الرئيسية / أقلام / بعد 100 يوم من حكومة جمعة: الحصيلة حكومة كسابقاتها
بعد 100 يوم من حكومة جمعة: الحصيلة حكومة كسابقاتها

بعد 100 يوم من حكومة جمعة: الحصيلة حكومة كسابقاتها

بقلم علي البعزاوي

44لئن استبشر التونسيّون في البداية برحيل الترويكا الفاشلة وبحلول حكومة المهدي جمعة ووفّروا لها فسحة من الوقت لمعالجة الملفّات الحارقة والقضايا الاستعجالية فإنّ ما جرى على الأرض جاء مخيّبا للآمال، ممّا دفع ببعض الجهات والقطاعات إلى العودة إلى الاحتجاج على أوضاع البطالة وتدهور القدرة الشرائية وانعدام التنمية… ويمكن القول أنّ الأوضاع مازالت تراوح مكانها إن لم تزدد تدهورا وأنّ الاحتقان عاد بقوّة لأنّ التونسيين لا يهمّهم كثيرا من يحكمهم بقدر ما تهمّهم المعالجات والحلول والنتائج أي الأهداف التي ثاروا من أجلها ضدّ الفاشيّة الدستورية وأطردوا من أجلها الترويكا المهزومة.

المهدي جمعة على خطى الجبالي والعريض

حكومة المهدي جمعة لا تختلف في الحقيقة عن سابقاتها. فمنذ الأيّام الأولى بعد الحصول على تأييد المجلس التأسيسي سارع وزيرها الأوّل إلى السفر إلى دول الخليج والجزائر ثم الولايات المتحدة وفرنسا بحثا عن الدّعم وتمويل الميزانية المعلّقة. وهو نفس السلوك الذي أتاه كلّ من حمّادي الجبالي وعلي العريض لمّا عُيّنا على رأس حكومتيهما. هذه الهرولة المبكّرة نحو الخارج واللّهث وراء التمويلات والاقتراض المكلف رافقه تغييب للشّعب التونسي وعدم استشارته في مجمل الملفّات والقضايا التي تهمّه، حيث لم تجرؤ أيّ من الحكومات التي مرّت بعد الثورة على تنظيم الندوات والتجمعات الشعبية والقيام باستشارات وتوضيح حقيقة الأوضاع والاستماع إلى مقترحات الحلول. الشعب الذي قام بالثورة غُيّب ولم يشرّك في ما يهمّ مصيره، بل جاءت الحلول والمعالجات من الخارج وتحديدا من مؤسّسات النهب الامبريالي التي كانت تحدّد اختيارات النّظام السّابق وتفرض عليه حلولها مقابل إسناد القروض. حكومة المهدي جمعة مثلها مثل الحكومات السابقة تصرّ على اتّباع نفس المنوال التنموي لنظام بن علي الذي قاد البلاد نحو الإفلاس والخراب ودفع الشعب التونسي إلى الثورة. لقد رفضت الحلول الملموسة والواقعية التي قدّمتها الجبهة الشعبية من خلال ميزانيّتها البديلة التي عالجت بشجاعة واقتدار قضايا المجتمع من تنمية وتشغيل وحماية للقدرة الشرائية وضمانة للمواطنة بما ينسجم وأهداف الثورة لكن حكومة المهدي جمعة رفضتها لأنها ببساطة تتعارض وتعليمات صندوق النقد الدولي التي بدت بعد الثورة كما قبلها أحد مفاتيح البقاء في الحكم .وحتى المؤتمر الاقتصادي الذي دعت إليه الحكومة فالهدف منه هو أن يشكّل إطارا ومنطلقا لتزكية التّعليمات المذكورة و”الإجراءات المؤلمة” التي ينوي المهدي جمعة الإقدام عليها. الشعب التونسي ظلّ منذ 1956 حقل تجارب لوصفات البنك العالمي وصندوق النقد الدولي وهو مدعو على الدّوام إلى تحمّل أعباء أزمات الاختيارات اللاّشعبيّة واللاّوطنيّة التي تزيد الأقلّيّة الثّريّة ثراء والأغلبيّة الفقيرة فقرا. ومثلما شكّل تغييب الشّعب التونسي قاسما مشتركا بين حكومات ما بعد الثورة فكذلك التّستّر على ملفّات الفساد السّابقة للثورة والتي تلتها. بل لعلّ الأحكام الصّادمة التي أصدرتها المحكمة العسكرية وإطلاق سراح أزلام النّظام السّابق والسّماح لهم بتكوين الأحزاب وربّما التّقدّم إلى الانتخابات القادمة تؤكد المسار التّصفوي لثورة الحريّة والكرامة الذي اشتغلت عليه حكومات ما بعد الثورة وعملت جاهدة على إعادة الاعتبار لـ”هيبة الدولة” ليس بمعنى دولة القانون والمؤسّسات الدّيمقراطية ولكن بمعناها السيّئ دولة منع كلّ أشكال الاحتجاج السلمي وتجريم الإضرابات والتصدّي لها أمنيّا وقضائيّا وجلب شباب الثورة للمثول أمام المحاكم بمن فيهم الذين ثاروا ضدّ بن علي واحتجّوا على أعمال القمع والتّنكيل والقتل ضدّ المحتجّين السّلميّين. كان حريّا برئيس الحكومة الجديد مصارحة الشّعب التّونسي حول حقيقة الإفلاس وانخرام التّوازنات وأسباب ذلك بكلّ تفصيل مع تحميل المسؤوليّات لأصحابها دون الاكتفاء بالشعارات العامة والجمل المبهمة. حكومة المهدي جمعة “المستقلة” لا تختلف إذا عن سابقاتها لأنّه لا شيء تحقّق للتّونسيّين في ظلّها بل دعتهم إلى مزيد التّضحيات وتحمّل أعباء أزمة لم يتسبّبوا فيها. لقد أتاحت لها خارطة الطريق فرصة التمايز فهل نجحت في تنفيذ بنودها؟

حكومة تتلكّأ في تنفيذ خارطة الطريق

    ماطلت حكومة المهدي جمعة في تنفيذ بنود خارطة الطريق التي جاءت من أجلها. رغم أنها عنوان شرعيتها ومبرّر وجودها بدلا عن الترويكا. فلا مراجعة التعيينات الحزبيّة تمّت بالنّسق والمواصفات المطلوبة ولا تحرير المساجد من محترفي التّحريض على العنف والقتل وتوظيف المنابر الدّينيّة للدّعاية السياسيّة تمّ بجرأة ووضوح وعلى أسس سليمة. كما لم تُتّخذ إجراءات سريعة وحاسمة لحلّ روابط العنف ومحاسبة مجرميها أمام القضاء. ولا مكافحة الإرهاب تتم وفق استراتيجيا مدروسة وواضحة. فلئن تحرّرت القوّات الأمنيّة والعسكريّة من التّعطيلات السّياسيّة فإنّ عملها اقتصر إلى حدّ الآن على ردّ الفعل ضدّ هجمات العناصر الإرهابيّة. لم نلمس وجود استراتيجيا شاملة ومدروسة لاجتثاث الإرهاب ولو على مراحل. ويبقى تمسّك الحكومة الجديدة غير المعلن بميزانية الترويكا – وهو ما يُعتبر مناقضا لما ورد في خارطة الطريق – أكبر دليل على أنّها لا تختلف عن سابقاتها بل هي امتداد لهذه الحكومات من حيث الاختيارات والبرامج والأهداف والحلول رغم تبنّيها لخطاب يبدو في ظاهره “صريحا وواقعيّا” لكنّه في الحقيقة مغالط . لقد بات واضحا أنّ القضيّة ليست في الانتماء الحزبي من عدمه لهذه الحكومة أو تلك ولا في أنّ هذا الوزير سياسي أو من فصيلة التكنوقراط بل في الرّؤى والبرامج وكيفيّة التّعاطي مع قضايا الشّعب والثورة. هل الحكومة منحازة للشعب ولأهداف الثّورة أم حكومة التفاف وتبعيّة قد تعيدنا إلى المربّع السّابق. هل يعود الحراك الشّعبي الرّافض لسياسة التّقشّف ورفع الدّعم وغلق الباب أمام الانتدابات ومراجعة مجلّة الشّغل في اتّجاه تثبيت الشّغل الهشّ… هل ستتأكّد الفكرة القائلة بأنّ الصّيف في تونس سيصبح الإطار الزمني للثورة والاحتجاج لفرض المطالب… نعتقد أنّ الأجوبة عن هذه التّساؤلات تملكها الحكومة وهي رهينة أدائها والحلول التي ستتّخذها إزاء مجمل القضايا.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×