الرئيسية / صوت الاقتصاد / المقدرة الشّرائيّة للشّعب لن تتحسّن إلاّ بتغيير الخيارات الاقتصاديّة
المقدرة الشّرائيّة للشّعب لن تتحسّن إلاّ بتغيير الخيارات الاقتصاديّة

المقدرة الشّرائيّة للشّعب لن تتحسّن إلاّ بتغيير الخيارات الاقتصاديّة

 علي الجلولي

جلولي

كثر الحديث واللغط في المدة الأخيرة عن القدرة الشرائية للمواطنين، وكثر ظهور وزير التجارة الذي ماانفك يطمئن الشعب التونسي بكون الدولة اتخذت ما يلزم من إجراءات للتحكم في تصاعد أسعار المواد الأساسية خاصة بمناسبة شهر رمضان الذي أصبح على الأبواب.

 الدولة تعي حقيقة الوضع

إنّ هذا التركيز ليس الأول من نوعه ولن يكون الأخير، فالدولة تعي جيدا حقيقة الوضع. فهي تعرف أنّ نسبة النمو السلبي تنعكس سلبا على جيب المواطن محدود الدخل. كما تعرف أنّ ارتفاع نسبة التضخم التي أصبحت منذ حكم الترويكا تتجاوز الـ7 % بما يعني انعكاسا مدمّرا على قفة المواطن وعلى قدرته الشرائية، وهو ما يعبّر عنه المواطن البسيط بقوله إنّ القفة – والمقصود بذلك الشراءات والمصاريف اليومية التي تهم الأساسيات للعيش – أصبحت كلفتها مشطّة، وأصبحت تفقد جزء من مكوناتها مثل اللحوم الحمراء التي أصبحت في غير إمكان الأجراء ومتوسطي الدخل.

والأمر ذاته يهم الأسماك بما فيها أكثرها شعبية مثل “السردينة” التي كانت إلى زمن قريب متاحة “للزوالي” ومحدود الدخل. فتجاوز اليوم سعر الكيلو منها الثلاث دنانير لتصبح صعبة المنال. كما يشمل الوضع الغلال التي أصبحت من الكماليات، فضلا عن أسعار الخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء والنقل والاتصالات.

تخفيض الأسعار لا معنى له

لقد صرّح وزير التجارة أكثر من مرة في المدة المنقضية عن إجراءات تهمّ أسعار البيض واللحوم البيضاء والتن. أي المواد التي يكثر عليها الإقبال في شهر رمضان. لكن السلطة تواصل الضحك على الذقون وهي العارفة أنّ إنقاص الأسعار لا معنى له خاصة في فترات ذروة الاستهلاك أين يتضاعف الاحتكار والبيع غير المراقب في غياب شبه كلي للدولة ولوزارة التجارة بالذات لرفع المظالم والتصدي لنوازع الجشع التي تمارسها وتكرّسها أوساط قريبة من الحكم ومتقاطعة مع بعض مصالحه. وقد أثبتت بعض العمليات الناجحة لمصالح الأمن في المدة المنقضية ضد بعض المارقين الذين لا تهمهم صحة المواطن بقدر ما يهمّهم الرّبح السهل والسريع ولو بأقذر الوسائل مثل بيع السلع الفاسدة التي انقضت صلوحياتها.

إنّ القناعة الحاصلة لدى أوساط عدة من الشعب أنّ المخفي والمجهول أكثر بكثير ممّا وقع كشفه والتبليغ عنه، لكن المواطن المسكين، المغلوب على أمره يضطرّ تحت وقع الحاجة إلى شراء سلع هو أكثر المقتنعين بفسادها.

 انحياز للأغنياء وأصحاب النّفوذ

pouvoir_dachat_239490670

إنّ حكومة ائتلاف الأحزاب البرجوازية عاجزة وستبقى عاجزة عن الطرح الجدي لملف المقدرة الشرائية لأنه ببساطة يتعلق بانحيازها الطبقي للأغنياء وأصحاب النفوذ، حكومة الطبقات الطفيلية التي تمصّ دماء الفقراء. والمقدرة الشرائية تتطلّب تحسينا، أي زيادة في الأجور وضغطا على الأسعار، كما تتطلب تشغيلا للمعطلين كي يلتحقوا بالفئات القادرة على الاستهلاك. وإنّ التصدي للاحتكار والمسالك الموازية يتطلب جرأة وإرادة ليست متوفرة اليوم مع حكومة الأيادي المرتعشة، وذلك بمقتضى الارتباط العضوي أو التقاطع بين كبار الأثرياء وحكومتهم القائمة. لكنّ ذلك لن يتجاوز هامش إجراءات الحكومة تخفيضا بـ10 مليمات في سعر “حارة” البيض.

إنّ شعبنا الذي ثار من أجل العيش الكريم يرى اليوم بأمّ عينه طموحاته تتبخّر مع حكومات رأس المال. ومعاناته اليومية مع القفة والأسعار حوّلت حياته إلى جحيم، وسوف يزداد هذا الجحيم بمناسبة شهر رمضان وفصل الصيف بحكم ازدياد الطلب والإقبال على الاستهلاك بما يعني آليا صعودا صاروخيا للأسعار والخدمات رغم الدعاوي على شاشات التلفاز لعلّ آخرها الظهور غير المفهوم للباجي في سوق باب الفلّة بالعاصمة والتي أعادت إلى الأذهان المسرحيات البنعلينية المتزامنة مع أصوات المرتزقة (الله يطول عمرك، الله يمدّ في أنفاسك..).

وبعد اطّلاع سيادته على أحوال الرعيّة في سوق من أشهر الأسواق الشعبية، قابل وزير التجارة الذي أعلن بعد المقابلة أنّ الرئيس كلّفه بتوفير مادة الزيت النباتي (اقرأ زيت الحاكم) بالكميات المطلوبة للجماهيرالشعبية، كما كلّفه بمتابعة رفع المزبلة المتاخمة للسوق. فهل أكثر من هذا استبلاه واستغباء للناس؟.

لقد تذكّر العديد  يومها دموع الباجي في سوق الحلفاوين بمناسبة الحملة الانتخابية لمّا تفطّن فجأة أنّ امرأة من العامّة أعلمته أنها لم تذق طعم اللحم منذ ثلاثة أشهر، وهاهو البجبوج يتربّع في قصر قرطاج منذ عام ونيّف وذات المرأة وملايين غيرها لم يذوقوا طعم اللحم منذ صعوده وحزبه إلى الحكم. كلّ ما يقدرون على تذوّقه هو اللحوم البيضاء النتنة والقذرة التي تكشف لنا بعض الشاشات من حين لآخر كيف تذبح وفي أي ظروف تُعلّب وتُحفظ.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×