الرئيسية / الافتتاحية / حكومة الفخفاخ: بيع للوهم زمن “الكورونا”
حكومة الفخفاخ: بيع للوهم زمن “الكورونا”

حكومة الفخفاخ: بيع للوهم زمن “الكورونا”

الحكومات التي لا تملك برامج واضحة ومحددة لا يمكنها أن تسيّر شؤون دُوَلها في الحالات العادية فما بالك خلال الأوضاع الاستثنائية التي تتطلب قوة تخطيط وتقييم وسرعة تحرك. ذلك هو واقع حكومة “الفخفاخ” التي أحلّت علينا منذ شهر ونصف ببعض الشعارات والأفكار العامة والوعود الزائفة التي تترجم خلطة حكومة لا تلتقي حتى في الممكنات الذهنية الافتراضية.

قرارات مرتبكة وإجراءات ضعيفة

اليوم وللحدّ من تأثير انتشار وباء “كورونا” على المستوى الاقتصادي والاجتماعي قررت هذه الحكومة رصد 2500 مليون دينار وحاولت أن تقدّم توزيعا عامّا لهذه الأموال التي تمحورت حول:

  • 150 مليون دينار للعائلات المعوزة والهشة

  • 300 مليون دينار لخط تمويل لمساعدة المتضررين من البطالة الفنية

  • 500 مليون دينار لشراء مخزون استراتيجي للأدوية

  • 1550 مليون دينار لمساعدة الشركات والمؤسسات

أي تمّ رصد 62 بالمائة من الأموال المرصودة للشركات والمؤسسات الاقتصادية.

من أين خصّصت الحكومة مبلغ 2500 مليون دينار، والكل يعرف أنّ الميزانية تشهد عجزا مزمنا، وهي في حاجة إلى حوالي 12 مليار دينار خلال هذه السنة. كما أنّ القسطين السادس      والسابع من القرض الائتماني مع صندوق النقد الدولي (تتجاوز قيمتهما 3.6 مليار دينار، أي حوالي 1.2 مليار دولار) قد توقّفا بسبب عدم التزام الحكومات المتعاقبة بتنفيذ تعهّداتها معه. وقيمة القسطين.

إننا أمام عملية تحيّل لحكومة حاولت أن تخرج وبشكل متسرّع لتعلن عن إجراءات مبهمة وغير واضحة، ممّا خلّف تساؤلات عدة من قبل كلّ المعنيّين بهذه الإجراءات. كما أنّ تقييم التأثيرات الممكنة لتفشي وباء “الكورونا” لم يكن تقييما علميا مبنيّا على حقائق الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وعن كل الشرائح الممكن أن تتأثر بشكل مباشر أو غير مباشر بهذا الوباء. كما أنّ تقييم آجال السيطرة على الوباء وامتداده في الزمن لم يكن عاملا محددا في التقييم. وهو ما دفع بالعديد من المتابعين وخاصة المنظمة الشّغيلة ومنظمة الأعراف إلى التّعبير عن عدم اقتناعهما بجدية الحكومة في وعودها. ذلك أنّ مستشاري الفخفاخ – من أصحابه وليسوا من ذوي الخبرة – قيّموا انتشار الوباء تقييما معياريا بكونه سحابة صيف وستمرّ في غضون أسبوعين أو ثلاثة، وإلاّ فكيف يمكن أن نقيّم تأثيرات اقتصادية واجتماعية لجائحة وبائية عالمية بحوالي 5 بالمائة من حجم ميزانية 2020  وبنسبة لا تتجاوز 2 بالمائة من الناتج المحلي الخام. مع العلم أنّ وباء “الكورونا” تسبّب خلال الثّلاثة الأسابيع الماضية من توقّف شبه كلي للنشاط الاقتصادي وخاصة القطاعات الخدماتية التي تمثل حوالي 52 بالمائة من التشغيل على المستوى الوطني. فهل يمكن لكل هذه التأثيرات أن تعالَج بحوالي 2500 مليون دينار، 62 بالمائة منها موجّهة إلى القطاع الخاص. وهل يمكن تعويض آلاف العمال وأصحاب المهن الصغرى والمشاريع الصغرى أصحاب المحلات التجارية والخدماتية وعمال حضائر البناء والحرفيين و”الصنايعية” وغيرهم من اليد العاملة الحيوية النشطة والذين يُعَدّون بمئات الآلاف بحوالي 300 مليون دينار فقط؟

كما أنّ رصد 500 مليون دينار لشراء الأدوية لا يندرج ضمن جبر الأضرار الاقتصادية     والاجتماعية لانتشار وباء “الكورونا”. بل كان من الأجدر إخراجه من هذا الباب واستعمال الأموال المرصودة بالميزانية للأدوية. ومن الأحرى استعمال تبرعات صندوق 18-18 لهذه العملية المرتبطة أصلا بالتبرعات.

إننا أمام حكومة تبيع الوهم زمن “الكورونا”، حكومة فاجأتها الأحداث وهي لا تملك برنامجا    ولا خطة عمل ولا معرفة دقيقة بحقيقة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. كما أنها ترتكز في مكوناتها على أحزاب بَنَت برامجها على شعارات ليس لها علاقة بالبعد الاقتصادي      والاجتماعي وبالحاجيات الحقيقة للشعب الذي غيّبته ثقافة الظلام والموت وقضايا الهوية والإسلام في خطر.

من أين رصدت الحكومة الأموال لتغطية الإجراءات

حتى نعمّق من فهمنا لإجراءات الحكومة والأموال المرصودة لها، فإنه وجب التذكير أنّ الأموال التي تمّ رصدها للعائلات المعوزة والمقدّرة بحوالي 150 مليون دينار هي نفس القيمة التي تمّ رصدها بالميزانية لسنة 2020 لحوالي 205 ألف عائلة. وهذا الإجراء هو إجرائي انتخابي وتوظيفي للمال العام لخدمة من هم في السلطة. وهي نفس الممارسات التي مارستها جلّ الحكومات المتعاقبة منذ 2011 والتي ورثتها عن نظام بن علي. فلم يكن الإجراء استثنائيا، بل عملت حكومة “الفخفاخ” على استعمال ما هو مبرمج أصلا في الميزانية على كونه إجراء استثنائيّا.

كما يمكننا أن نفهم أنّ تخصيص 300 مليون دينار لتعويض ما سمّي بالبطالة الفنية ليس إلاّ مجمل الأموال المرصودة لآليات التشغيل الهشة والتي تمّ استعمالها طيلة 10 سنوات للتوظيف السياسي. ذلك أنّ التقييم الحقيقي للبطالة الفنية التي ستكون بسبب “الكورونا” يمكن أن يتجاوز 2500 مليون دينار إذا أخذنا بعين الاعتبار العدد الضخم للمتضررين ولطول المدة التي يبدو أنها ستتجاوز الشهرين.

نعود إلى السؤال المحوري: من أين أتت حكومة “الفخفاخ” في وقت وجيز بالتمويلات اللازمة لتغطية تأثيرات “الكورونا”؟. ببساطة تهاوت أسعار النفط بشكل دراماتيكي إلى ما تحت 30د في أقلّ من أسبوعين، وستتواصل أسعار المحروقات في النزول أمام تضاؤل الطلب العالمي بسبب تفشّي الوباء عالميا ولأكثر من 190 دولة.

وانطلاقا من كون ميزانية الدولة تربح حوالي 10 مليون دينار كلما تراجع سعر النفط بدولار واحد، ستجد الحكومة نفسها أمام فرصة ذهبية لتهاوي أسعار النفط وتحويل ما ستربحه من دعم للطاقة لمواجهة “الكورونا”. وبالتالي رب ضارة للصحة نافعة لحكومة “الفخفاخ” التي لم تكلّف نفسها عناء البحث عن تمويلات استثنائية. ومن هنا نفهم أنّ مستشاري حكومة “الفخفاخ” قاموا بعملية حسابية بسيطة لتخصيص 2500 مليون دينار، أي في حدود ما ستربحه الحكومة من الدعم الطاقي.

إنّ بيع الوهم بهذه الطريقة يجعلنا نتأكّد من هواية فريق “الفخفاخ” الحكومي وعجزه عن إدارة أزمة تفشّي “الكورونا” أوّلا وبالتالي عن إدارة مرحلة ما بعد “الكورونا” ثانيا، والتي ستكون أكثر صعوبة في مواجهة الوباء، لأنّ التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لا يمكننا تحسّسها إلاّ بعد عودة الحياة لطبيعتها. ومن هنا يمكننا القول إنّنا سنواجه أزمة اقتصادية حادّة بعد أزمة تفشي الوباء. الآن الكلّ في غيبوبة التصدّي للكورونا. أما مستقبلا، عند عودة الحياة، سنكتشف أنّنا لم نقيّم بشكل جدّي وشامل حقيقة الوضع وسنواصل في نفس الوصفات والإجراءات التي ستعمّق من الأزمة الهيكلية التي نعيشها منذ أكثر من 60 عاما.

كيف نواجه الوباء بشكل ناجع وفعّال؟

إنّ المواجهة الحقيقية لتفشّي وباء “الكورونا” يجب أن يكون على صعيدين:

  • صعيد آنيّ ومباشر، أثناء مقاومة الوباء: ويشمل التأثيرات الحينيّة المباشرة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي من خلال الإحاطة والمساعدة المستمرّة لكلّ الشرائح المتضرّرة، وهو ما لا يحصل الآن. وحتى الإجراءات الاجتماعية ستأخذ بعض الوقت نظرا لضعف القاعدة البيانيّة للأشخاص المعنيّين بالإجراءات ممّا يعني أنّنا سنستعمل نفس البيانات وسنساعد نفس الأشخاص الذين تمّ استعمالهم سابقا في الحملات الانتخابيّة وهو ما سيعمّق الاحتقان الاجتماعي والاقتصادي لاحقا.

  • ما بعد الكورونا: من الضّروري رصد الإمكانات الماديّة والتشخيص الميداني للتأثيرات الحقيقيّة للوباء على محرّكات الإنتاج الحقيقيّة وإعداد الإجراءات التحفيزيّة اللازمة على المستوى المالي والتقني لتجاوز الانكماش الاقتصادي في أقلّ وقت وبأقلّ كلفة، وهو ما يعني ضرورة توفّر الخطة والرؤية الواضحة والإمكانات المالية اللاّزمة لكون 2500 مليون دينار ليست كلفة إجراءات حقيقية. بل هي مجرّد بيع للوهم وذرّ الرّماد على عين شعب يعاني الفقر والتهميش ووباء “الكورونا” معا.

مقترحات لتعبئة الموارد:

من أجل مواجهة مخلّفات الوباء، ولكي ننزع التبريرات الواهية التي تلتجئ إليها الحكومات المتعاقبة كلّما تعلّق الأمر باتخاذ قرارات لفائدة الشّعب وفئاته الهشّة والمفقّرة، فإنّه على الحكومة أن تتّخذ بكلّ جرأة الإجراءات التالية لتعبئة الموارد اللاّزمة للمرحلة القادمة:

  • تعليق تسديد خدمات الدّين التي سيحلّ آجالها خلال شهر أفريل 2020 وجوان 2020.

  • عدم تسديد في دفعة واحدة الوديعة القطرية والتي قيمتها 750 مليون دينار.

  • إيقاف العمل بالحوافز المالية والجبائية للشّركات ومِنح الاستثمار التي تستنزف دافعي الضّرائب كل سنة بحوالي 2 مليار دينار دون نتائج تُذكر على مستوى الإيرادات الجبائية.

  • تغيير العملة وبشكل سريع لإدخال السّيولة الكبيرة الموجودة لدى المهرّبين وأباطرة السّوق غير المنظّم للدورة الاقتصادية، لأنّ مرحلة ما بعد “الكورونا” تتطلّب سيولة لتمويل الاقتصاد، خاصّة وأنّ الوضع الحالي للسّيولة على المستوى الوطني في أسوإ حالته.

  • إيقاف كلّ أنواع التوريد غير الضّرورية للشعب لحماية مخزون البلاد من العملة الصعبة ممّا سيمكّن من حماية الدّينار من الانزلاق الخطير خلال مرحلة الانكماش الاقتصادي، لأنّ انزلاق الدينار في المرحلة القادمة سيكون مكلّفا جدّا لجميع القطاعات الانتاجيّة والخدماتية في البلاد.

  • إصدار مرسوم ضريبي عاجل يرفّع من الضّريبة على أرباح شركات المساحات الكبرى من 30 إلى 35 بالمائة. هذا القرار الذي تمّ التلاعب به منذ 2018 من قبل التحالف الحاكم المافيوزي بقيادة النهضة التي تتمعّش من تمويل أصحاب المساحات الكبرى لأحزابها.

  • تعبئة الموارد البشرية لإدارة الجباية خلال الستّ أشهر القادمة لمقاومة التهرّب والغش الضريبي، كلّ ذلك بهدف تعبئة أموال الدولة الموجودة لدى المافيا التجاريّة والصناعية والعائلات المتنفّذة في الاقتصاد الوطني.

هذه جملة الإجراءات نعتقد أنّها قادرة على مواجهة مخلّفات هذا الوضع المستجدّ، رغم قناعتنا أنّ حكومة العبث السياسي والمافيا السياسيّة بعيدة عن أن تتّخذها، فلا يمكن لحكومة تبيع الوهم أن تساعد الشعب على الحلم وتحقيق حاجياته.

حسين الرحيلي

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×