الرئيسية / صوت العالم / القوى الدّيمقراطية في ألمانيا وباقي أوروبا تتصدّى للنّازية الجديدة // مرتضى العبيدي
القوى الدّيمقراطية في ألمانيا وباقي أوروبا تتصدّى للنّازية الجديدة // مرتضى العبيدي

القوى الدّيمقراطية في ألمانيا وباقي أوروبا تتصدّى للنّازية الجديدة // مرتضى العبيدي

 

 

“بيجيدا”،

منذ عام ونصف، أصبح هذا الاسم يتكرّر كلّما تعلّق الأمر باعتداءات عنصرية تطال المهاجرين في عديد المدن الأوروبية والتي تزايد نسقها مع موجات الهجرة التي شهدتها بلدان أوروبا، مع استعار الحروب في عديد المناطق من العالم وخاصّة في سوريا والعراق.

وخلال الأسبوع المنقضي، وبالتحديد يوم 6 فيفري، دعا هذا التنظيم أنصاره إلى الخروج إلى الشوارع للتنديد بـ”الغزو الإسلامي” لبلدان أوروبا الذي يتمّ تحت أنظار الحكومات الأوروبية وبتواطؤ منها حسب زعمه. فما هي هويّة هذا التّنظيم وكيف تسنّى له في وقت وجيز تجييش أعداد ضخمة من المواطنين لخدمة أغراض أقلّ ما يُقال فيها أنها تحرّض على العنف والحقد والكراهية؟

“التّصدّي لأسلمة الغرب المسيحي”

“بيجيدا” هي الحروف الأولى باللغة الألمانية لاسم هذا التنظيم ويعني اسمها الكامل “الأوروبيون الوطنيون المعادون لأسلمة الغرب”. وهو تنظيم قانوني أسّسه رسميا “لوتز بكمان” يوم 20 أكتوبر من سنة 2014 بمدينة “دراسد” الألمانية كجمعية غير نفعية، حدّدت لها الأهداف التالية: التصدّي لأسلمة الغرب وللأصولية الإسلامية ولسياسة الهجرة للحكومة الألمانية التي تقبل بمنح حقّ اللّجوء للمسلمين.

ومؤسّس هذا التنظيم هو من وجوه الجريمة المنظمة في ألمانيا سبق له أن قضّى سنوات عديدة في السّجون الألمانية بتهمة السّرقة والسّطو المسلّح على البنوك. فرّ على إثرها إلى إفريقيا الجنوبية حيث قضّى سنوات بهويّة مزيّفة قبل أن يتمّ التّفطّن إليه وترحيله إلى ألمانيا، حيث أعيد سجنه مجدّدا في قضايا الاتّجار بالمخدّرات.

وهذا يُعطينا فكرة واضحة عن الحاضنة الاجتماعية لمثل هذه التنظيمات التي تظهر من حين إلى آخر في بعض البلدان الغربية. واختار التنظيم الوليد طريقة التظاهر الدوري للتعريف بنفسه والتعبير عن أهدافه ومطالبه. فأوعز إلى أنصاره بالتظاهر أسبوعيّا مساء كلّ يوم اثنين في الحديقة العمومية بمدينة “دراسد”.

وإن لم تحشد المظاهرة الأولى سوى 500 شخص وكانت تحت شعار “التصدّي للحرب الدينية على الأرض الألمانية”، فإنّ هذا العدد سجّل نموّا مطّردا من أسبوع إلى آخر، حيث بلغ ما يزيد عن 25 ألف يوم 5 جانفي 2015 أي بعد أقلّ من ثلاثة أشهر من تأسيسه. وفي بداية السنة الجديدة، أي في جانفي 2016،  دعا “بيجيدا” إلى تنظيم مظاهرة كبرى للتّنديد بحوادث الاعتداءات الجنسية التي حصلت في احتفالات رأس السنة في مدينة “كولونيا” والتي وُجّه فيها إصبع الاتّهام إلى مهاجرين من بلدان إسلامية (تركيا، سوريا والمغرب أساسا).

إلاّ أنّ البوليس منع هذه المظاهرة لاجتناب التصادم بين هؤلاء وجاليات المهاجرين. واليوم تجاوز صيت هذا التنظيم العنصري مدينة “دراسد” ليفتح له فروعا في عديد المدن الألمانية كـ: ديسلدورف، بوكوم، مونيخ، روستوك، وبون… بل ليتعدّاها إلى مدن أخرى خارج ألمانيا كـ”نيو كاستل” في بريطانيا ومدن من مقاطعة الكيباك في كندا، كما في فرنسا والنمسا والسويد والدنمارك.

وإذا كانت معظم الأحزاب الألمانية تبرز عداءها لهذا التنظيم العنصري، فإنّ حزب “البديل لألمانيا” وهو حزب يميني متطرّف يسانده ويعتبر أنّ جميع طلباته مشروعة وإنّ السياسيين الرسميين لا يعارضونه في الواقع بل ليست لهم الشجاعة الكافية للتعبير عن مواقفهم الحقيقية، خاصّة بعدما نشر موقع “بيجيدا” على شبكة الأنترنيت صورة لزعيمه متقمّصا لشخصية هتلر، ممّا أثار الغضب والإدانة من ملايين المواطنين الألمان، وفرض على “لوتز بوكمان” التنحّي مؤقّتا عن قيادة التنظيم قبل أن تثبته فيها مجدّدا هياكله.

لكن على الصعيد الشعبي، تلاقي الدعوات العنصرية لهذا التنظيم معارضة شديدة. وإن لم يُعرها الألمان الاهتمام الكافي في بداية نشوئها، فإنهم اليوم يقفون منها موقف العداء وينتظمون للتصدّي لها، وهو ما حصل عمليّا عديد المرّات وخاصة يوم 6 فيفري الماضي وقبلها بقليل في معظم المدن الألمانية وفي عديد المدن الأوروبية الأخرى.

 

مظاهرات معادية للفاشيّة وللنّازية الجديدة في عديد المدن الألمانيّة

منذ يوم 30 جانفي شهدت المدن الألمانية مظاهرات دعت إليها منظمة “بيجيدا” ومنظمات يمينية متطرفة مماثلة للاحتفال بذكرى وصول هتلر إلى سدّة الحكم، قابلتها مظاهرات مضادّة نظّمتها القوى الديمقراطية والتقدمية المعادية للفاشية والنازية والعنصرية، بل ومنعتها حتى من السّير في الشوارع في معظم تلك المدن. وكان منظّمو هذه المظاهرات يحرصون على إبراز تعاطفهم مع اللاّجئين ويتقاسمون معهم المرطّبات والقهوة. وفي نفس اليوم تصدّى مئات المواطنين في فينّا عاصمة النمسا لتنظيم الحفل الراقص الذي تقيمه سنويا المنظمات النازية الجديدة في ذكرى وصول هتلر إلى السلطة، ممّا أجبر البوليس على التّدخّل لمنع إقامة الحفل درءً للمخاطر المحتملة.

وفي يوم 6 فيفري الجاري شهدت هذه التحركات أوجها إذ دعا “بيجيدا” إلى تنظيم “يوم نضالي” في كامل أوروبا للمطالبة بطرد المهاجرين واللاّجئين المسلمين. وإذا ما استثنينا مظاهرتهم في مدينة “دراسد الألمانية” التي جمعت قرابة 6000 مشارك، فإنّ دعوتهم باءت بالفشل في معظم أنحاء أوروبا وقد أمكن للقوى الديمقراطية التي استعدّت للحدث أن تمنع خروج هذه المظاهرات العنصرية بمحاصرتها في مكان تجمّعها وهو ما حصل في كلّ من “براغ” عاصمة تشيكيا، وبمدينة “غراتز” بالنمسا و”بيرمنغام” ببريطانيا ودبلن بأيرلندا ومونتريال بكندا. أمّا في أمستردام، فقد حصلت مصادمات بين المتظاهرين من الشقين تدخل على إثرها البوليس وقد حصلت إيقافات عديدة في صفوف المناضلين المعادين للفاشية. وفي عديد المدن اليونانية سارت عديد المظاهرات للتنديد بسياسة “تحصين أوروبا” أي بـ”أوروبا التي تستقبل اللاّجئين بإقامة أسوار من الأسلاك الشائكة”. كما نظّمت مظاهرات مماثلة في كلّ من سبتة ومليلة المغربيّتين الواقعتين تحت الاحتلال الإسباني.

 

الحكومات الأوروبيّة تلعب لعبة الفاشيّين

الملاحظ أنّ معظم الحكومات الأوروبية بيمينها ويسارها والتي تتظاهر بمعاداتها لهذه الحركات العنصرية لا تختلف عنها كثيرا في سياساتها المتعلّقة بالهجرة واللجوء. فهي تتّخذ جملة من الإجراءات تستجيب إلى جزء من المطالب التي يرفعونها. فزيادة عن الإجراءات القانونية تعمل هذه الحكومة على تحصين حدود القارّة العجوز بإقامة الجدران العازلة وأسوار الأسلاك الشائكة لمنع تنقّل المهاجرين النّاجين من الموت في أعماق البحار من بلد إلى آخر. و يقيمون لهم معسكرات الإقامة المؤقتة والفرز على المناطق الحدودية حيث المعاملات اللاّإنسانية التي ندّدت وتندّد بها الجمعيات والمنظمات الحقوقية. بل ويذهب بهم الأمر إلى تجريم من يقدّم لهم المساعدات الإنسانية من إيواء ومأكل وما شابهه. ففي الثالث من الشهر الجاري أعلنت حكومة مقدونيا عن توصّلها إلى اتّفاق مع كلّ من حكومات النّمسا وكرواتيا وصربيا وسلوفينيا يقضي بتشديد المراقبة على الحدود المشتركة بين مختلف هذه البلدان لتأمين ما أسموه بـ”طريق البلقان” وخاصة على الحدود الفاصلة بين مقدونيا واليونان. وهو ما سيجعل آلاف الفارّين من مناطق الحرب والمجاعة عاجزين عن إيجاد مأوى لهم تحت سماء “الجنّة الأوروبية”. وفي الدنمارك، أقدمت الحكومة على إجراءات أكثر فضاعة إذ هي سنّت قوانين تسمح لها بحجز الأشياء ذات القيمة التي يملكها المهاجرون الذين يحلّون على أرضها من قطع ذهبية وحتى الأموال إذا تجاوزت مبلغ ثلاثة آلاف كورونة أي ما يساوي 400 يورو، وذلك لتوظيفها في توظيب إقامتهم، حسب ادّعاء الجهات الحكومية، وهو ما جعل عديد الصحف العالمية تقارن هذه الممارسة بما أتته الجيوش النازية تجاه الجاليات اليهودية المساقة إلى معسكرات الموت. أمّا في فرنسا، فإنّ إعلان حالة الطوارئ والتمديد فيها فسح المجال لكلّ التجاوزات: منع التظاهر، المداهمات، الإيقاف التحفّظي وسحب الجنسية، وهي جميعها إجراءات تستهدف أساسا إمّا مهاجرين أو فرنسيّين من أصول عربية أو إسلامية. وهكذا تجد الحكومات الغربية نفسها تخدم في نفس أجندات قوى أقصى اليمين العنصري والفاشي والذي لا يخفي كما هو الحال في ألمانيا والنمسا تشيّعه لهتلر وتبنّيه للنازية التي أدانها العالم منذ ما يزيد عن السبعين سنة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×