الرئيسية / صوت الوطن / الحرب على الفساد: انقلاب السّحر على السّاحر
الحرب على الفساد:  انقلاب السّحر على السّاحر

الحرب على الفساد: انقلاب السّحر على السّاحر

 

علي البعزاوي

 عندما أطلق رئيس الحكومة “حربه” على الفساد بإيقاف مجموعة من المهرّبين ووضعهم تحت الإقامة الجبرية في محاولة منه للتّغطية على فشل حكومته في معالجة الملفات الجهوية والقطاعيّة المتعلّقة بالتّنمية والتشغيل والخدمات الأساسية… وحسم الصّراعات داخل الحزب الفائز الأوّل في الانتخابات التي باتت تربك العمل الحكومي وتشوّه صورة هذا الحزب لدى الرأي العام، سارع عديد المتابعين إلى مباركة الحملة وطالبوا بالذهاب بها إلى نهاياتها واجتثاث الورم من جذوره.  

في المقابل كشفت الجبهة الشعبية ما تخفيه الحرب المزعومة على الفساد وأكّدت على ضرورة البدء بمؤسسات الدولة المختلفة وفق استراتيجية متكاملة حتى تتأكّد جديّتها وتلقى المساندة الشعبية الضرورية لتحقيق أهدافها.

 الفساد يعشّش في مفاصل الدولة

لقد نبّهت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد إلى وجود شبهات فساد تتعلّق بوزراء ومسؤولين كبار في الدولة ومستشارين لدى رئيس الحكومة نفسه. وطالبت بمواصلة الحرب إلى النهاية.

 روّاد الشبكات الاجتماعية تفاعلوا من جهتهم بعين ناقدة مع هذه الحرب وطالبوا بالمزيد من الجدية والذّهاب إلى رأس الأفعى. لكن أحزاب الحكم لم تكن مجمعة على مواصلة الحملة. ففي حين شكّل حزبا النهضة والنداء هيئة تنسيق للضّغط على رئيس الحكومة والحدّ من انعكاسات حملته على أتباعهما ومموّليهما، سارع رئيس حزب آفاق تونس ياسين ابراهيم إلى توجيه تهم فساد ضدّ المهدي بن غربية وزير العلاقة مع الهيئات الدستورية تتعلق بما بات يُعرف بقضيّة الخطوط الجويّة التونسيّة. ووزّعت رئيسة كتلة هذا الحزب على رؤساء الكتل تقريرا يتضمّن احدى عشر تهمة فساد موجّهة ضدّ الوزير الذي فتح في شأنه تحقيقا من قبل قاضي التحقيق التاسع بالمحكمة الابتدائية تحت عدد 9 /40781 .

وزير الشؤون المحليّة رياض الموخّر أحيل بدوره بمعيّة مستشاره منير الفرشيشي على التّحقيق بسبب شبهة فساد تتعلّق بالتّعاقد مع خبير تحوم حوله شبهات فساد رغم رشوح أخبار تشير إلى أنّ أسباب هذا التحقيق تعود إلى إمكانية مغادرة حزب آفاق لحكومة الشاهد والتحاقه بالمعارضة.

 الشّاهد بين المطرقة والسّندان

وفي مناخ من التجاذب وتبادل الاتّهامات والصّراع على السّلطة داخل الائتلاف الحاكم وتحت ضغط الشارع والمعارضة، وجد رئيس الحكومة نفسه أمام خيارين أحلاهما مرّ: إمّا مواصلة الحملة على الفساد وتحدّي “فيتو” حزبي الحكم الكبيرين اللّذان شكّلا هيئة تنسيق لِلَجم حرب الشاهد على الفساد، والمضيّ في تتبّع الوزراء والمستشارين وكبار المسؤولين في الدولة الذين تتعلّق بهم قضايا فساد واستغلال نفوذ والذين وردت أسماؤهم في تقارير هيئة شوقي الطبيب أو وقف الحملة والاكتفاء بمجموعة شفيق الجرّاية وتحمّل النّتائج بما في ذلك فرضيّة سقوط الحكومة وتعويضها بأخرى تحظى بثقة الأغلبية الحاكمة.

الحرب على الفساد “كركوب الدرّاجة إن توقّفت عن دفعها تسقطك أرضا” ويبقى الشاهد مُطالب بالتّسريع في وتيرة سيرها وتجاوز الانتقائية والذهاب رأسا إلى أباطرة الفساد الذين يعشّشون في أجهزة الدولة. وحتى يكون لحربه على الفساد معنى فهو مطالب باستهداف كامل المنظومة التي هو جزء منها باعتبارها وفّرت له فرصة قيادة الحكومة بصلاحيات واسعة أتاحها الدستور. لكنه سيصطدم بجهات متنفّذة وفاعلة داخل منظومة الحكم وفي مقدّمتها رئيس الدولة الذي مازال يصرّ على تمرير قانون المصالحة مع الفساد وحزبا النداء والنهضة اللّذان لن يقبلا بتهرئة المنظومة التي بوّأتهما مركز القيادة، وفي هذا السياق فإنّ رئيس الحكومة، وفي كلّ الأحوال، لن يذهب بعيدا في حربه المزعومة على الفساد.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×