الرئيسية / صوت الوطن / أيّ مكانة لمهنة الخدمة الاجتماعيّة في المجتمع التّونسي؟
أيّ مكانة لمهنة الخدمة الاجتماعيّة في المجتمع التّونسي؟

أيّ مكانة لمهنة الخدمة الاجتماعيّة في المجتمع التّونسي؟

تشهد السّاحة الاجتماعية في الفترة الأخيرة حراكا اجتماعيا كثيفا ومتصاعدا على قاعدة مطالب تنموية ودفاعا عن الحقSans titre-6 في الشغل والكرامة. وقد شملت التحركات جهات بكاملها أنهكها التهميش وأصابها الملل من الوعود المتراكمة وعدم فاعلية الخطط والبرامج على قلّتها، وبصفة موازية عبّرت عديد القطاعات المهنية عن غضبها تجاه جملة المشاريع الحكومية المتعارضة مع مشاغل ومطالب المنتسبين إليها ونستحضر معارضة سلك المحاماة لقانون المالية ودفاع القضاة المستميت عن استقلاليّة القضاء ووقوفهم ضدّ كلّ المشاريع التي تهدّد هذا المكسب والموقف الحازم للأساتذة والمعلمين من طريقة تسيير وزارة التربية والارتجالية في مشروع إصلاح التعليم وآخرها الإضرابات المتتالية لقطاع الصحة، حيث تمّ التعبير خلالها وبكلّ وضوح عن أنّ معاناتهم الحقيقية تكمن في تردّي الصّحّة العموميّة برمّتها، وفي قراءة عامّة لهذه الهبّة الاجتماعية نلاحظ أنّ أبعادها المباشرة قد تكون مهنيّة أو مرتبطة بواقع التنمية الجهوية والمحلية لكنها في الأصل هي ردّ فعل اجتماعي تجاه تنامي مظاهر الفقر والخصاصة والارتفاع الجنوني للأسعار والأزمة السكنيّة التي اكتوى بنارها أصحاب الدّخل المتوسّط أيضا.

ولأنّ وطأة هذه الأوضاع تكون غالبا ودائما أثقل على المعوزين والمسنّين والأشخاص ذوي الإعاقة الفاقدين للسّند والأسر محدودة الدّخل والأطفال المعرّضين للإهمال والتشرّد والفشل المدرسي وكلّ مظاهر سوء التكيّف الاجتماعي يحقّ لكلّ المهتمّين بالشأن الاجتماعي أن يتساءلوا عن موقع ودور الخدمة الاجتماعية في مثل هذه الظروف المعقّدة! وهل يملك سلك الأخصّائيّين الاجتماعيّين رؤية لمواجهة المتغيرات الاجتماعية وتقديم التّصوّرات لسياسة اجتماعية قادرة على الاستجابة إلى الحاجيات الملحّة لمختلف الفئات الاجتماعية الهشة؟ ولماذا تخْفُت أصواتهم في الوقت الذي يحتاج فيه المجتمع إلى خبرتهم ومهاراتهم المهنيّة؟

مهنة الخدمة الاجتماعيّة ضحيّة تركة ثقيلة

سلك الأخصائيّين الاجتماعيّين أرهقته رواسب عقود من التّهميش. وقد عمل نظام الاستبداد على إخضاع العمل الاجتماعي بمختلف تمثّلاته لتلميع صورته لدى الفئات الاجتماعية الأكثر حرمانا عبر برامج وإجراءات تعديلية. وفي الوقت نفسه كان النظام البائد حريصا على إبقاء هذه المهنة خارج دائرة الفعل والتغيير الاجتماعي حتى لا تساهم في استنهاض وعي الفئات الفقيرة والمهمّشة بحقوقها الأساسيّة، وأداة لتنفيذ برامج لا علاقة لها بالحاجيات الحقيقيّة لأكثر الفئات تضرّرا من الاختيارات التنمويّة والسياسات الاجتماعيّة الفاشلة.

الأخصّائيّون الاجتماعيّون يرفضون سياسات الاحتواء والتّوظيف  

ساهم الأخصائيّون الاجتماعيّون إبّان الثورة في بعث إشارات إيجابية حول إمكانية التخلص من تداعيات هذه التركة الثقيلة وكابدوا عديد التضحيات في مختلف مواقع عملهم من أجل تقديم الخدمات لآلاف المواطنين في ظروف صعبة ودون حماية مراهنين على مهاراتهم في التدخّل وقدراتهم في الإلمام بمشاغل المعوزين والمعوّقين والمسنّين والطفولة الفاقدة للسّند وفي خلاف مع القانون وكلّ حالات سوء التكيّف الاجتماعي، وعلى عكس عديد القطاعات التي ركّزت على تحسين نظام التّأجير وضع الأخصّائيون الاجتماعيّون مبدأ استقلاليّة مهنتهم على رأس أولويّاتهم، ومن بين نتائج هذا التّوجّه نذكر:

  • مبادرة إدارة الإشراف بإصدار مناشير وأوامر تنظّم عمل اللجان المحلية الخاصة بإسناد المنح القارة والعلاج المجاني للعائلات المعوزة وبطاقات العلاج بالتعريفة المنخفضة للأسر محدودة الدخل

  • إدراج الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ضمن تركيبة اللجان المحلية والجهوية للشؤون الاجتماعية

  • إصدار نظام أساسي خصوصي بتاريخ 11 جانفي 2013 تضمن بعض المكاسب مثل حصر الانتدابات في الاختصاص وتعريف مجالات التدخّل والنشاط المهني والتّنصيص على إصدار ميثاق أخلاقيات ومرجعيات للمهنة وعلى أداء اليمين ومسك بطاقة مهنية مقيسة وإصدار قرار للحماية وللبحوث والتّقارير الاجتماعية التي ينجزها الأخصّائيون الاجتماعيّون دون سواهم بطلب من الهياكل العمومية الأخرى

  • فتح المجال أمام مفاوضات قطاعية سبقت صدور النظام الأساسي تُوّجت بمحضر اتّفاق مؤرخ في 02 جانفي 2012 بين وزارة الشؤون الاجتماعية والمركزيّة النقابية وكان من المفروض أن تسند الحكومة بموجبه سلك الأخصّائيين الاجتماعيين منحا خصوصية تتماشى وقيمة هذه المهنة وحجم تضحيات هذا السلك.

  • الاستفادة من اتفاقية الشراكة بين وزارة الشؤون الاجتماعية والمعهد العربي لحقوق الإنسان في مجال التّدريب على المقاربة المبنيّة على حقوق الإنسان

  • إصدار ميثاق أخلاقيات المهنة بتاريخ 10 جويلية 2014 وتكمن قيمته في التوجّه التّلقائي لتكريس معايير المساءلة والشّفافية

  • الاستفادة من قرار البحوث والتقارير الاجتماعية الصّادر سنة 2016 باعتباره من دعائم تنظيم الممارسة المهنية.

عوامل ذاتيّة وموضوعيّة جعلت هذه المكاسب بلا معنى

 رغم انتماء الأخصّائيين الاجتماعيّين إلى وزارة الحوار الاجتماعي ورغم أهمّية هذا السّلك من حيث العدد والنوعية والانتشار سواء بهياكل الخط الأمامي أو بالمؤسسات الاجتماعية، ورغم دوره المحوري في منظومة العمل الشبكي وحجم العمل اليومي ولا سيما ذلك الجهد الذي يتمّ بذله للتّعهّد بالمشكلات الاجتماعية وإنجاز البحوث والتقارير الاجتماعية فإنّ تأثيره بقي ضعيفا وأحيانا منعدما في مختلف سياقات صناعة القرار، وقد نجد مبرّرا لذلك إذا أخذنا بعين الاعتبار واقع الهيكلة النقابيّة وعدم الإلمام بالحدّ الأدنى من شروط التّفاوض والعجز عن التّسويق للمطالب المهنيّة من ناحية والحاجة إلى تطوير البرامج وأهميّة إبداء الرأي في محتوى البرامج وأثرها على الفئات المتعهّد بها من ناحية أخرى.

لكن ما يدفع إلى الاستغراب هو عدم اكتراث المركزية النقابيّة بهذا الضعف وعدم القناعة بأحقّية هذا السلك في التنظّم صلب نقابة عامة خاصة به توفّر له فرصة التّعبير بعمق عن خصوصيّة المطالب المهنيّة وتفتح له المجال للمشاركة والمساهمة من موقع متقدّم في كلّ مسارات العدالة الاجتماعية والرّقي الاجتماعي والدّفاع عن القطاع العمومي ومقاومة الفساد والتعامل بنجاعة مع مختلف تشكيلات المجتمع المدني واكتساب الخبرة والبداهة للتصدّي لكلّ المشاريع التي من شأنها أن تعمّق من أزمات الفئات الأكثر تضرّرا من السّياسات الاجتماعيّة الفاشلة والبرامج عديمة الجدوى.

مهنة الخدمة الاجتماعيّة تدافع عن القطاع العمومي وتضمن الكرامة والعدالة الاجتماعية

تعتبر مهنة الخدمة الاجتماعية الأكثر قربا لمشاغل المواطنين وخاصّة الفئات المتعهّد بها، وإذا سلّمنا بأنّ الإدارة وخاصّة في مثل هذه الظّروف لا تطوّر المهن، فإنّ الأخصّائيّين الاجتماعيّين مطالبين بإطلاق مبادرات لفتح نقاش واسع وجدّي أساسه تقييم المرحلة الانتقالية (2011 – 2016) ووضع خطّة عمليّة لمواصلة بناء المهنة وقواها الذاتية ليس فقط من أجل مطالب مهنيّة بل بهدف مواكبة تسارع المتغيّرات الاجتماعيّة والمساهمة في إذكاء جذوة الوعي الاجتماعي بقيم المواطنة وبالحقّ في التّنمية العادلة والشّغل والتّعليم والسّكن اللاّئق… وهي مجالات تتطلّب إلماما واسعا بالتّشريع وبالمقاربة الحقوقيّة وبآليات تقييم البرامج والتّحكّم في المؤشّرات وآليّات الإدماج والعمل المشترك  والتّكوين الذّاتي.

شاكر السّالمي أخصائي اجتماعي

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×