الرئيسية / صوت الوطن / حكومة الشاهد بين الشعارات الثوريّة والممارسة اليمينيّة // بقلم علي البعزاوي
حكومة الشاهد بين الشعارات الثوريّة والممارسة اليمينيّة // بقلم علي البعزاوي

حكومة الشاهد بين الشعارات الثوريّة والممارسة اليمينيّة // بقلم علي البعزاوي

sans-titreيتساءل الكثير من التونسيين عن الجديد لدى حكومة يوسف الشاهد وعن مدى قدرتها على الخروج بالبلاد من أزمتها الخانقة بعد ما يقارب المائة يوم من العمل.

لقد أطلق عليها مهندسوها صفات “حكومة الشباب” و”حكومة الوحدة الوطنية” بعد أن استدرجوا المنظمات الوطنية والأحزاب الليبرالية والإصلاحية وبعض الوجوه “اليسارية” إلى حضيرتهم. فإلى أيّ مدى قطعت هذه الحكومة مع نظيراتها ما بعد 14 جانفي؟

حكومة بنفس الخيارات

الواضح إنّ حكومة الشاهد تسير على نفس النهج القديم. وهي ملتزمة بما تضمّنته رسالة النوايا التي خطّها وزير مالية حكومة الصيد بمعيّة محافظ البنك المركزي وفيها التزام بجملة التعهدات التي طرحها صندوق النقد الدولي كشرط لصرف القروض. بل أكثر من ذلك تعمل على فرضها بقوة وبسرعة على الشعب التونسي باعتبارها الحلول التي ما بعدها حلول بالنسبة إلى حكومة احتارت النهج الليبرالي المتوحّش الذي زرعته المؤسسات المالية العالمية النهّابة كوصفة جاهزة صالحة لكلّ الدول التي تعيش حالة أزمة.

حكومة يوسف الشاهد تصرّ على معالجة الأزمة بنفس الوسائل والأدوات التي دمّرت عديد البلدان وفقرتها وربطت اقتصادياتها بكبرى الشركات العالمية العابرة للقارات.

حكومة الانقلاب على الاتّفاقات

انخراط حكومة الشاهد في الخيار الليبرالي المتوحش دفعها إلى التّنكّر للاتفاقيات التي أمضتها حكومة الحبيب الصيد مع الطرف الاجتماعي (اتفاقية الزيادة في الأجور مع المنظمة الشغيلة) ومع الجهات والقطاعات (الاتفاقية الخاصة بشركة فسفاظ قفصة-الاتفاقية الممضاة مع المفروزين أمنيا…) معتبرة تكلفتها المالية عبئا على الميزانية متنكّرة لكل ما هو اجتماعي من شأنه تحسين القدرة الشرائية التي يعتبرها الاقتصاديون أحد محركات النمو وضمان حد أدنى من الاستقرار بما يساهم في الرفع في الإنتاجية وتحسين مناخ الأعمال والتشجيع على الاستثمار.

هم يسوّقون لهذه الشعارات ويعملون على تكريسها في الواقع لكن بوسائل قمعية (الاعتداءات الوحشية على المفروزين أمنيا) وعبر الحملات الإعلامية التي تؤثّثها وجوه الخشب النوفمبري العائدة بقوة في العهد الجديد.

حكومة التّعليمات

تعد القرارات في مطابخ قصر قرطاج بين الرئيس ومستشاريه وبالتشاور مع شريكه الأوّل رئيس حركة النهضة قبل أن تمرّر كوجبات سريعة إلى رئيس الحكومة الذي يمرّرها بدوره إلى أعضاء حكومته كلّ حسب اختصاصه. وهو ما يتعارض مع الدستور الذي يعطي إلى رئيس الحكومة صلاحيات أوسع. لكن هذا الأخير لا يمارسها على أرض الواقع ويكتفي بتعليمات الرئيس الشرفي لحزبه حزب نداء تونس ووليّ نعمته.

دور الوزراء هو تطبيقي بحت واجتهاداتهم واعتراضاتهم تقتصر على التفاصيل والجزئيات. أمّا الوزراء المحسوبون على المعارضة فيلعبون دور الدعاة والمدافعين عن وجهة نظر الرئيس / الحكومة خاصة تجاه المنظمات الوطنية والقطاعات المعنيّة وتجاه الرأي العام. وهو اختصاص يحتكرونه دون باقي الوزراء في إطار تقسيم العمل داخل الحكومة.

الانفراد بالرّأي والاحادية تأكّدا من خلال مشروع قانون المالية الذي اختلفت حوله مكونات الائتلاف الحاكم، وبات كلّ طرف يغنّي على ليلاه لأنّ المسالة لم تناقش داخله ولم يسع رئيس الحكومة إلى التشاور مع شركائه في الحكم. وهذه إحدى نقاط ضعف حكومة الشاهد التي من شأنها إرباك عملها وإضعاف حجّتها والحدّ من تأثيرها في الواقع.

حكومة الشّعارات والوعود الزّائفة

إطلاق صفة الشباب على الحكومة أطلق العنان لرئيسها لاستحضار الشعارات الرنّانة والأقوال الثورية للشهيد شكري بلعيد وناظم حكمت لدغدغة مشاعر الشباب وتطلّعاته المشروعة إلى مستقبل أفضل بعد أن سئم القديم المهترئ لما ارتبط به من تهميش وقمع ومنع.

وفي إطار هذه الديماغوجيا والضحك على الذقون تعدّ الحكومة لمؤتمر للشباب تريده محطة لحشد الآلاف في تجمع فلكلوري لبث الأوهام وانتظار الحلول التي لن تأتي لأنّ نفس الخيارات والبرامج والسياسات تعطي بالضرورة نفس النتائج. لقد سبقهم بن علي في تنظيم مثل هذه العكاظيات لكنها لم تغيّر من واقع الشباب شيئا وكانت النتائج في الأخير هبّة 14 جانفي وإسقاط عرش الدكتاتور أب المبادرات الشبابية.

إنّ المتابع لما يجري في الساحة التونسية يدرك بسرعة أنّ الشعارات الثورية البرّذاقة والجمل التي يقع انتقاؤها بعناية تخفي وراءها أعمالا عدائية شرسة تجاه الشباب الذي ينتظره مصير بائس في ظلّ حكم الائتلاف الحالي. وما يتعرّض إليه هذا الشباب من محاكمات جائرة (شباب قليبية والحامة وبوزيد …) واعتداء بالهراوات لأيام متتالية (المفروزون أمنيا) وغيرها خير دليل على ما نريد تأكيده.

أيّ أفق للخلاص

لقد أكّدت الوقائع على الأرض أن لا حلول لشباب تونس وشعب تونس إلاّ بالوحدة حول شعارات وأهداف ثورة الحرية والكرامة. لأنّ الحكومات المتعاقبة بعد 14 جانفي والتي يجمعها العداء لهذه الثورة ومساعي الالتفاف عليها فشلت فشلا ذريعا في الاستجابة إلى انتظارات ومطالب الشعب التونسي المزمنة.

لقد أفرز المسار الثوري كتلتين متباينتين، الأولى كتلة الثورة المضادة بقيادة الائتلاف الحاكم التي تخطّط للالتفاف على الثورة وحبسها في اللحظة الراهنة وإعادة النظام القديم والقضاء تدريجيا على كلّ ما تحقّق من مكاسب. أمّا الثانية فهي كتلة أنصار الثورة وكلّ المتمسّكين بتحقيق انتظارات التونسيّين والأهداف التي ثارت من أجلها الأغلبية بقيادة الجبهة الشعبية التي تجد عمقها في الشعب الكادح وقطاعات الشباب والنساء والفلاحين الصغار والفقراء وسائر من همّشتهم الحكومات المتعاقبة قبل وبعد 14 جانفي.

هذه الكتلة بحاجة إلى رصّ الصفوف وتوضيح الرؤية والتوحّد حول برنامج أدنى للإنقاذ يضع حدّا للتدهور الاقتصادي والحيف الاجتماعي والارتهان للمؤسسات والقوى الهيمنية وسدّ الباب أمام عودة النظام القديم وفتح الطريق أمام الشباب وعموم الشعب من أجل تونس الجديدة، وهذا ليس بمستحيل على من أسقطوا أعتى الدكتاتوريات.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×