الرئيسية / صوت العالم / التّونسيّون بالخارج: سوء المعاملة والرّشوة في استقبالهم عند العودة
التّونسيّون بالخارج:  سوء المعاملة والرّشوة في استقبالهم عند العودة

التّونسيّون بالخارج: سوء المعاملة والرّشوة في استقبالهم عند العودة

نظّم مكتب الجبهة الشعبية بمدينة شالون الفرنسية يوم 14 ماي الجاري لقاء مفتوحا مع التونسيين بحضور عضو مجلس Sans titre-4نواب الشعب عن ولاية المنستير والقيادي بالجبهة الشعبية عبد المؤمن بلعانس وممثل الجبهة بشالون الرفيق عامر ماي. كان موضوع اللقاء مزدوجا فالجبهة تريد تبليغ موقفها ممّا يجري الآن في تونس وكذلك الاستماع المباشر إلى التونسيين بفرنسا حول أهمّ القضايا التي تشغلهم.

إنه موسم العودة إلى الوطن بامتياز، فماتزال لدى التونسيّين بالخارج عادة العودة خلال الصيف إلى تونس لقضاء العطلة العائلية، ولمتابعة شؤونهم الحياتية في بلادهم. وخلال التّعرض إلى أهمّ القضايا التي يرون أنّها ذات أهميّة قصوى كان موضوع الفساد والرشوة وسوء المعاملة الديوانية أهم تلك القضايا. إنه أمر محيّر وأنت تستمع إلى شهادات حيّة حول ما يتعرّضون إليه، ونتائج ذلك على أطفالهم.

سوء المعاملة بوّابة الدّخول إلى الوطن

بدأت عدّة عائلات تونسية بالخارج تعود إلى تونس لقضاء العطلة السنوية والتي تنطلق هذه السنة مبكّرا نظرا إلى حلول شهر رمضان بداية الصيف. لكنّ عددا هائلا من بين التونسيين بالخارج لم يقرّر بعد العودة، أو هم بصدد التّردّد تحت عدّة ضغوط اقتصادية واجتماعية. التّردّد والعزوف عن العودة يطال أساسا الجيل الثاني والثالث بنسبة أكثر حتى أنهم باتوا يرغبون في قضاء عطلهم ببلدان أخرى عدا بلادهم. المسألة لا تتعلق بقضية اختيارات شخصية مزاجيّة أو من قبيل حبّ الاطّلاع وإنما متّصلة مباشرة بإشكالات مرتبطة بصعوبات حقيقية عند التّوجّه إلى تونس. بداية هذه الإشكالات هي سوء المعاملة.

لتجنّب التّعميم وبلوغ الوضوح في هذا الموضوع فإنّ الحديث عن سوء المعاملة المقصود به مباشرة هو المرفق العمومي التونسي وأساسا الديوانة. من مظاهر ذلك، سلوك التعالي والحقرة والتظاهر بالغلظة والخشونة وكأنهم يريدون إبلاغ رسالة تعالي غريبة، لأنها مليئة بالألغاز ومنها لغز الإيحاء بأنّ السلطة بين أيدينا ونتصرف بها كما نريد. يقولون إنّ سوء المعاملة تطال طريقة طلب الوثائق والنظرة واستعمال الإشارات التي تُعتبر مستفزّة رغم طابعها الشكلي عند البعض، ولكن تراها الأغلبية أنها نوع من قلّة الاحترام ومنافية لضوابط الاستقبال. من الواضح أنّ طريقة الاستقبال من قبل الديوانة التونسية غير مدروسة ومتروكة إلى تصرّف مزاجي للأعوان لذلك يعتبر البعض أنّ هذا العون عاقل أو طيّب والآخر عكس ذلك، في حين أنّ الموضوع لا يتعلّق بالحكم على الأفراد. الجيل الثاني والثالث غير متعوّد على تلك العنجهية فيرونها غير مقبولة بالمطلق لأنهم يعيشون في فضاء يُدين قانونا مثل تلك الممارسات من قبل الإدارة تجاه المواطنين.

إذا بداية العلاقة تكون متوترة منذ البداية. سوء المعاملة لا ينتهي عند ذلك الحد، بل يطال كافّة مراحل النزول بالميناء للذين اختاروا العودة عبر البحر. طريقة التّفتيش، من أخطر تلك الانتهاكات لأنها تصل حدّ الغرابة، والغرابة تأتى من عدم فهم ما يجري. التّفتيش هو أحد أهمّ مهمّات العمل الديواني من أجل حماية تونس، لكن بأيّة كيفيّة يقع التّفتيش وبأيّة طريقة وبأيّ سلوك وبأيّة إجراءات؟ بات الجميع مقتنعا أنّ طريقة تفتيش التونسيين العائدين عبر البحر يقع بطريقة متعمّدة للابتزاز، فهل هذا صحيح؟، الجواب حتى لو كان بالنفي فإنه لن يلغي قناعة ناتجة عن ممارسة، لأنّ الممارسة هي التي تفرض قوانينها بدل القوانين التي تمّ تشريعها. في هذه الحالة ما يمارسه الموظف العمومي في ظلّ عدم قدرة المواطن على الدفاع عن نفسه يُعتبر عنصرا من بين عناصر انتشار سوء المعاملة. نعم، هناك إمكانيات للتظلّم ولكن الحيلة بالمعنى السلبي أقوى، وانتشار الظاهرة طالت الجميع. فالإفلات من العقاب هو السائد، والمطالبة باحترام القانون بات هامشي، وغير مسموع، لأنّ الشهادات المقدّمة من قبل المواطنين تقول إنّ كوادر ديوانية ميدانية هي على بيّنة من الأمر وهي ضالعة في تلك التّجاوزات. لقد ذكر أحد الحضور وسانده كلّ من كان ضمن الاجتماع أنّ أبناءه لا يرغبون في العودة الموسمية إلى تونس بل إنهم سئموا تلك الممارسات وهم يرغبون في الذهاب إلى بلدان أخرى لقضاء العطلة بما فيها بعض الدول العربية مثل المغرب.

سوء المعاملة ليس سلوكا فرديّا كما يبدو لعديد الأشخاص، وإنما نتيجة لمنظومة شاملة تحتوي على طرق العمل والمراقبة والرسكلة والعلاقات المهنية وكذلك المرتّبات والحقوق والواجبات وكيفية ضبطها وتطبيقها. فسوء المعاملة للمواطنين العائدين إلى تونس لقضاء العطلة هم عيّنة من بين العيّنات، ولكنّ الأمر متضخّم بها لأنّ سوء المعاملة مرتبط بالضّغط على العائد إلى بلاده ليدفع الرّشوة دون تردّد.

الرّشوة للإفلات من الهرسلة

لقد أجمع الحضور كما لم يُجمعوا على أيّ موضوع آخر، وموضوع إجماعهم هو قضية الرشوة عند عودتهم إلى تونس خاصة عبر البحر. لقد ذكروا أنّ لحظة نزولهم من “البطّو” هي لحظة عسيرة ينسى فيها الجميع فرحة العودة ليستقر مكانه الشعور بالخوف والقلق. إنه بالفعل أمر محيّر ولا يصدّق. ليس لديهم أيّ ممنوع ولكن في نفس الوقت لهم قناعة بأنّ كلّ ما عادوا به مخزّنا في السيارة أو غيرها هو ممنوع إلى حين أن يُعلمهم الديواني أنه بإمكانهم مواصلة الطريق. وإذا ما أعلم الديواني أحدهم أنّ كذا غير مسموح به فإنّ قوله يكون مطلقا ولا إمكانية للاعتراض عليه، أمّا إذا ما تمّ الاعتراض فتلك قصة أخرى تبدأ بعملية انتقام بتحويل السلع إلى مكان خاص للتفتيش الدقيق، وبطبيعة الحال لن يخرج منها بسلام. فدائما أو جرت العادة أن يكون هناك شيء ما ممنوعا أو مخالفا أو يخضع إلى ضريبة أو خطيّة ماليّة، وفي الأثناء لن ينجو هذا الشخص من الإهانة المتواصلة من قبل كلّ من لهم صلة بما في ذلك من عمّال الشركات الخاصة العاملين بالمنطقة الديوانية.

وبما أنّ الأمر على غاية من الغموض وعلى غاية من التّعقيد، وفي ظلّ غياب المعلومة والوثائق التي تحدّد ما هو مسموح به وما هو غير مسموح به فإنّ كلّ عائد ما عليه إلاّ وضع اليد على القلب في انتظار الوصول إلى لحظة الحسم الديواني. لكلّ ذلك وخوفا من مزيد الانتظار والمفاجآت فإنّ كلّ عائد يكون مستعدّا لدفع رشوة مقابل الإسراع في الإجراءات وحسن المعاملة وتفادي فوضى التفتيش على الطريقة التونسية. هذا المناخ يبدو أنه مفتعل حتى يتمكّن الجميع من قبض ودفع الرّشوة. عادة ما يرى البعض أنّ التونسيين بالخارج يعودون محمّلين بالأدباش وغيره من الأدوات التي تدخل في باب المواد المحميّة. أليس هذا الأمر مضحكا؟ يعنى أنّ البضائع المكدّسة في السوق الموازية تابعة للتونسيين بالخارج؟ أبدا، إنها تعود إلى مافيات مختصّة تحت أنظار الديوانة والدولة وأجهزتها الأمنية والإدارية.

الرشوة باتت أمرا ديمقراطيا في هذا الفضاء، لأنّ طريقة تنظيمه والتراتيب المعمول بها والسياسة الديوانية الحالية هي التي أوجدت هذه الظاهرة وتطوّرت في أحضانها المحميّة. الرشوة ارحم من الانتظار الطويل والرشوة ارحم من الهرسلة والرشوة أرحم من حجز البضائع رغم أنها عائلية وليست تجارية، هذا ما ردّده الجميع رغم أنهم ضدّ الرشوة ومستعدين لدفع معاليم مالية لحمايتهم من هذه الظاهرة. التونسيون بالخارج العائدون إلى وطنهم باتوا هدفا للابتزاز في زمن تصوّروا فيه أنّ الرشوة جريمة.

هل يمكن إقامة علاقة بديلة بين المواطنين والدّيوانة؟

ثمة حلول جذرية، تمكّن الدولة من المليارات سنويا لفائدة الخزينة العامة، وفي نفس الوقت تضمن للمواطنين حقوقهم وتصون كرامتهم وتُغنيهم عن دفع الرشوة وتجعل من أعوان الديوانة الممثّل الحقيقي للمرفق العمومي الجمهوري. لكنّ ذلك يتطلّب جرأة ووضوح القيادة السياسية للدولة. والقيادة السياسية الحالية لا يمكن أن تكرّس سوى منظومة الإفلات من العقاب. تونس في حاجة إلى قيادة سياسية ذات برنامج وطني يطال كافة المرافق وبالأخص الديوانة. في كلّ ما ذكرنا نؤكّد على أنّ الديوانة التونسية تحتوي على ذوي الأيادي النظيفة، والتعميم مرفوض.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×