الرئيسية / صوت الوطن / تعدّدت المسمّيات والحصيلة واحدة
تعدّدت المسمّيات والحصيلة واحدة

تعدّدت المسمّيات والحصيلة واحدة

تداولت على الحكم في تونس بعد الثورة حكومات سياسيّة وأخرى تتشكّل من التكنوقراط أو من خليط بين هذا وذاك. لكن السّمة العامة لكل هذه الحكومات بدون استثناء هي العجز والفشل. فمطالب الثورة والأهداف التي أسقط من أجلها رأس النظام لم تتحقّق باستثناء الحريات السياسية التي باتت اليوم مهددة بصورة جدية. فلماذا تلجأ البورجوازية إلى تنويع التّشكيلات الحكومية؟Sans titre-1

لا حكومة بدون برنامج

أوّلا لابدّ من التأكيد على أن كلّ الحكومات مهما كان شكلها لها خيارات وتوجّهات عامة وأهداف اقتصادية واجتماعية وسياسيّة تضبط من خلال موازنات تحدّد الموارد والمداخيل ومصادرها والنفقات المختلفة ومجالات صرفها.

هذه الخيارات والسّياسات تعبّر عن الانحياز الطبقي للحكومة المعنيّة وتكشف بوضوح عن الطبقات والفئات الاجتماعية المستهدفة والمستفيدة أكثر من هذه الخيارات.

قد تضطر الحكومة المعنيّة في ظرف استثنائي وفي ظل موازين قوى معيّنة إلى تقديم بعض التنازلات والخدمات التي تتعارض مع طبيعتها ومصالحها فتبدو أمام الرأي العام حكومة خادمة لجميع الطبقات والفئات. غير ليس غير سلوك ظرفي سرعان ما يقع التخلّي عنه والعودة إلى خدمة الطبقة أو الائتلاف الطبقي الذي تمثله الحكومة. ومن شأن تلك التنازلات أن تساهم في إعطاء بعض المصداقية للحكومة فتُطلِق يديها في تنفيذ المشروع الذي جاءت من أجله والذي يخدم في جوهره الطبقات التي تعبّر عنها. هذا ما ينطبق على حكومات الباجي والترويكا والائتلاف الحاكم الآن في تونس. حتى حكومة ما يسمى التكنوقراط، حكومة المهدي جمعة فإن الشعب التونسي لم يلمس فرقا بينها وسابقاتها لا من حيث الاختيارات والتوجّهات العامة ولا من حيث البرنامج والإجراءات.

تغيير من أجل تصريف الأزمة

عندما تعطّلت حكومة الترويكا الأولى برئاسة الخليفة السادس حمادي الجبالي واتضح عجزها وتخبّطها واشتدّت أزمتها إثر اغتيال الشهيد شكري بلعيد، استقال الجبالي ونادى بحكومة وحدة وطنية فأطلقت حركة النهضة مشاورات جرت إليها القوى الإصلاحية ثم وما أم هدأت الأوضاع انقلبت عليها وشكلت حكومة أخرى برئاسة علي العريض. في الواقع لم يكن الهدف من مقترح حمادي الجبالي تخلّي حركة النهضة عن الحكم بل مواصلته من خلال طاقم حكومي جديد تغلب عليه صفة التكنوقراط حتى يمرّر برنامج وخيارات الحركة بسلاسة دون معارضة ودون أن تتحمّل حركة النهضة مسؤولية الفشل.

وهي نفس الأهداف التي جاءت من أجلها حكومة المهدي جمعة التي قطعت أشواطا في تنفيذ الإجراءات والإملاءات الصادرة عن مؤسسات النهب الاستعماري. وفتحت الباب على مصراعيه أمام البورجوازية الكبيرة الحاكمة لفرض خياراتها الطبقية المعادية للشعب والبلاد وربطت أكثر من أيّ وقت مضى الاقتصاد المحلّي بعجلة الاقتصاد الرأسمالي من خلال توثيق العلاقة بصندوق النقد الدولي والبنك العالمي والمضيّ بأكثر سرعة في سياسة الاقتراض بشروط مكلفة ماليا وسياسيا.

لقد حقّقت حكومة التكنوقراط برئاسة المهدي جمعة للبورجوازية ما عجزت عن تحقيقه كل الحكومات السابقة مجتمعة بدءا بحكومتي محمد الغنوشي الأولى والثانية وانتهاء بحكومتي الترويكا مرورا بحكومة السبسي. وساهمت بذلك في توطيد حكم هذه الطبقة الطفيليّة مع حفاظها على نفس خيارات النظام السابق في إطار سياسي جديد عنوانه الحريات السياسية.

وقد ساعدت حكومة التكنوقراط على استقرار الأوضاع قياسا بحالة الغليان التي طبعت مرحلة حكم الترويكا والمرور إلى الانتخابات العامة في ظروف عادية.

نداء تونس يستفيد من تجربة المهدي جمعة

لكن فشل حكومة المهدي جمعة في معالجة الأزمة دفع بنداء تونس الفائز الأول في الانتخابات إلى تشكيل حكومة سياسية برئاسة الحبيب الصيد الذي لا تربطه صلة تنظيميّة بهذا الحزب والهدف من وراء هذا الاختيار هو إنجاح التّحالف مع حركة النهضة وباقي مكوّنات الائتلاف من جهة، وعدم المخاطرة بتحمّل نداء تونس مسؤولية أي فشل من جهة أخرى. هذا الاختيار لا علاقة له ببرنامج الحكم المنحاز لمصالح كبار الرأسماليّين المحلّيين والخادم لكبرى المؤسّسات الرأسمالية العالمية والذي استمرّ مع كل التشكيلات الحكومية بدون استثناء.

لكن فشل حكومة الصيد وارتفاع وتيرة الأزمة داخل حزب نداء تونس عجّل برحيلها وتشكيل ما سمّي بحكومة الوحدة الوطنية بعد لقاءات سريعة جمعت في قرطاج عددا من الأحزاب والمنظمات الوطنية. وتعتبر حكومة الشاهد أكثر سياسيّة من حكومة الصيد باعتبار مكوّناتها الحزبية من جهة وباعتبار انتماء رئيسها للحزب الفائز الأوّل في الانتخابات وأحد قياديّيه من جهة أخرى.

الأزمة تتعمّق في ظلّ حكومة الشاهد

لقد عقدت البورجوازية آمالا كبيرة على حكومة الشاهد للقطع مع سياسة إطفاء الحرائق وتصريف الأعمال والمضيّ بأقصى سرعة وبلا تردّد نحو تكريس الخيارات والبرامج المُملاة من دوائر النهب الاستعماري والتي عبّرت عنها رسالة النوايا الشهيرة في أفق إنهاء المسار الثوري والالتفاف النهائي على ثورة الشعب التونسي.

لقد حاولت استغلال نتائج الانتخابات ونجاحها في تشكيل حكومة أغلبية لتنفيذ الأهداف المرسومة وتحميل الشعب التونسي تبعات أزمة اختياراتها اللاشعبية واللاوطنية لكنّها ارتطمت بمقاومة شرسة في مختلف جهات البلاد من الشّباب والنساء والأُجراء ومن طيف واسع من المجتمع المدني والأحزاب الثورية المتمسّكة بأهداف الثورة.

حكومة الشاهد الأكثر سياسية والتي تلْقى سندا واسعا من الأحزاب والنّواب تُعانق الفشل وتجد نفسها عاجزة أمام الملفات الحارقة التي تتعلّق بالتنمية والتشغيل وبالتوازنات المالية المختلّة والخدمات الأساسية وغيرها. بل لعلّها أضاعت في الأسابيع الأخيرة “تماسكها” و”وحدة “مكوّناتها وتصميمها على المضيّ في إجراءاتها التقشّفية الموجعة. لقد دخلت مرحلة الأزمة وهي متردّدة ومرتعشة أكثر من أيّ وقت مضى بعد أن أقدمت على حذف وزارة الوظيفة العمومية وإلغاء تعيين أحد ممثّلي الأعراف من على رأسها في محاولة يائسة لتسريع الخطى نحو تطبيق الإملاءات. وهي تتعرّض اليوم للانتقاد حتى من داخل مكوّناتها.

إنّ نجاح أيّ حكومة، سياسية كانت أم تكنوقراط، مرتبط بالبرنامج والاختيارات والأهداف التي تعمل على تحقيقها. تونس بحاجة اليوم إلى خيارات وطنية ديمقراطية شعبية وإلى برنامج قادر على تحقيق أهداف الثورة لا إلى تغيير التّشكيلات الحكومية وتنويعها وتوسيعها. لقد تغيّرت الحكومات وتعدّدت المسمّيات لكن الأزمة ذاهبة نحو مزيد الاستفحال.

بقلم علي البعزاوي

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×