الرئيسية / صوت الوطن / امتحانات الباكلوريا 2016: ما أشبه الليلة بالبارحة
امتحانات الباكلوريا 2016: ما أشبه الليلة بالبارحة

امتحانات الباكلوريا 2016: ما أشبه الليلة بالبارحة

            علي الجلولي

 

        تنطلق يوم غرة جوان امتحانات الباكلوريا التي يجتازها هذا العام 135.612 مترشحا من كل الشعب، منهم 109.987 من التعليم العمومي، والبقية 19.443 من التعليم الخاص و6.183 مترشحين فرديين. هذا وقد زاد عدد المترشحين عن العام السابق قرابة 2000 تلميذا، كما تراجع عدد تلاميذ المعاهد الخاصة بحوالي 11 ألف مترشحا، وتضاعف عدد المترشحين الفرديين، ولذلك وقع إضافة 4 مراكز امتحانات ليصبح عددها 564، إضافة إلى 30 مركز إصلاح على كامل تراب البلاد.

 إنّ الظّروف التي تجري فيها امتحانات هذه السنة لم تتغيّر جوهريا، فرغم الزّيادة في عدد المترشحين، ظلّت الزيادة في عدد المراكز محدودة جدّا (4 مراكز إضافية لـ2000 تلميذ إضافي) ليكون عدد المترشّحين في القاعة الواحدة 18 في الدورة الرئيسيّة و15 في دورة المراقبة، وهو وضع غير سليم بالنّسبة إلى مناظرة يقرّ الجميع، وفي مقدمتهم سلطة الإشراف، أنّ مستواها هزيل وضعيف وتشيع أثناءها عمليّات الغشّ بما فيه “الغشّ الالكتروني” ممّا فرض على الوزارة اعتماد معدّات مراقبة في مراكز الامتحانات تتمثل هذا العام حسب تصريحات مسؤولي الوزارة في كاميرا مرتبطة مباشرة بمصالح وزارة الداخلية للتدخّل عند الحاجة، ولا ندري ما المقصود بذلك، خاصة وأنّ أعوان وزارة الداخليّة موجودون بطبعهم على عين المكان وأنّ أجهزة الرّقابة من المفترض أنها مخصّصة لإحباط عمليات الغش.

Tunisian_Baccalaureate

إنّ مثل هذه التصريحات تعكس في اعتقادنا عمق أزمة المنظومة التربوية في بلادنا، والتي تواصل وزارة الإشراف، في مختلف حكومات ما بعد الثورة، التّعاطي معها بنفس المنطق وبنفس المعالجات القاصرة. فرغم الجعجعة التي رافقت استلام السيد ناجي جلول لحقيبة التربية، تبقى النّتائج المحقّقة دون ما يطمح إليه الشعب التونسي، فالنّصيب من الميزانية ظلّ محدودا ممّا اضطرّ التلاميذ، في أغلب المؤسسات التربوية إن لم نقل كلّها، إلى التكفّل ماديا بدهن القاعات والسّاحات وتزيين الحدائق من مالهم الخاص في ظلّ تفصّي الدولة من واجبها الأصلي. أمّا محتوى البرامج والضّوارب والتّوجيه الجامعي فلم تصله نسائم الثورة. صحيح أنّ لجان الإصلاح منكبّة على بلورة تصوّر تأليفيّ لإصلاح كامل المنظومة التربوية التي طالها الخراب والتخريب، إلاّ أنّ الرؤية والاستراتيجيا التربوية عند الحكومة ووزارة التربية غير واضحة، بل منعدمة، وهو ما أشاع الارتجال والتّعاطي مع الشأن التربوي بمنطق سياسوي وصل حدّ اتّخاذ قرار بتحويل قاعات المدرسة إلى فضاءات تحفيظ أو تدريس للقرآن من قبل “متطوّعين” من وزارتي التربية والشؤون الدينية طيلة أشهر العطلة الصيفية.

لقد تمّ اتّخاذ هذا القرار دون علم الإطار التربوي وهو المطلوب منه تنفيذ مثل هذا القرار، ممّا سيفتح الفضاء التربوي أمام التّوظيف السياسي والحزبي، خصوصا من قبل المجموعات الظّلامية التي تريد وضع اليد على الناشئة انطلاقا من برامج التعليم، وخاصة التعليم الديني الذي يسهل من خلاله تمرير الحقن الايديولوجية الظلامية، وذلك في الوقت الذي يشنّف السيد الوزير آذاننا حول نوازعه الحداثيّة المتنوّرة وهو ما يسقط في أوّل اختبار، علما وأنّ كلاما كثيرا قيل حول دعم السيد جلول من قبل راشد الغنوشي لحمل حقيبة التربية بعد أن كان سابقا محسوبا على المعادين لحركة النهضة، وها هو اليوم يردّ لها الجميل بتخصيص قاعات المدرسة للتّأطير والاستقطاب والتّمكين، هو وزميله وزير الشؤون الدينية المدعوم من ذات الحركة، لذلك يخوض نيابة عنها حربا ضروسا ضدّ النخب الجامعيّة والمثقّفة على خلفيّة محاور رجعيّة لا تهمّ الشعب والبلاد في شيء.

         ضمن هذه الظّروف وهذا المناخ تجري امتحانات آخر السّنة، والتي يضطرّ فيها الأساتذة مرة أخرى إلى الاحتجاج وحجب الأعداد لكل المستويات عدى السنوات النهائية والسنوات التاسعة، رفضا لتلكّؤ وزارة الشّباب والرّياضة وعدم التزامها بالاتّفاق الحاصل مع النّقابة حول مطالب أساتذة التربية البدنية، وهو سلوك أصبح من ثوابت وزارات حكومة التحالف اليميني. يضاف إلى ذلك، تواصل رداءة الظّروف الماديّة والمعنويّة لإطار التّدريس الذي يقدّم التّضحيات الجسام لإتمام البرامج وترميم كلّ العطب الحاصل في السياسة التربوية التونسية الفاشلة، خاصة في ظلّ ضغط القرار حول إلغاء الـ20 % من معدّل المناظرة بداية من العام المقبل، وهو قرار على وجاهته، إلاّ أنّ اتّخاذه دون قرارات أخرى تهمّ الزّمن المدرسي والضّوارب ومنظومة التوجيه، فضلا عن البنية الأساسية والظروف المادية، يجعله قرارا لن يحقّق غرضه على الأقلّ في المدى المنظور.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×