الرئيسية / أقلام / بقلم سمير طعم الله: إنّ الحكومة القائمة ليست جادّة في مواجهة الإرهاب
بقلم سمير طعم الله: إنّ الحكومة القائمة ليست جادّة في مواجهة الإرهاب

بقلم سمير طعم الله: إنّ الحكومة القائمة ليست جادّة في مواجهة الإرهاب

  • سمير طعم الله

    سمير طعم الله

    إنّ الحكومة القائمة ليست جادّة في مواجهة الإرهاب بل هي توظّفه شماعة لتعليق فشلها ومبررا لعودة دولة البوليس ومنظومة الاستبداد تعيش البلاد التونسية حالة انتقال حرجة ومحاولات متتالية للالتفاف على الثورة والعودة بالمسار الثوري إلى الوراء. فمنذ أن تشّكلت حكومة الثلاثي (حزب حركة النهضة وحزب التكتّل من أجل العمل والحريات وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية) بدأت بوادر الالتفاف بخرق الاتفاقات التي تمّت بين كل القوى السياسية والتي مفادها تحديد مدّة أشغال المجلس التأسيسي بسقف زمني. وذلك للاستفراد بغنيمة الحكم إلى اجل غير مسمى، لم ينته إلاّ بإعتصامات سياسية تكتّلت فيها مجمل القوى السياسية وفاعليات المجتمع المدني في ما عرف باعتصام باردو “اعتصام الرّحيل”، الذّي انتهى بإسقاط حكومة “الترويكة” (الثلاثي) الذّي امتد لثلاث سنوات، انتشرت إبانها ظواهر جديدة على المجتمع التونسي مثل التكفير واستغلال المساجد والجوامع للجماعات التكفيرية والتيارات السياسية الإسلامية المتشددة حيث شهدت البلاد دعوات للقتل لرموز سياسية أسفرت عن اغتيال الرفيق شكري بالعيد والحاج محمد البراهمي عضوي مجلس الأمناء العامين للجبهة الشعبية. وعمّت التفجيرات لتشمل الوحدات العسكرية والأمنية في الجبال وفي المسالك الريفية والمناطق المحيطة بالمدن، كما تسرّبت العناصر الإرهابية إلى المدن، وتشكّلت ما يسمى بالخلايا النائمة، كل هذا والحكومات المتعاقبة تنام وساقاها في العسل كما يقول المثل. وفي الحملة الانتخابية الأخيرة كان موضوع الإرهاب هو حصان طروادة التي راهن عليه حزب نداء تونس ليوصله إلى داخل السلطة، وشُنَّتْ حرب شعواء بين النهضة المتهمة برعيات الإرهاب والمسؤولة عن انتشاره، ونداء تونس المتهم هو الآخر بالعمل على إرجاع منظومة الفساد وجهاز الدكتاتور “زين العابدين بن علي إلى السلطة”. وكاد هذا التناحر أن يذهب بوحدة البلاد ووحدة شعبها، وخلق التطاحن الجهوي وأحيانا بين العروش، (والعروش هو مجموعة ربطها وحدة الدّم العالي ونفس شجرة النسب). وما أن وضعت الانتخابات أوزارها وباحت بأسرارها حتى هدأت الحرب وتشكّلت حكومة بين الطرفين “حزب حركة النهضة وحزب نداء تونس” مع تزويق صورة السلطة بحزبين آخرين “الوطني الحر” وهو عبارة عن شركة مضاربات مالية خفيّة الاسم، و”حزب أفاق” النسخة الأخرى أو المكمل لحزب نداء تونس. وضاعت ملفات مواجهة الإرهاب رغم ما نادت به الجبهة الشعبية من عقد مؤتمر وطني لمواجهة الإرهاب، تقع ضمنه ضبط خطة وطنية لمواجهة هذا الفيروس القاتل والمضر بمصائر الشعب والثورة. رغم كل محاولات الجبهة الشعبية إلاّ أنها لم تجد أذانا صاغية من قبل السلطة وإن تفاعل معها العديد من مكونات المجتمع المدني مثل الإتحاد العام التونسي للشغل ومجمل المنظمات الحقوقية وبعض الأحزاب. لم تتفاعل السلطة مع مبادرة الجبهة الشعبية لأنها ربطت المعالجة بأبعادها الحقيقية وأسبابها العميقة وطالب بطرح الجانب الاجتماعية المغذّي للإرهاب والخيارات الاقتصادية والعلاقات الخارجية، وإصلاح منظومة المجتمع بتعليم وطني وثقافة تقدميّة وعلمية. للسائل أن يتساءل ما مصلحة السلطة في التغاضي عن الإرهاب والتراخي في مواجهته من جهة، وكيف استطاع الإرهابيون أن يتحرّكوا بهذه السهولة من حيث نقل الأسلحة والتحرّك بين المدن وإنجاز عملياتهم الإرهابية سواء ما كان ضد أجهزة الأمن أو ضد الفضاءات والمنشآت العمومية. إن السلطة بالخليط الذّي تتكوّن منه في ظاهر الأمر هي في الحقيقة منسجمة في دفاعها عن مصالح الطبقة البرجوازية والفئات المتنفذة اقتصاديا والماسكة بدواليب الثروة سواء المنظمة منها أو الخارجة عن الأطر المتعارفة والقانونية كالتهريب وما شابهه. لذا في تكتيكها عملت النهضة على زرع أنصارها وعناصر متشددة دينيا في مفاصل الدولة وفي مواقع تسيير الإدارة، وبعد الانتخابات تعاني أزمة عدم وجودها على رأس السلطة، وهي بدورها تعمل على قلقلة الأوضاع حتى تبرر للرأي العام إن ما كان يقع في زمن وجودها على رأس السلطة ليس أمر خاص وليس من صنيعتها بل هو خارج عن نطاق سيطرتها وأن كل الحكومات غير قادرة على السيطرة في تحركات الإرهابيين. ومن جهته يعمل حزب نداء تونس على استثمار العمليات الإرهابية لسد الباب أمام المطالب الاجتماعية ومطالب الفئات المهمشة والجهات المقصية من المطالبة بحقها في حياة كريمة، وتبرير استعمالها القمع والبوليس في مواجهة التحركات الشعبية المطالبة بتحسين أوضاعها المعيشية. وضرب المطلب الهش الوحيد الذّي تحقق من الثورة وهي الحرية، متمثلة في حرية التظاهر وحرية التعبير وحرية التنظّم وغيرها. إنّ الحكومة القائمة ليست جادّة في مواجهة الإرهاب بل هي توظّفه شماعة لتعليق فشلها ومبررا لعودة دولة البوليس ومنظومة الاستبداد. فمواجهة الارهاب لا تقف على ساق واحدة، وهي الساق الأمنية، بل عليها أن تشمل الثقافي بدرجة أساسية وأكيدة لأن أعمار الإرهابيين لم تتجاوز الأربع والعشرين سنة وهو الجيل الذي كبر وتربى في التصحّر الثقافي والمعرفي الذّي نشره وفرضه نظام زين العابدين بن علي، وان تعالج معالجة جدّية الأوضاع الاجتماعية لأنه برصد عابر للإرهابيين الّين قاموا بالعمليات الإرهابية ينحدرون من فئات شعبية فقيرة. كما يجب ان لا تقايضنا الحكومة بين الأمن والحرية فعليها ان تفكّر إن كانت جادة في مواجهة الإرهاب أن تجعل من المنظومة الأمنية في خدمة الحرية وضامنة لها. وبإعادة التحكّم في الجماعات الفالتة والتي تستغل المساجد في الدعاية للإرهاب. وفي هذا السياق جاء بيان حزب العمال الذي: • يدعو الحكومة إلى تحمّل كامل مسؤولية قرارها في استرجاع المساجد والجوامع التي وقع السيطرة عليها من طرف الفرق الإرهابية والتكفيرية، وكذلك من طرف حركة النهضة إبّان وصولها للحكم وقبله. • يحمل الحكومة والسلط القضائية والأمنية مسؤولية الانفلات الذي يحدث ببعض المدن برفع رايات وشعارات تكفيرية عنفية. • يحذّر الحكومة من السقوط في الابتزاز وتعويض”أيمّة” بمريدين لهم بما يزيد في تعميق المشكل واستفحال ظاهرة توظيف دور العبادة التي حجّرها الدستور. • يحمّل حركة النهضة مسؤولية التواطؤ في توظيف المساجد والدعوة لترك بعضها تحت اِمرة رموز تكفيرية بداعي الحفاظ على الاستقرار، ومشاركة بعض اطاراتها و أنصارها في التحركات الداعمة لرموز الفتنة والاختراق. • يجدد دعوته بكون التصدي للإرهاب لن ينجح إلاّ باعتماد مقاربة شاملة ودون المساس من الحريات الأساسية للمواطنين.

    سمير طعم الله – تونس

    نشر بمجلة النداء اللبنانية

      

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×