الرئيسية / أقلام / زيارة جمعة إلى أمريكا: ما حكّ جلدك مثل ظفرك..
زيارة جمعة إلى أمريكا: ما حكّ جلدك مثل ظفرك..

زيارة جمعة إلى أمريكا: ما حكّ جلدك مثل ظفرك..

قال الإمام الشافعي

ما حكّ جلدك مثل ظفرك                فتولّ أنت جميع أمـرك
وإذا قصـدت لـحـــــاجـةٍ                فاقصد لمعترفٍ بقدرك

 بقلم جيلاني الهمامي   

101

جولة مكّوكيّة وحصيلة هزيلة

 اختتم رئيس الحكومة المؤقتة المهدي جمعة جولته المكوكية في الخارج بزيارة الولايات المتحدة الأمريكية يوم 4 أفريل الجاري حيث قضى أربعة أيام عقد خلالها حوالي 14 لقاء بين لقاءات رسمية وحفلات عشاء الخ… وجاءت هذه الزيارة بعد التحوّل إلى كلّ من الجزائر والمغرب وبلدان الخليج الخمسة. وكان من المبرمج أن تسبق رحلته إلى واشنطن زيارة باريس التي تمّ تأجيلها إلى موعد غير محدّد لأسباب غير معروفة الخفايا. ومن المتوقّع أن تكون الوجهة القادمة بلدان أوروبا وفي المقام الأوّل إسبانيا.

 ورغم أنّ رئيس الحكومة أراد من هذه الجولة التي تندرج ضمن ما سمي بـ”الدبلوماسية الاقتصادية”، تحقيق أهداف اقتصادية وبالتحديد الظفر بتمويلات جديدة يحتاجها الاقتصاد التونسي للخروج من الأزمة والتي تقدّر بحوالي 12 مليار دينار أي حوالي 40% من ميزانية هذه السنة، فقد اكتست جولته طابعا سياسيا أكثر منه اقتصادي. فزيارة الجزائر والمغرب تركّزت حول مقاومة الإرهاب والتّعاون الأمني مع الأولى وحول التّبادل التّجاري والتّعاون الاقتصادي مع الثانية. فيما بقيت زياراته للخليج، والتي عوّل عليها كثيرا، في حدود الوعود بإحياء مشاريع قديمة ومتوقّفة وباستثمارات جديدة مؤجّل النظر فيها إلى غاية انعقاد اللجان المشتركة بين تونس وكلّ من السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين. وكان لجوّ الخلافات والتوتّر المخيّم على العلاقات الخليجية عامّة بين قطر من جهة والسعودية والإمارات من جهة ثانية الأثر الواضح على نتائج زيارة مهدي جمعة لهذه البلدان. ويبدو أنّ الموقف من تصنيف “جماعة الإخوان المسلمين” الذي أعلنته كلّ من السعودية والإمارات كان هو المحدّد في استعدادات هذين البلدين لمنح تونس مساعدات وقروض مالية جديدة. وبصرف النظر عن التفاصيل التي رافقت هذه الجولة فإنّ رئيس الحكومة لم يعد بغير الوعود التي لا تلبّي في الحقيقة الحاجة الماسّة لمساعدات وتمويلات مباشرة ومطلوبة الآن وهنا لمعالجة اختلالات الميزانية والخزينة.

أمّا زيارة الولايات المتحدة الأمريكية التي حضي فيها رئيس الحكومة بعلامات حفاوة استثنائية فقد تركّزت أكثر على المسائل الاستراتيجية وقضية الإرهاب وكانت مناسبة لتختبر فيها مدى استعداد الحكومة الجديدة للانخراط في المجهود الدولي والأمريكي لمحاربة الإرهاب. وقد استغلت السلط الأمريكية هذه المناسبة لإثارة ملف الاعتداء على السفارة الأمريكية شهر سبتمبر 2012 . أمّا في الجانب الاقتصادي فقد كانت الحصيلة مرّة أخرى متواضعة وانحصرت في جملة من الوعود يمكن تصنيفها في ثلاثة أصناف من الوعود. الأوّل هو إعلان واشنطن عن استعدادها لتقديم ضمانات في 500 مليون دينار سيتعيّن على بلادنا السّعي للعثور عليها في السّوق الماليّة العالميّة. والصنف الثاني من الوعود هو استعداد البيت الأبيض الأمريكي للتّدخّل لدى بلدان الخليج وحثّها على مساعدة تونس للخروج من أزمتها الاقتصادية الرّاهنة. أمّا الصنف الثالث هو انطلاق الحوار التونسي الأمريكي الاستراتيجي شهر جوان القادم الذي قد يمكّن بلادنا من فرص لدخول السوق الأمريكية وترويج منتوجاتنا هناك أو جلب استثمارات أمريكية جديدة وتعزيز التّعاون العلمي والتكنولوجي وفي مجال التعليم العالي.

لا حلّ غير التّعويل على الذات 

 يتّفق الجميع تقريبا على أنّ حصيلة هذه الجولة هزيلة قياسا بما كان ينتظر منها بصورة مباشرة. وهو ما يفهم أيضا من تصريحات أعضاء الوفود الذي رافقت رئيس الحكومة شرقا وغربا. بل ويستشفّ من تصريحات المهدي جمعة نفسه في ندوته الصحفية في القاعة الشرفيّة بمطار تونس قرطاج يوم عودته حين أكّد أنّ “الخروج من الأزمة التي تمرّ بها بلادنا لن يتحقّق إلاّ بالتعويل على أنفسنا أوّلا..”.

 لقد ورث جمعة عن حكومة الترويكا وضعا اقتصاديّا كارثيّا يتميّز بتعطّل “ماكينة” الإنتاج وتراجع النمو وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين ونقص موارد الخزينة العامة وعجزها بما قد يصل إلى أكثر من 8% موفّى هذه السنة مقابل ارتفاع النفقات العامة لما يزيد عن 50% في السنتين الماضيتين.

 هذا الوضع بات ينبئ بانهيار حقيقي للاقتصاد وعجز الدّولة عن سداد أجور موظّفيها وعمّالها ويقتضي إيجاد حلول عاجلة وليس لمشاريع مستقبلية متوسّطة وطويلة المدى. من هذه الزاوية جاء الحكم على زيارات رئيس الحكومة بالفشل الذي لم يفاجئنا.

 لقد سبق لنا في الجبهة الشعبية أن نبّهنا إلى ذلك بل وحذّرنا من مغبّة مزيد رهن تونس بقروض وديون جديدة وبيّنّا أنّ ما تتوفّر عليه بلادنا من خيرات ومن كفاءات كفيل بأن يضعها على سكّة النّجاة وأن يسمح لاقتصادنا بالتّعافي التدريجي. وقد تضمّن مشروع الميزانية البديل الذي تقدّمنا به للحكومة وللرأي العام تفاصيل الإجراءات الواجب اتّخاذها لإعادة التوازن للمالية العمومية وتمكين الدّولة من مواجهة المصاريف المستوجبة وبعث المشاريع التي ستحرّك الدورة الاقتصادية وتوفّر عددا محترما من مواطن الشغل كلّ ذلك شرط أن تتوفّر الإرادة السياسية الجادة والشُّجاعة.

 لكنّ الإيمان العقائدي بالخيارات الاقتصادية الليبرالية المتأصّلة في قناعات فريق الحكم الجديد حالت دون النّظر في هذه الحلول لا لعدم جدواها وإنّما فقط لعدم تطابقها مع ثقافة مهدي جمعة وأعضاده الاقتصادية.

 والآن وقد انسدّت أبواب المعونات الخارجيّة والقروض، هل ستثوب الحكومة إلى رشدها لتقتنع أن لا حل غير التعويل على الذات علما وأنّ حيّز الزمن قد ضاق بما لم يعد يسمح بالتعويل على الخطب المعسولة والوعود التي لا طائل من ورائها؟

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×