الرئيسية / الورقية / افتتاحية صوت الشعب: “انتخابات بلديّة… ولكن على أيّ مقاس؟”
افتتاحية صوت الشعب: “انتخابات بلديّة… ولكن على أيّ مقاس؟”

افتتاحية صوت الشعب: “انتخابات بلديّة… ولكن على أيّ مقاس؟”

00054بعد أخذ وردّ حدّدت الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات يوم 17 ديسمبر القادم، ذكرى اندلاع الثورة التونسيّة بسيدي بوزيد، موعدا لإجراء الانتخابات البلديّة. ومن الواضح أن الهيئة العليا تحاول، باختيار هذا التّاريخ موعدا لأولى انتخابات بلديّة بعد الثورة، استغلال رمزية الحدث لإضفاء نوع من الهالة عليها، وربّما، وهذا هو الأهمّ، لتغطية ما يمكن أن يشوب هذه الانتخابات من شوائب تمسّ مصداقيّتها. وقد كان من الأفضل أن تتجنّب الهيئة مثل هذه الأساليب وتركّز على ما ينفع “البلاد والعباد”، ويضمن انتخابات ديمقراطيّة وشفّافة بحقّ ليحقّق المواطنات والمواطنون غايتهم في إرساء سلطة محلّية، ديمقراطية وممثّلة وفاعلة، بعد عقود من الغبن والتسلّط المرتبطين بفساد عام وشامل في عهد الدكتاتوريّة، وبعد ستّ سنوات من الانتظار بعد سقوط الدكتاتورية.

لقد صاحب التّصديق على القانون الانتخابي جدل كبير. فالأغلبيّة الحاكمة عملت على وضع قانون لا يسمح بتمثيليّة حقيقيّة، تعكس حالة التنوّع داخل المجتمع، وتسمح لكافّة القوى السياسيّة والمدنيّة الفاعلة بالحضور داخل المؤسّسة البلدية، فرفضت مبدأ النسبيّة المطلقة واستمرت في تبنّي “نسبيّة نسبيّة” (أكبر البقايا)، كما وضعت جملة من الشروط لا تخدم إلّا مصالح الكبار، وأخطر هذه الّشروط التي تنتهك مبدأ الديمقراطية هو “العتبة”، التي حدّدت بـ 3 في المائة، فمن لا يحصل على هذه النّسبة لا حقّ له في التّمثيل وتوزّع أصواته على البقيّة، كلٌّ حسب حجمه، وهو ما يخدم مصلحة “الكبار”.

وثاني هذه الشّروط هو “التّمويل المابعدي”، أي أنّه على أصحاب القائمات تمويل حملتهم بأنفسهم عسى أن يستردّوا مصاريفهم بعد إعلان النتائج وحصولهم على النّسبة المطلوبة من الأصوات. ومن البديهي أنّ هذا الشرط لا يخدم سوى مصالح أصحاب المال الذين سيتدخّلون، في غياب مراقبة جدّية، بكافّة الوسائل للتأثير في مجرى الانتخابات وكسب الأصوات لفائدة القائمات التي سيعدّونها لخدمة مصالحهم الخاصة بالنظر لمجالات تدخّل المجالس البلدية خاصة في كل ما يتعلق بالعقارات ولكن أيضا في كل ما يتعلّق بالشّراءات التي تحتاجها البلديات. وبالمقابل فإن أصحاب القائمات الذين ليس لهم مال، ولهم برامج وأفكار جدّية، سواء كانوا من الأحزاب أو من المستقلّين، فإنّهم سيجدون أنفسهم مهمّشين، بهذه الدّرجة أو تلك، أمام قوّة أصحاب المال.

وإذا أضفنا إلى هذين الشّرطين، بقيّة الشروط الأخرى المتعلّقة بالتّناصف العمودي والأفقي وبتمثيل الشّباب وذوي الاحتياجات الخصوصيّة، وهو ما قد لا يقدر عليه أكثر من طرف، خاصّة أصحاب القائمات المستقلّة، أدركنا أن القانون الانتخابي للبلديّات قدّ على مقاس “الكبار”.  هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإنّ ما يثير المخاوف أيضا بعد تعيين موعد الانتخابات البلديّة هو مدى قدرة هيئة شفيق صرصار على توفير جملة الشروط المتبقّية لإجراء الانتخابات وهي حلّ ما تبقّى من نيابات خصوصية (100 نيابة) في ظرف أسبوعين وإعداد التّقسيم البلدي النهائي، بعد أن أدمجت المناطق الرّيفية في الفضاء البلدي، وذلك قبل موفي جوان القادم، إضافة إلى مناقشة البرلمان قانون الجماعات المحلّية الذي يضمّ بضع المئات من الفصول، والمصادقة عليه.

إن أكثر من مراقب يشكّ في قدرة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات على توفير هذه الشروط، خاصّة استكمال قانون الجماعات المحلّية الذي سيحدّد صلاحيّات المجالس البلدية والذي من دونه سنجد أنفسنا أمام بلديّات لا تختلف عن العهد الدكتاتوري، قبل موعد 17 ديسمبر القادم. وهو ما يطرح السّؤال لماذا تحديد هذا الموعد إذا كانت شروط إنجاح الانتخابات غير مضمونة؟ وما هو دور ضغوط الائتلاف الحاكم وخاصّة حزبي “النهضة” و”النداء” في تحديد هذا الموعد؟ وهل للائتلاف الحاكم نيّة جديّة حقّا في إجراء انتخابات بلدية ومحلّية ديمقراطية وشفّافة، أم هل أن النيّة تتّجه مرة أخرى نحو السّيطرة على هذه المؤسّسة وتوظيفها لفائدة لوبيّات الاستغلال والفساد التي يرتبط بها الائتلاف الحاكم؟

لقد طالب حزب العمال والجبهة الشعبية دائما بضرورة الإسراع بالانتخابات البلديّة. ولكنّهما اشترطا إجراءها في ظروف تجعل منها نقلة نوعيّة في مجال الحكم المحلّي. فالمهمّ ليس الانتخابات في حدّ ذاتها، بل الغاية منها. ومن هذا المنطلق وأمام ما يهدّد بإجهاض الانتخابات البلديّة القادمة سواء بسبب ما جاء في القانون الانتخابي من شروط تسهّل سيطرة أصحاب المال عليها أو بسبب الشكّ في قدرة الهيئة العليا على توفير بقيّة الشروط من هنا إلى موعد 17 ديسمبر القادم، فإن القوى الديمقراطية، أحزابا وجمعيات ومنظمات وشخصيات، مدعوّة إلى رصّ الصّفوف من أجل التصدّي إلى كل محاولة ترمي إلى إجهاض هذه الانتخابات. وهو ما ينبغي الاهتمام به من الآن ودون أيّ تأخير.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×