصلحة البرجوازية تتمّ من خلال تكريس نفوذها المطلق على كل مناحي الحياة العامة، يكون ذلك بالهيمنة على الاقتصاد 01-1والمجتمع، أي احتكار نتائج العمل الاجتماعي بحكم ملكيّتها لوسائل الإنتاج وبالتالي احتكارها للثّروة وللسلطة، ولكل منظومة التحكّم في المجتمع خاصة ما يهمّ الأفكار والميولات وحتى الأمزجة وذلك من خلال ملكيّة وسائل الإعلام والتّوجيه.

وحتى تضمن البرجوازية هيمنتها تعمد إلى تدجين الوعي وتهميشه وإبعاده قدر الممكن عن التّجذّر والتّساؤل والنقد بمقتضى وعيها الحادّ كطبقة لكون نفوذها سيترنّح وينزاح إذا وعى العمّال والكادحون سبب فقرهم وبؤسهم.

لكلّ ذلك فهي تُسخّر إمكانيات مادية ولوجستية ضخمة من أجل الحفاظ على مصالحها الأنانية والجشعة التي لا معنى لها خارج منظومة الاستغلال. وتشتدّ وطأة الهجوم على الجماهير الشعبية إن التحقت بالنضال والاحتجاج وخاصة إن كان منظّما.

تمييع الوعي وتهميشه أداة برجوازيّة فعّالة

إنّ البرجوازية طبقة أنانية لا يشغلها أبدا غير مصالحها في تكديس الرّبح والثروة، وهي مستعدّة لأجل ذلك للحرب والإرهاب والقتل والتّزوير وتنظيم الانقلابات…، إنّها أوعى طبقات عصرنا بمصالحها، لذلك فهي تنزعج من خروج العمال والكادحين وعموم الشعب للاحتجاج على الخيارات المتّبعة التي هي خياراتها رغم المساحيق التي تستعمل لمحاولة تمرير فكرة حياد الدولة، وحين تتّسع مساحات الاحتجاج تعمد البرجوازية لطريقتين، إمّا القمع المفتوح اعتمادا على أجهزة البوليس والجيش والقضاء والسجون، وإمّا استعمال “الأساليب الناعمة” ذات الطابع الإيديولوجي، وهو أسلوب أخطر لأنه يستهدف الوعي والذّهنية والمزاج، يتم ذلك بافتعال مسائل هامشيّة تشغل الناس وتستقطب اهتمامهم وتحوّل وجهة تفكيرهم جزئيّا أو كليّا، مؤقّتا أو نهائيا عن المشاغل الاجتماعية الأصلية.

وفي المدّة الأخيرة وبمقتضى تصاعد موجات الاحتجاج ضد خيارات التبعيّة والتفقير والتي طالت عديد الجهات من الشمال إلى الجنوب ومسّت عديد الفئات، كانت مؤسسات الحكم تعمل من أجل تمرير أجندتها حول الانتخابات البلدية. ولمّا كان الجدل محتدما حول شروط استقلالية القضاء ونوازع إعادته إلى بيت الطّاعة من قبل الائتلاف الطبقي/السياسي السّائد، وحتى يضمن القصر وخدمه وحشمه تمرير قانون المصالحة الاقتصادية والمالية وقانون الطّوارئ الاقتصادية، وفي الوقت الذي كانت فيه أجزاء مهمّة من بنات الشعب وأبنائه يحتجّون ويملؤون الشّوارع ضجيجا ضد حكم اللّصوص والمهرّبين والمتهرّبين، أخرجت البرجوازية من أدراجها “الملفات” التي تلهي بها الناس، فكانت حادثة الملهى اللّيلي بالحمّامات التي لم يكن القصد منها سوى إلهاء الفقراء بنقاش قروسطي تتحكّم فيه منصّات القصف الظلامي المتحكّم فيه طبقيا وحزبيّا، ويلعب أصحاب المهمّات الإيديولوجية التغييبيّة من أمثال رضا الجوّادي وبشير بن حسن وأشباههم دورهم الجاهز والذي تقنعه جلابيب الكهنة التي تكفّل بها سدنة الدولة وأغنيائها منذ قديم الزمان غربا وشرقا، فالتّلاعب بالمشاعر الدّينية كان يهدف غالبا لخلق الفتن والمعارك الوهميّة التي يستفيد منها اللاّعبون الاجتماعيون المسيطرون، ويكون الفقراء مجرّد شحم مدافع وخشب رماح.

نحن ضدّ المسّ من المشاعر الدينية، وأيضا ضدّ توظيف المشاعر الدينية لإلهاء النّاس وحرف الصراع وإدخال البلاد في أتون استقطاب إيديولوجي خدمة لمصالح آنيّة تتمثل في الحدّ من الاحتجاج الاجتماعي ومرحليّا بتوظيف الخطاب الديني التعبويّ/الحركي للتأثير على نتائج الانتخابات التي ستكون بين أنصار الدّين وأعدائه، ومادام الدين في خطر، فلا خيار أمام الناس إلّا التّصويت لممثّليه، وإن كانت حركة النهضة تعلن رفضها لهذا، فإنّ القاصي والدّاني يعرف أنها تنظّم هذا الأمر وتستفيد منه.

الوعي الاجتماعي هو سدّ المناعة

إنّ الكادحين والفقراء لا مصلحة لهم في تمييع وعيهم وتدجينه، والتّجربة في بلادنا أكّدت أنّ اليقظة ووضوح الرؤية هي التي تمكّنهم من التصدّي لمؤامرات ومناورات جيش الأغنياء وخدمهم والمعبّرين عن مصالحهم، وذلك من خلال الإصرار على الانخراط وتنظيم النضال الاجتماعي وإعطائه أبعاده الحقيقية ومن ثمّة الرّبط مع الأفكار الاجتماعية الثورية. دونا عن ذلك فإنّ مصّاصي الدّماء سيواصلون التحكّم في رقابنا وعقولنا.

علي الجلّولي

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×