الرئيسية / صوت العالم / الحرب في ليبيا: الدَويّ في تـونس والعـين على الجـزائر // حبيب الزموري
الحرب في ليبيا: الدَويّ في تـونس والعـين على الجـزائر //   حبيب الزموري

الحرب في ليبيا: الدَويّ في تـونس والعـين على الجـزائر // حبيب الزموري

       لم يكن المغرب العربي في أيّ لحظة من لحظاته التّاريخية الكبرى بمعزل عن المشرق العربي والعكس صحيح أيضا. لكن سعت الأجهزة الدعائية الرجعية، خلال العقدين الأخيرين، إلى طمس هذا المصير المشترك لفائدة أطروحات طائفية وظلامية فجّرت تناقضات داخل المشرق العربي لطاما كانت ثانوية وغير فاعلة أمام معركة التحرر الوطني وتأميم الثروات ولا سيما أمام القضية الفلسطينية.

لكنّ هذه القضايا المحورية للشعوب العربية توارت خلف عمليات التفخيخ التي تعرّض إليها خصوصا المجتمع اللبناني والمجتمع العراقي والمجتمع السوري.

مشروع الشّرق الأوسط الجديد

لقد تحوّلت الأجهزة الدعائية للأنظمة الرجعية العربية منذ مدة طويلة إلى ملحقات “لدبابات الفكر الليبيرالي المتوحش”. وتكفّلت بنقل مخرجات تلك المراكز إلى المنطقة العربية، وفي مقدمتها الترويج لمشروع ” الشرق الأوسط الجديد ” كمشروع مُبشّر بالديموقراطية وحقوق الإنسان والإزدهار. وغيّبت كلّ الأطروحات المناهضة لهذا المشروع الإمبريالي الهادف إلى زرع الفوضى في المنطقة لإعادة تشكيلها من جديد، وفق ما تقتضيه مصالح القوى الإمبريالية التي يزداد تدخلها السّافر وحشيّة كلّما تفاقمت أزمتها الاقتصادية .

 إنّ بلدان المغرب العربي، وخصوصا، ليبيا وتونس والجزائر، تشكّل كتلة تاريخية وجغرافية واحدة. فلم يحدث طيلة التاريخ المشترك لهذه البلدان أن تعرّض أحدها إلى غزو خارجي وبقيت الأخرى بمعزل عن الغزو والتهديدات الخارجية.

       وتكفلت، في هذا السياق، “الإدارة الأمريكية، بمعيّة أجهزتها الديبلوماسية والاستخباراتية والدعائية، بإخراج كذبة “أسلحة الدمار الشامل”، أكبر كذبة أنتجها المركب السياسي – العسكري – الإعلامي الأمريكي التي انكشفت في انتظار انكشاف أكاذيب أخرى لتمكين الإدارة الأمريكية من تنزيل مخططاتها الامبريالية على أرض الواقع بعد أن كانت طيلة السبعينات والثمانينات أسيرة مراكز الدراسات الإستراتيجية و”دبابات الفكر الليبيرالي المتوحش” التي انطلق صعود المشرفين عليها إلى أعلى هرم السلطة الأمريكية، منذ أواخر عهد ريغن، ليضعوا يدهم على مفاتيح السياسة الخارجية الأمريكية في عهد جورج بوش الابن. هؤلاء الذين وصفتهم مجلة “الإيكونوميست” في إحدى افتتاحياتها بـ”كلاب الحرب التي أطلقتها الرأسمالية الأميركية النفاثة” و”أن أميركا أصبح لديها جيش خطر من المفكرين الذين احترفوا تهييج القوة الأميركية واستثارتها حتى تندفع أبعد، كل يوم، على طريق الحرب”.

لقد شكّل العراق المختبر الأول للامبريالية الأمريكية في طورها المحافظ الجديد الأشد شراسة وعدوانية. لكنّ غرق الولايات الأمريكية في وحل دجلة والفرات دفعها إلى البحث عن آليات أقل كلفة لتنفيذ مخططاتها، واضعة نصب أعينها حالة الأنظمة الاستبدادية العربية التي تعيش في النزع الأخير دون أن يكون البديل واضح المعالم.

 

نظريّة الفوضى الخلاّقة

كانت “نظريّة الفوضى الخلاّقة” أفضل تكتيك لإدارة المرحلة الانتقالية التي دخل فيها المسار التاريخي للبلدان العربية التي سقطت أنظمتها الاستبدادية سواء بفعل ثورة شعبية أو تدخل خارجي أي ” تكوين حالة سياسية أوإنسانية مريحة (مريحة للامبريالية الأمريكية طبعا) بعد مرحلة فوضى متعمدة الإحداث”.

 ويُعدّ مايكل ليدين، العضو البارز في معهد “أمريكا انتربرايز”، أوّل من صاغ مفهوم “الفوضى الخلاقة” أو”الفوضى البنّاءة” أو”التدمير البنّاء” في معناه السياسي الحالي وهو ما عبّر عنه في مشروع “التّغيير الكامل في الشرق الأوسط” الذي أعدّ عام 2003.

وارتكز المشروع على منظومة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الشاملة لكلّ دول المنطقة وفقًا لاستراتيجية جديدة تقوم على أساس الهدم ثم إعادة البناء .

اختراق الثّورات العربيّة والانحراف بها عن مساراتها

لقد عملت الامبريالية الأمريكية، شأنها شأن الامبرياليات الأوروبية، على قطع الطريق أمام أيّ قوّة ثوريّة وتقدميّة تحمل مشروعا وطنيّا بديلا عن أنظمة الاستبداد والفساد، سواء بتصعيد طابور خامس إلى السلطة – مثلما حدث في تونس- يواصل انتهاج نفس السّياسات والخيارات الاقتصادية السّابقة، ويكون رهن إشارة التعليمات الأمريكية لمواصلة تنفيذ مخططاتها في المنطقة تحت شعارات ثورية أحيانا. وأبرز مثال على ذلك موقف الحكومة والرئاسة في تونس من الحرب الأهلية في سوريا أو موقف حكومة السبسي، غير المُعلن، من إسقاط نظام القذافي في ليبيا وفتحه لمعابر في الجنوب التونسي لتزويد الميليشيات المناهضة للقذافي بالسلاح المتدفق من أوروبا على ميناء جرجيس.

 وتعاملت الولايات المتحدة الأمريكية مع الثورات العربية بنفس الآليات التي تعاملت بها مع ملف “أسلحة الدمار الشامل” بالعراق. فتحت غطاء دعم التحوّل الديمقراطي تمكّنت من اختراق المسار الثوري وتحريفه عن مساره بتمويل من الرجعيات العربية التي زلزلت الثورة التونسية أركان عروشها وكان التّدخّل في ليبيا أكثر سفورا.

 أمّا في سوريا، فقد كشف عن وجهه الأكثر دموية ووحشية. لقد كانت سوريا وليبيا مسرحا للتحالف الموضوعي بين من وصفتهم “الاكونوميست” بـ”كلاب الحرب وكلاب الدم”.

 إذا كانت الثورة فريسة للقوى الرجعية وعرضة للاختراقات الخارجية، فإنّها ستكون سلاحا لتدمير طموحات الشعوب الثائرة وطموحاتها. أمّا إذا صعدت بقوى ثورية فإنها ستكون سلاحا لتدمير التخلف والتبعية والفقر والفساد والاستبداد .

مخاطر تصدير الفوضى الخلاّقة إلى تونس

   بعيدا عن العنتريّات التي لا تدّخر أركان الائتلاف الرجعي الحاكم جهدا لتسويقها للرأي العام، فإنهم على مستوى الممارسة لا يفوّتون فرصة دون أداء مراسم الولاء والطاعة للدوائر الامبريالية المهيمنة على العالم وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية. فالمتابع لمداخلات نوّاب هذا الائتلاف الرجعي في مجلس النواب يعتقد للوهلة الأولى أنّ تونس ستتحوّل إلى عاصمة عالمية لمناهضة الصهيونية ودعم القضية الفلسطينية. وعلى مستوى الممارسة، فإنّهم لا يخجلون من التصدي لأي مبادرة تشريعية لمناهضة الصهيونية وتجريم التطبيع. وعلى مستوى الخطاب، تجدهم يبشّرون الشعب السّوري بإعادة العلاقات إلى طبيعتها والتنسيق مع الحكومة السورية لتسوية ملفات التونسيين العالقين في سوريا ووقف التحاق الشباب التونسي بالعصابات الإرهابية.

       لكنّهم في الحقيقة، لا يترددون في الالتحاق بأكثر الأحلاف رجعيّة وتغذية للإرهاب والتكفير في المنطقة العربية. وكلّ المؤشرات تدلّ أنّ تعامل هذا الائتلاف الرجعي الحاكم مع قضية الحرب على ليبيا لن يخرج عن هذا السياق، خطاب جاهز للتسويق الداخلي قائم على “البديهيات السبسية” الفضفاضة بعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، احترام السيادة الوطنية لبلادنا، احترام الشرعية الدولية… في حين أنّ سياسات حكومة الائتلاف الرجعي الحاكم على أرض الواقع تجري على قدم وساق لتكون بلادنا، وتحديدا الجنوب التونسي، قاعدة خلفية للعدوان الامبريالي على ليبيا ولتتقمص الدور الذي تلعبه تركيا مع سوريا، سواء على المستوى الإنساني أواللوجستي، علما أنّ اللاّجئين هذه المرة سيتدفّقون وهم مشحونون بما خلّفته أربع سنوات من الحرب الأهلية من التكفير والتقتيل والسطو والفوضى العارمة ومحمّلون بما كانوا خزنوه من أموال وثروات يعسر مراقبتها في بلادنا، ويمكن أن تتحوّل إلى مال فاسد يخترق بنية المشهد الاجتماعي والاقتصادي وحتى السياسي. كما أنّ العمل الإنساني يمكن أن يتحوّل بكلّ سهولة إلى غطاء لنشاط جماعات ذات ارتباطات مشبوهة، لا سيما بعد أن زجّ الائتلاف الرباعي الحاكم ببلادنا في تحالف رجعي متورط بشكل مباشرا في إذكاء نار الصراعات الطائفية والتكفير والإرهاب، كما من شأنه أن يشكّل غطاءا إضافيا لشبكات التهريب لمزيد مراكمة ثرواتها.

تونس قاعدة خلفيّة للعدوان على ليبيا

تُثبت تصريحات وزراء حكومة الائتلاف الرجعي الحاكم أنهم قد انطلقوا في تهيئة الأوضاع، لا سيّما بالمناطق الحدودية بالجنوب، لتجعل من بلادنا قاعدة خلفية للتدخل الامبريالي في ليبيا. ويتأكّد هذا التّمشّي مع الزيارات المتتالية للمسؤولين العسكريين الأمريكيين إلى بلادنا وتفاقم هشاشة التعاطي التونسي الرسمي مع تطوّر الأوضاع في ليبيا في ظلّ غياب أيّة رؤية استراتيجية أو مرحليّة. بل إنّ بعض المقاربات التي يطرحها بعض “الخبراء” القريبين من الأحزاب الحاكمة وتحديدا النداء والنهضة لا تزيد موقف تونس سوى بؤسا. حيث يدعو بعضهم إلى الانقضاض على الفرصة التي يوفّرها العدوان للمطالبة بمزيد الهبات والتسهيلات المالية للاقتراض بدعوى تمويل مخيمات اللاّجئين. في حين لا يخجل بعضهم الآخر من الحطّ من الكرامة الوطنية للشعب والبلاد بالترويج أنّه لا أفق أمامنا سوى الإذعان لإملاءات القوى المهيمنة وتقديم كافة التسهيلات للقوى العسكرية الامبريالية. وهوما لم يتردد السيد الباجي قايد السبسي في تقديمه سنة 2011.

وفي ظلّ سياسة الائتلاف الرجعي الحاكم المرتبكة واللاّمبدئيّة والمتذيّلة لمصالح القوى الامبريالية، تبقى بلادنا مرشّحة لتنامي النشاط الإرهابي وتفاقم التهريب وتزايد سطوة باروناته الذين لن يتردّدوا في توفير الممرّات الآمنة لزعماء الجماعات الإرهابية وأنصارهم، عندما يضيق عليهم الخناق في ليبيا. بل لن تتردّد أحزاب بعينها في توفير الملاذ الآمن لحلفائها من زعماء الميليشيات في الغرب الليبي.

الحلّ يكمن في تمتين الجبهات الدّاخليّة

عوض أن تتوجّه السلطة القائمة إلى تمتين جبهتها الداخلية بتشكيل وحدة وطنية حقيقية، على قاعدة الانحياز إلى مطالب الشعب والثورة، نجدها تمعن في الالتفاف على استحقاقات الثورة بتبنّي نفس الخيارات والسياسات التي أدّت إلى اندلاعها. وعوض البحث عن تشكيل تحالفات اقليمية للتصدي للتهديدات الخارجية، نجدها ترتمي في أحضان حلف رجعي تقوده السعودية بصدد تأجيج الصراع الطائفي والمذهبي في مشرق المنطقة العربية، في حين أنّ تحالفا مغاربيا من شأنه أن يقطع الطريق أمام التحالف الخليجي الرجعي كي لا يتكرر سيناريوالتدخل القطري – الإماراتي في ليبيا، لا سيما أنّ كلّ المؤشرات تدّل أنّ الحرب القادمة على ليبيا لن تتوقف قبل تشكيل الملامح النهائية “للشرق الأوسط الجديد” وفق المواصفات الأمريكية. أمّا الحكومات العربية وتحديدا حكومات الجوار الليبي فهي لا تعرف ما ينتظرها.

 وفي ظلّ غياب هذه المعرفة والرؤية الاستراتيجية، فإنّها تكتفي بدور الوكيل السياسي والاقتصادي للقوى الإمبريالية في بلدانها وتتفنّن في قطع الخيوط التي تربطها بشعوبها الخيط تلو الخيط.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×