الرئيسية / الافتتاحية / الافتتاحية : إجماع سياسي حول مبادرة الجبهة للتّدقيق في المديونيّة
الافتتاحية : إجماع سياسي حول مبادرة الجبهة للتّدقيق في المديونيّة

الافتتاحية : إجماع سياسي حول مبادرة الجبهة للتّدقيق في المديونيّة

تقدّمت كتلة الجبهة الشعبيّة بمجلس نوّاب الشّعب يوم 14 جوان الجاري بمقترح قانون يتعلّق بإحداث لجنة تدقيق في الدّيون العُموميّة التّونسيّة التّي تراكمت منذ جويلية 1986. وتبعا لذلك عقدت ندوة صحفيّة يوم 22 جوان لتقديم المبادرة للرأي العامّ التّونسي.
13466013_1060575074017726_3853332227709156270_n

وقّع على مقترح القانون 73 نائبة ونائب ينتمُون إلى كافة الحساسيّات والتّوجّهات السّياسيّة الموجودة في البرلمان، إن في الائتلاف الحاكم أو في المعارضة، باستثناء كُتلة حركة النّهضة، التّي تمّ إطلاعُها على المبادرة ولكنّها امتنعت عن الانضمام إليها. ويُعتبر هذا النّجاح في تحقيق هذا الإجماع السّياسي الواسع حول مسألة التّدقيق في المديُونيّة، دليلا إضافيّا على وجاهة مُقترحات الجبهة الشّعبية ومُلاءمتها لمتطلّبات حلّ مُختلف المشاكل والمُعضلات التّي تواجه تُونس.

وتجدر الإشارة إلى أنّ المديُونيّة العُمُوميّة قد تطوّرت حتّى سنة 2010 في ظلّ نظام حُكم دكتاتُوري أخضع كافة مُؤسّسات الدّولة، خاصّة تلك التّي تتعاقد على القُرُوض أو التّي تتصرّف في أموالها، إلى استبداده وإلى مصالحه الخاصّة في غياب تامّ للشّفافيّة وآليّات الرّقابة الدّيمُقراطيّة.

أمّا فترة ما بعد الثّورة فإنّها تتميّز بتزايد سريع في نسق التّداين العُمُومي من جهة، وتدهور جميع المُؤشرات الاقتصاديّة والاجتماعيّة، بالإضافة إلى عدم استقرار الوضع العامّ وتنامي المخاطر الأمنيّة وبالخصوص تعدّد العمليّات الإرهابية من جهة ثانية. كما تجدر الإشارة أيضا إلى أنّ جزءً مهمّا من الدُّيون الجديدة، التّي تمّ التّعاقد عليها بعد الثّورة، قد وُظّفت في تسديد الدّيون التّي تراكمت خلال فترة الحُكم الدّكتاتُوري.

وإذا كان حجم التداين قد ارتفع بعد الثورة فإنّ ذلك يعود إلى الطبيعة الرجعية للحكومات المتعاقبة على السلطة والتي واصلت تكريس نفس الخيارات الاقتصادية اللاّوطنية السابقة ولم تلتفت إلى النهوض بالبلاد وإلى تخليصها من التبعية التي يمثّل التّداين أحد أهمّ مظاهرها.

وتندرج مسألة التّدقيق في المديونيّة العُمُوميّة ضمن تصوّر مُتكامل تسعى الجبهة الشّعبيّة إلى تطبيقه كحلّ لمعضلة المديونّية العُمُوميّة التّي تمثّل في الظّرف الرّاهن عبء ثقيلا على كاهل الشّعب التّونسي وعائقا رئيسيّا أمام تطلّعاته من أجل الحريّة والعدالة الاجتماعيّة.

تبرز أهميّة التّدقيق في الظّرف الرّاهن بالنّظر إلى تفاقم كلفة خدمة الدّين العمومي الذي ما يزال يمثّل العنوان الأوّل في ميزانيّة الدّولة، إذ بلغت قيمته خلال هذه السّنة،5,13 مليار دينار، أي ما يُعادل مجمُوع تسع ميزانيّات هي: الصحّة، والشّؤون الاجتماعيّة، والتّكوين المهني والتّشغيل، والتّنمية والاستثمار، والنّقل، والثّقافة، والبيئة والتّنمية المستدامة، والمرأة والأسرة والطّفولة، والسّياحة. كما تبرز أزمة المديونيّة بالخُصوص بالنّظر إلى الصُّعوبات المتزايدة التّي تعترض الحُكومة لتعبئة المزيد من موارد الاقتراض لمجابهة المتطلبات المُرتفعة لتسديد الدّيون، الأمر الذي نتج عنه بداية عجز هذه الأخيرة عن ضمان تواصل تسديد الدّيون في آجالها، وهو ما برز بشكل جليّ في المدّة الأخيرة على إثر إعلان الحُكُومة عدم قُدرتها على تسديدالقرضين القطريين، بقيمة مليار دولار، في أجلهما سنة 2017. وهو عجز يدُلّ على دُخول الماليّة العُمُوميّة منطقة الأزمة المفتوحة، كما يبرهن هذا العجز بشكل واضح على عدم قابليّة المديُونيّة الرّاهنة للتحمّل التي ماانفكّت الجبهة الشعبيّة تنبّه إليه.

إنّ إنقاذ تونس من الأزمة الماليّة الخطيرة التّي تواجهها وتحصينها من المخاطر الإرهابية ومحاولات الالتفاف على الحريّات التي انتزعها الشعب التّونسي بدماء الشّهداء، وتوفير إمكانات أفضل لحل المشاكل الاجتماعية وعلى رأسها البطالة، يشترط من ضمن ما يشترط، مُراجعة منظُومة المديُونيّة وذلك من خلال مُساءلتها وتوضيحها ومُحاسبتها بواسطة التّدقيق، وإلغاء ما ينبغي إلغاؤه من الديون حين يثبت عدم استعمالها لفائدة مصلحة عامة بحق ومحاسبة المسؤولين عن ذلك، والحد من الاقتراض الخارجي مستقبلا إلاّ ما كان لازما للتنمية، مقابل التعويل على الذات أي على الموارد الداخلية، ضمن اختيارات اقتصادية وطنية جديدة، لتثبيت أُسُس النّظام الدّيمُقراطي وضمان الحُقُوق الأساسيّة لعُمُوم المُواطنات والمُواطنين ولمنع تكرار نفس الأخطاء التّي رافقت تطوّر المديُونيّة التي تحولت إلى قيد يحول دون تمتع بلادنا باستقلالية قرارها الوطني. وهو ما يتطلب من الجبهة الشعبية أن تجعل من النضال ضد سياسة التداين الخارجي التي اعتمدتها وتعتمدها كل الحكومات الرجعية في بلادنا محورا أساسيا من محاور اهتمامها، وليكن مشروع التدقيق في المديونية المقدم خطوة جديدة في هذا الاتجاه لا بد من متابعتها وتعبئة الرأي العام الديمقراطي والتقدمي حولها.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×