الرئيسية / صوت العالم / الأزمة الليبية بين الصراع الداخلي والتدخل الخارجي
الأزمة الليبية بين الصراع الداخلي والتدخل الخارجي

الأزمة الليبية بين الصراع الداخلي والتدخل الخارجي

الصراع على أشدّه في القطر الليبي بين الجبهة الإسلامية التي تتشكّل من تحالف فجر ليبيا وتنظيم الإخوان المسلمين والجماعة الليبية المقاتلة وتنظيم أنصار الشريعة ومجالس شورى مجاهدي أجدابيا وبنغازي ودرنة التابعة لتنظيم القاعدة من جهة والقوى الليبرالية والقبائل التابعة لنظام العقيد القذافي والجيش الليبي ومجموعات الزنتان من جهة أخرى.

مدار الصراع هو السلطة وخلافة النظام المطاح به، صراع استعمِلت فيه كل أنواع الأسلحة وذهب ضحيّته الآلاف من الشعب الليبي من قتلى ولاجئين في عديد البلدان، منها بلادنا.

وما عقّد الأزمة الليبية أكثر فأكثر إلى جانب غياب الدولة وانتشار السلاح هو التدخلات الإقليمية والدولية، سواء من أجل استثمار الثروات الليبية من نفط وغيره، أو من أجل فرض بدائل مجتمعيّة تدين بالولاء لهذا الطرف الخارجي أو ذاك.

الإسلاميون ينقلبونUntitled-3

انتخابات 2014 التي جاءت بأغلبية ليبرالية إلى البرلمان وأسقطت الإسلاميين دفعت بالمجموعات المسلحة التابعة لمصراتة إلى الهجوم على العاصمة طرابلس ودكّها بالأسلحة الثقيلة والمتوسّطة وإحراق مطارها الدولي. وقد تشكّلت على إثرها حكومتان متناحرتان، حكومة الإنقاذ أو ما يسمّى بحكومة طرابلس في الغرب غير معترف بها وأخرى في طبرق في الشرق معترف بها دوليا.

سقوط الإخوان ومشتقاتهم في الانتخابات إذًا دفع بهؤلاء إلى العصيان والتمرّد على الشرعية الشعبية وإدخال البلاد في حرب أهليّة مدعومين من قطر والسعودية وتركيا خدمة لأجندات لا علاقة لها بمصالح الشعب الليبي الذي كان ينتظر الأمن والاستقرار والديمقراطية مثل باقي شعوب المعمورة.

التراب اللّيبي شكّل ولازال بؤرة لصناعة الإرهاب التكفيري، حيث يستقبل الآلاف من “الجهاديّين” من تونس والمغرب والجزائر وكل أنحاء العالم ليتدرّبوا على كل أنواع الأسلحة قبل أن يقع توزيعهم على سوريا والعراق واليمن بدعم من القوى الاستعمارية التي لها حساباتها وأجنداتها في المنطقة.

لكن سقوط الإسلاميين في مصر ومغادرتهم الحكم في تونس وبروز توجّه جديد في العالم يقضي بمكافحة الإرهاب التكفيري والحدّ من خطورته التي طالت الدول الغربية ذاتها دفعت بهذه الأخيرة إلى تغيير تكتيكاتها والتراجع عن مساندة الإسلاميين والبحث عن بدائل حكم.

حكومة الوفاق الوطني تتعثّر

لقد تشكلت حكومة الوفاق الوطني الليبية برئاسة فائز السراج تتويجا لاتفاق الصخيرات في ديسمبر 2015 بإشراف الأمم المتحدة بعد أشهر من الحوارات والصراعات. لكنها لم تحز على ثقة البرلمان المنتخب الذي رأى في الاتفاق تدخّلا سافرا من القوى الاستعمارية من شأنه المسّ من سيادة ليبيا وحق شعبها في تقرير مصيره رغم ضغوطات الدول الغربية وأمريكا الداعمة لفائز السراج وتهديداتها المتواصلة بالتدخل العسكري.

فشل حكومة السراج في نيل ثقة البرلمان دفع بالقوى الاستعمارية بقيادة أمريكا إلى التراجع والبحث عن حلول توافقية بين مختلف الفرقاء الليبيين مع الحفاظ على اتفاق الصخيرات كإطار عام لمعالجة الأزمة. وهو ما عبّر عنه المبعوث الأممي المتعهد بالملف الليبي مارتين كوبلر في أكثر من مناسبة والتّعويل في نفس الوقت على دول الجوار لإنجاح المهمة.

دول الجوار على الخط

تفاقم الأزمة الليبية وبروز الخطر الإرهابي الذي بات يهدّد دول الجوار الليبي بعد هزيمة الإرهابيين في حلب السّورية وشروعهم في العودة إلى بلدانهم الأصلية مرورا بليبيا وما يمثله ذلك من خطر على أمن واستقرار هذه الدول دفع بكل من مصر والجزائر وتونس إلى البحث عن حلّ للأزمة يحافظ على وحدة ليبيا ويُرسي دعائم دولة مدنية لا مكان فيها للإرهابيين.

في هذا الإطار عقد اجتماع وزراء خارجية دول جوار ليبيا (مصر- الجزائر – تونس – السودان – التشاد – النيجر) بحضور المبعوث الأممي والمبعوث الخاص للاتحاد الإفريقي وأمين عام جامعة الدول العربية برعاية مصرية.

وسارع زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي إلى لقاء الرئيس الجزائري للتباحث حول عقد لقاء مصري – تونسي – جزائري وإعداد ترتيبات للقاء بين مكونات المشهد السياسي الليبي يفضي إلى مصالحة وطنية. ولنفس الغرض قام وزير الخارجية المصري بلقاء قايد السبسي.

لكل جهة حساباتها السياسية والأمنية والاقتصادية. فالغنوشي يريد لعب دور إقليمي يفتح الباب أمام الإخوان في ليبيا والجزائر للتموقع في المشهد السياسي القادم ويعطي لحركة النهضة أدوارا أكبر وأهم في المستقبل داخل تونس وخارجها.

أما السبسي فيبحث عن الاستقرار ودرء الخطر الإرهابي الذي قد يعصف بحكم النداء. لذا فوّض الأمر لحليفه في الحكم للعب هذا الدور مع الشقيقة الجزائر التي تبحث عن طرف قويّ قادر على التأثير على الإسلاميين في ليبيا وجرّهم إلى المصالحة الوطنية وتطويق الأزمة التي يمكن في حال استفحالها جرّ المنطقة برمتها إلى أتون الحرب الأهلية.

الجزائر تشعر بأنها مستهدفة من طرف القوى الاستعمارية، وهي تعيش على وقع تجاذبات داخلية مرتبطة بخلافة بوتفليقة وتبحث بالتالي على نوع من الاستقرار في محيطها الإقليمي من شأنه المساهمة في استقرارها الداخلي.

اما مصر المهدّدة من الإرهاب التكفيري والتي تعيش التفجيرات وأعمال القتل فتبحث عن تأمين حدودها مع جارتها ليبيا والتأسيس لنظام في ليبيا يساعد على ذلك حتى تتفرّغ لمعالجة أوضاعها الداخلية الأمنية والاقتصادية والاجتماعية. وهي تعمل على ضمان دور أكبر للجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر الذي يلقى الدعم من مصر وروسيا ما جعله يحرز عديد الانتصارات في الشرق الليبي وخاصة في الهلال النفطي.

أي أفق تجاوز الأزمة

المصالح تبدو متناقضة بالنظر لانتظارات كل طرف، لكن ما هو مشترك هام سواء بالنسبة لدول الجوار التي تبحث إجمالا عن الاستقرار وتأمين الحدود وغلق المنافذ أمام الإرهاب التكفيري رغم بعض محاولات التأثير في المشهد القادم، أو بالنسبة للأطراف الليبية المجبرة على التعايش في إطار التعدّد والاختلاف تحت ضغط أوضاع التشرّد والجوع والتهميش والهجرة القسريّة والقتل على الهويّة الذي يتعرّض له الشعب الليبي.

لكن الخطر الأساسي يأتي من التدخل الخارجي سواء الدول الإقليمية الراعية للإرهاب التكفيري (قطر، السعودية، تركيا) التي تبحث عن “نجاحات” في ليبيا بعد هزيمتها في سوريا والعراق وفشلها في اليمن، أو القوى الاستعمارية التي من أولويّاتها الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في المنطقة وفي مقدّمتها استغلال الثروات النفطية الليبية ومنع الهجرة السرية إلى أوروبا، وهي غير مستعدّة لقبول أي حلّ لا يخدم هذه الاستراتيجية وبحاجة بالتالي إلى حكم طيّع وموالي لها وخادم لمصالحها.

بقلم علي البعزاوي

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×