الرئيسية / صوت الوطن / بين الدبلوماسية الموازية وشطط السفارات الأجنبية: استباحة السيادة الوطنية
بين الدبلوماسية الموازية وشطط السفارات الأجنبية:  استباحة السيادة الوطنية

بين الدبلوماسية الموازية وشطط السفارات الأجنبية: استباحة السيادة الوطنية

يُستعمل مصطلح السيادة في آن واحد للتعبير عن سيادة الدولة والسيادة في الدولة، وفي الحالتين لسنا نبالغ حين نقول أن السيادة الوطنية في بلادنا في خطر، فتونس لم يعد يمثّلها ويتحرّك باسمها رئيس الجمهورية المنتخب فقط أو وزير خارجيّتها أو غيرها من الفاعلين في الدبلوماسية الوطنية الرسمية، وفي الميدان صارت حركة السفراء الأجانب في ربوع الوطن أكثر حتى من وزراء حكومة الوحدة الوطنية فرادى وجماعات..Untitled-1

وبلغة الأرقام والمعطيات المعلومة، فإن زيارات سفيرة كندا كارول ماكوين على سبيل المثال لولايات الجمهورية فاقت أو عادلت زيارات رئيسي الجمهورية والحكومة وكذلك عديد الوزراء لها، فهي تردّدت على سيدي بوزيد والقيروان وبنزرت والقصرين وتفاوضت مع الولّاة ومع أصحاب المؤسسات الاقتصادية والتعليمية والثقافية واجتمعت بمكونات المجتمع المدني. ليس ذلك فحسب، جالت في أسواقنا الشعبية و”بطاحي” الخرفان واستعملت وسائل النقل العمومي وجلست في مدارج ملعب كرة القدم وشجّعت “فريق الشعب”.

 زيارات سفيرة كندا على سبيل المثال لولايات الجمهورية فاقت أو عادلت زيارات رئيسي الجمهورية وحكومة الوحدة الوطنية وكذلك عديد الوزراء 

بدوره، ملأ سفير فرنسا الدنيا وشغل الناس كما يقال منذ اليوم الأول الذي حلّ فيه ببلادنا، يومها ذكّرنا بالمقيم العام قبل أكثر من قرن حين تبجّح بكونه جاء لحماية الجالية الفرنسية ببلادنا!

ومنذ ذلك الحين، انبرى “أوليفيي بوافر ذارفور” في صناعة مجده الدبلوماسي مستفيدا من الصّمت الرسمي، غير عابئ بانتقادات بعض الاعلام الوطني وبعض الهيئات الوطنية التي رأت في سلوكه تجاوزا للأعراف ولنواميس العمل الدبلوماسي والعلاقات الدولية. ولذرّ الرماد على العيون، عمل السفير الفرنسي على إيهام التونسيّين بأنه بصدد التّرويج لتمورهم وبرتقالهم ولم يتردّد في التقاط الصّور الاستعراضية وهو يقتني البرتقال من إحدى الشاحنات على قارعة الطريق، علما وأن عمليّة البيع هذه تتمّ خارج القانون وفي مخالفة صريحة للتراتيب البلدية وصيغ الانتصاب التّجاري المشروع، وفي ذلك رسالة سلبية من ضيف تونس تشجّع مسالك البيع والتوزيع الموازي الذي يضرب الفلاحة والاقتصاد ببلادنا.

والمؤسف أن الجهات التي يقصدها الدّبلوماسي الفرنسي وخصوصا المؤسسات الرسمية هي التي تشجّع على التّمادي في السلوك المستفز والمهدّد للسيادة الوطنية، فما معنى أن يوجّه رئيس الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية الدعوة للسفير لمواكبة أشغال الندوة السنوية لهياكل الرقابة ببلادنا؟ ما معنى أن يؤكد السفير الفرنسي لرئيس الهيئة العليا المستقلّة للاتصال السمعي البصري (الهيكا) أهمية مواصلة العمل ومتابعة المسار التّعديلي، هل ننتظر من سفيرنا في فرنسا مبادرة شبيهة ينصح فيها المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري الفرنسي بالقيام بدوره التعديلي على الوجه الأكمل بمناسبة الشروع في إنجاز الاستحقاق الانتخابي هناك؟..

هو الانفلات بكل المقاييس والعبر.. في نفس الأسبوع، سفير ألمانيا في ضيافة وزيرة شؤون الشباب والرياضة “للتباحث في سبل تطوير ودعم التعاون الثنائي بين البلدين”، ونفس الأمر حصل مع سفير الاتّحاد الأوروبي.. بدروه تحوّل سفير تركيا إلى كتابة الدولة لأملاك الدولة ثم إلى وزارة تكنولوجيا الاتصال والاقتصاد الرقمي “لبحث فرص التعاون الثنائي بين البدين”.. وبطبيعة الحال لا يمكن تجاهل زيارة سفير قطر لوزير الداخلية من أجل “تكثيف التعاون بين البلدين”.. أما السفير الأمريكي الذي اكتفى بزيارة سوسة هذه الأيام فقد اختار على ما يبدو استراحة المحارب كما يقال أو ربّما اختار الرّصد والمراقبة في انتظار فصل الخطاب تماما كما حصل قبل انتخابات 2014 وذاك العشاء الرمضاني الشهير مع أبرز وجوه المشهد السياسي!

هي السيادة في الدولة في مهبّ الريح كما سيادة الدولة التي صارت مستهدفة ممّا يسمى عبثا بالدبلوماسية الشّعبية وهي في الحقيقة دبلوماسية موازية ينكرها الحكاّم الرّسميون الجدد فيما يتبجّح بها الحكام الجدد غير الرسميّين..

إن مغالطة التونسيّين والقول بأن رئيس النهضة لم يُكلّف رسميا بأي نشاط دبلوماسي يكذّبه راشد الغنوشي بنفسه قبل غيره بقوله أنّه على استعداد للتوقّف متى طُلب منه ذلك! 

إنّ مغالطة التونسيّين اليوم والقول بأن رئيس حركة النهضة مثلا لم يُكلّف رسميّا بأي نشاط دبلوماسي يكذّبه راشد الغنوشي بنفسه وقبل غيره، فهو يبادر بالتصريح في كل مرّة يلتقي فيها ساكن قرطاج بأنه أبلغه بحركاته ولقاءاته مع زعماء العالم وهو “على استعداد للتوقّف عن ذلك متى طُلب منه ذلك” وقد بلغ الأمر في لقاء أخير بين “الشّيخين” حدود الحديث عن سبل تفعيل مخرجات المؤتمر الدولي للاستثمار، ودائما حسب كلام ساكن مونبليزير، فمن نصدّق يا ترى؟

لقد أطلقنا صفّارات الإنذار منذ أمد بعيد وكتبنا أننا بعيدون كثيرا عن النّديّة والتكافؤ والمعاملة بالمثل مع الدول الشقيقة والصديقة علاوة على ضعف المبادرة واكتفاء أغلب السفراء التونسيّين بالخارج للأسف بالتحرّك في المربّع الأخضر لمبنى السفارة بعاصمة الضيافة في انتظار نهاية الولاية أو وصول التّوجيهات، ويكفي أن نقارن هنا بين الكيفيّة التي تعاملت بها سفارتانا في تركيا وكندا بعد العمليتيّن الإرهابيّتين اللتين أودتا بحياة مواطنين تونسيّين في هذين البلدين، ليس ذلك فحسب فقد تفضّلت سفيرة كندا مشكورة قبل أيام بتكريم عائلة الشهيد أبو بكر الثابتي ضحية الهجوم الإرهابي في كيباك وزرعت شجرة زيتون في حديقة السفارة ببلادنا تكريما لشهيدنا..

المؤسسات المالية والمنظمات “غير الحكومية” حارسة معبد الحرية والديمقراطية والتنمية وحقوق الإنسان والمساوة بين الجنسين، تصول وتجول في غفلة من الجميع 

هذا فيض من غيض، فمخطّطات المؤسّسات المالية وعلى رأسها صندوق النقد والبنك الدولي وكذلك المنظّمات الدولية “غير الحكومية” حارسة معبد الحرية والديمقراطية والتنمية وحقوق الإنسان والمساوة بين الجنسين، المنتصبة بشكل مباشر أو غير مباشر على أرضنا تصول وتجول بدورها في غفلة من “أهل الحلّ والعقد” والبنك المركزي ودائرة المحاسبات وهيئة مقاومة الفساد وغيرها من المؤسّسات الرقابيّة والسيادية المؤتمنة على أمن تونس ومناعتها وعزّتها.

  مراد علالة

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×