الرئيسية / أقلام / اللعبة المفتوحة
اللعبة المفتوحة

اللعبة المفتوحة

السياسي والباحث التونسي رضوان  نجاحي

السياسي والباحث التونسي رضوان نجاحي

 أعتقد  أنّ السّعوديّة  تسعى  إلى التخلّص  من  مخزون الذّخيرة  القديمة  وذلك  باستعماله  في  اعتداء  بشع و رخيص  رخص  نظامها وقادتها بعد أن استهلك جزءا  منه  درع الجزيرة  في قمع الاحتجاجات في  البحرين.  و يبدو  لي  هذا  الإجراء  تمّ تحت الضغط الأمريكي  حتّى  تتزوّد السّعودية  بصفقات  سلاح  جديدة. ستجدون  الباقي  من سلاح السّعودية  لدى  جماعات  القاعدةفي  أفغانستان  و الباكستان  واليمن  ولدى  جبهة  النّصرة  في  سوريا  و  لدى داعش  في  نسختها  المعدّلة  القادمة.   النّظام  السّعودي  مجرّد معبر  لانتشار  السّلاح  الأمريكي   في  المنطقة  العربية.  تسعى  أمريكا  من  خلال  التعامل الحذر  مع  داعش  غلى  إطالة  أمد  المعركة  في  المنطقة  و  مزيد  لخبطة  الأوراق  و  تنويع  الجبهات حتى  تحقق  الأهداف  التاليّة:

– انهاك  المنطقة  و تحويلها  إلى  ساحة  خراب  حتى  يكونها  إعمارها  بشركات  أمريكية  و  بتمويل  خليجي محصّلته  أنّ النفط  سيذهب  مالا  خالصا  في  البنوك الأمريكية

–  صياغة  المقدّمات   الضرورية  لنشأة  الكايانات  السّياسية  الجديدة  التي  ستكون  كيانات  ضعيفة  منهكة و  على  اساس  طائفي يسمح  للكيان  الصهيوني  بأن  يكون الدولة  الاكبر  في  المنطقة

– ردم  القضيّة الفلسطينية  تماما   تحت  ركام  الحروب  الدائرة  في  المنطقة

– تصفية  المقاومة   في  لبنان  و ذلك  من  خلال  انهاك  حلفائها  و  خاصّة  سوريا  و إيران  في  معارك  أخرى  عديدة

– الحصول  على  فسحة  كافية  من  الوقت  تسمح  بإعداد  الجيش  السوري  العميل  الذي تشرف  تركيا  حاليا  على  تدريبه

– التمهيد  لنقل  المعركة لمصر    من  خلال  توريط الجيش  المصري   في  جبهات  عديدة  تنهكة  على  غرار   الجيش  السوري  للمحافظة  على  تفوّق  جيش  الكيان  الصهيوني

– عزل  المغرب  العربي  عن مشرقه  لإعادة  تقسيم  مناطق  النفوذ الاستعماري  من  جديد:  المشرق لأمريكا  و  بريطانيا  والمغرب  لفرنسا.

  في  المقابل  تسعى  أمريكا  إلى المحافظة  على  بعض  الدول  العربية  الحالية  في  وضع  ثابت  لتحوّلها  إلىمخابر  تجريب  للخيارات  السّياسية  و الخطط البديلة  و  تونس  و المغرب  تمثّلان   مقدّمة  الدول  المخبريّة  وقد تمّ اختيارهما  لسببين  أوّلهما  هو غياب  المفاعيل  الطائفية  و العرقية   التي  يمكن  أن تحدث  شرخا  في  المجتمع  (  على  الرغم  من وجود الأقليات  اللغوية   الأمازيغية  بالمغرب) والسسب  الثاني  هو  عدم  توفّر  موارد طبيعية  هامّة  وفي  المقابل  وجود مؤسسات  الدولة  التي  تستطيع أن  تحتمل  هزّات  عنيفة  و  تغييرات  متسارعة  و كبيرة

 البعض  قد  يرى  هذا  القراءة  منخرطة في  نظريّة  المؤامرة. و لكن  هل  يعدّ اتهام  أمريكا  باللّعب  المتقدّم في  المنطقة  تفكيرا  في  سياق  المؤامرة؟   لنترك  ذلك جانبا  و  نعود لقراءة الوضع في  تونس  باعتبارها  دولة  مخبرية  بالنسبة  غلى  امريكا و فرنسا  و نحاول  استقراء  المسألة  التّالية

“بعد فشل مقصود و متعمّد للحكومات الثلاثة بعد الثورة، خاض حزب نداء تونس المعركة الانتخابية على أساس التّخلص من الإرث الكبير للخراب الذي خلّفته حركة النهضة في الحكم وغعادة تأهيل الدولة تكون مهابة. و في النّهاية نجد الإثنين معا في الحكم عبر صففة لا يبدو أن الأمريكيين كانوا خارجها، بل ومستبعد جدّا”
لنمر إلى امتحان هذه المسألة إذن:

1-    لقد شاركت  العديد  من  مراكز النفوذ المالي والإعلامي  في  الدفع  بهذا   الصراع  غلى أقصاه  والهدف  من  ذلك  هو  إجبار  الشعب  على  الاختيار  ضمن   دائرة  الصراع  هذه لفرض واقع  سياسي  يستجيب   للأهداف  التجريبية    للنموذج  التونسي. دون  المساس  بمصالح  المتعاونين  من رجال  أعمال  و  سياسيين  يمثّلون  أحد أهم الأدوات  التجريبية

2-     قطع  الطريق  أمام إمكانية  إنتاج    واقع  سياسي  تونسي   خارج الأفق  الأمريكي، لذلك  تمّ  حصر  الصراع  الكبير  في  سياق  اليمين –يمين  وذلك  بخلق  مصالحة  بين  النظامين  القديمين  (  القديم  و الأقدم: النّداء  و النهضة) و ذلك  بابتكار  ما  سميّ  بآليّة  التوافق   الوطني التي  كانت  بالنسبة  للطرفيين  الأوّلين  خيارا، في  حين  كانت  بالنسبة  لبقيّة الفاعلين  السّياسيين  أمرا  قسريّا   يقتضيه  استمرار  الوجود في  الساحة  السّياسية.

3-    ضمان  عدم  تحوّل  المنوال  التونسي  اقتصاديا   إلى  خيارات  خارج  توصيات صندوق  النقد الدولي  والدول  المانحة

4-    استبعاد  الحديث  عن الاستحقاقات  الشعبية الوطنية  التي  رفعها  الشعب  التونسي  منذ  ديسمبر  2010 واستبدالها  بحادثين  أساسيين  على  المشهد السّياسي وهما  الأمن ومكافحة الإرهاب وتحقيق  المصالحة الوطنية  التي  تعفي  جميع  الفاسدين  من  المحاسبة

5-     عزل  تونس  عن  الواقع  الإقليمي  و أساسا  عمّا  يحدث  في  ليبيا حتّى  تبقى   مخبرا  صالحا  للتجريب  المستمر.

هذه  الأهداف  التي  رسمها  الحلفاء اليمينيون  تحت  السقف  الأمريكي  أدّت إلى  إعادة  إنتاج  المشهد  السّياسي  ل 23 أكتوبر  2011  بشيء  من  التعديل  خلق  يمين  برأسين  مع  أرخبيل  من  التمثيليات  السياسيّة  الصغيرة  لتعديل  المشهد. و من ثمّة إعادة تشكيل كومة تلفيقية  لا تحمل  برنامجا  واضحا  ولا  تنجز أعمالا  دقيقة. المهم  هو اختبار  صلاحيّة  التعايش  داخل  اليمين  بين   النّظام  القديم  و الأخوان المسلمين  باعتبارهم  الجناح السّياسي  للكيانات الإرهابية  المسلّحة  في  كافّة المنطقة العربية. وقد أدى  ذلك  إلى  تمييع  قضايا  الشعب  الاجتماعية  وخلق  توتّر  اجتماعي  كبير  بين  مختلف  شرائح  المجتمع  والعودة إلى  مربّع  مساومة الشعب  بالأمن  مقابل  التّخلي  عن النّضال  الاجتماعي. يرافق  كلّ  ذلك  عجز  عن  محاربة  لوبيات التهريب  والتهرّب  الضريبي  والهاربين  بمال  البنوك  العمومية.  في  خضمّ هذا  كلّه  يسعى   معسكر  اليمين  بشقيّه  مستعملا  أدواته  الإعلاميّة  و لوبيات المال  المتحالفة  معه  وأليغارشيات  المعرفة  المسأجرة  لديه  للترويج  لما  يسمى  بنجاح النموذج  التونسي. كنموذج  يمكن  أن يفرض  في  ليبيا  بعد  انتهاء  النّزاع المسلّح  وربّما  يهيّء  له  في  مصر  من  خلال  خلق  مصالحة  بين  نظام  السيسي والأخوان  المسلمين  بوساطة  خليجية  يكون  التمهيد لها إعلان  مصالحة  بين  مصر  و قطر  في  القمّة العربية  المنعقدة  حاليّا. وهو  كذلك  النموذج  الذي  يأمل  معسكر  أمريكا  وحلفائها  إلى تطبيقه  في  اليمن إن  سيطروا  عليها  وفي سوريا  لو  حدث  و سقط   النّظام  السوري  الحالي.

وعليه  المؤامرة  حاصلة  و  ماثلة  و الخطّة  تنقسم  على  قسمين:

1-    تعفين  الوضع  أكثر  ما  يمكن  في  المناطق  التي  يجري  فيها  نزاع  مسّلح

2-    تجريب  خيارات سياسيّة  تكون بديلة  و أقلّ  كلفة

أمّا  الهدف  فهو  إعادة  برمجة  الأخوان  المسلمين  في  نسخة  جديدة  بعد  فشل  النسخة الأولى التي  مثّلتها  النهضة  في  فترة  حكمها  و الأخوان  المسلمين  في  مصر  فترة  حكمهم وهذه  النسخة الجديدة  تتميّز  بمحافظتها  على  الاستعداد  التنظيمي  و الخطابي  للمحافظة  على مصالح  أمريكا وقابليّة  مضاعفة للتعايش  مع  باقي  مكوّنات  اليمين من  جهة  وتفريخ  التنظيمات  المسلّحة من جهة  أخرى  ليتمّ اللجوء  لها  عند اللزوم.

في  خضمّ  هذا  كلّه  تضيع  الاستحقاقات  الثوريّة   للشعب  العربي   في  كافّة  المنطقة  وتتحوّل  في المقابل  إلى  ساحة  حرب  و تجريب  مفتوحة تدفع  القوى  الوطنيّة إلى  مزيد  الحرص  على  الدفاع  على  ثوابت  الدولة  الوطنيّة  وإعادة  التفكير  في  قضايا  المنطقة  ضمن  رؤية  وحدوية  جديدة  تعيد  التفكير  في  مقدّمات  الفعل  الثوري  على  الصعيدين  الاجتماعي  والوحدوي  و أن  تتحلى  النخب  السّياسية  و الثقافيّة و  الجامعية  المنتمية  للمعسكر الوطني  بشجاعة  المراجعة  الجذرية  للمفاهيم  السّياسية  وأدوات  الفعل  والممارسة

بقلم الباحث و الناشط السياسي: رضوان نجاحي

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×