الرئيسية / صوت الوطن / طبول الحرب والمخاطر القادمة // عمار عمروسية
طبول الحرب والمخاطر القادمة // عمار عمروسية

طبول الحرب والمخاطر القادمة // عمار عمروسية

       يبدو أنّ القرع القويّ لطبول الحرب على ليبيا هذه الأيام يختلف كليا عمّا كان متواترا في العامين الماضيين. فقرع الطبول اليوم تجاوز مناطق التّهديد والتّلويح باستعمال القوّة إلى المنطقة الحمراء التي تُنذر بصفة جدّيّة إلى مرور الآلة العسكرية للدول الغربية الكبرى وخصوصا فرنسا، بريطانيا وأمريكا إلى تنفيذ قرار التّدخّل العسكري الذي بات جليّا أنّ أمره قد حسم ولم يبق سوى الشّروع عمليّا في تنفيذه.

وكعادة هذه الدول الإمبريالية قبيل حروبها العدوانية سخّرت إمكاناتها الإعلامية والسياسية وضخّت الأموال الطائلة للتّمويه عن طبيعة حروبها وأهدافها الحقيقية. ومعلوم أنّ مسوغ عدوان اليوم على الشقيقة “ليبيا” يندرج ضمن مقولات مقاومة الإرهاب ومحاربة “داعش”.

       وبعيدا عن هذه المزاعم الواهية فالوقائع تؤكّد أنّ الدول الغربية الكبرى هي ذاتها المسؤولة عن الدمار الذي لحق “ليبيا” على امتداد السنوات الماضية، وهذه القوى نفسها هي التي عبّدت الطريق أمام تفكّك الدولة الليبية وانهيارها، وهي ذاتها – أي الدول الغربية وأمريكا- من أنعش تلك المجموعات الإرهابية من خلال مدّها بالسّلاح والمال وتوفير الغطاء السياسي لتمدّدها وتوسّعها في “ليبيا” والوطن العربي والعالم أيضا.

فالجميع يعرف أنّ الجماعات الإرهابيّة التي أذاقت الشعب الليبي ويلات لا حصر لها، إضافة إلى إسهامها النشيط في تعزيز العصابات الإجرامية بالمال والعتاد والبشر في أماكن عديدة (سوريا، نيجيريا، اليمن، تونس إلخ…)، تحرّكت بتوجيه من مخابرات تلك الدول وأمام أعين حكوماتها.

       فالحرب القادمة هي حرب الدول الإستعمارية لحماية آبار النفط والغاز وقطع الطريق أمام “داعش” “ليبيا” الذي اقترب من مناطق الثروات وأضحى تهديدا جدّيّا على استمرار تدفّقها لمعامل ومصانع الغرب، وتلك كانت معاني واضحة في تعليق وزير الخارجية الأمريكي “جون كيري” الذي قال بالحرف الواحد “… وهذا البلد يمتلك موارد وآخر شيء تريدونه هو خلافة وهمية يمكنها الإستفادة من عائدات نفطية بمليارات الدولارات…”

والحرب القادمة لن تكون إلاّ تعميقا لمعاناة أشقّائنا في ليبيا، وحتى نتائجها الميدانية من زاوية دحر العصابات الإرهابية ليست مضمونة بالنّظر إلى عوامل جغرافية (مساحة صحراوية كبيرة، حدود مفتوحة مع دول كثيرة…) وأخرى ثقافية وحضارية (حساسية مفرطة من أيّ تدخّل أجنبي، مجتمع قبلي…)

وفوق كلّ ذلك فإنّ التّدخّل بهذا البلد الشقيق ستكون ارتداداته وخيمة على المنطقة برمّتها وعلى الأخصّ دول الجوار بما فيها بلادنا بطبيعة الحال. ومعلوم أنّ تلك الإرتدادات لن تطال الجانب الأمني فقط وإنما ستشمل المجالين الاقتصادي والإنساني. ولعلّ ما يزيد مخاوفنا من حجم تلك التداعيات هو الموقف الرّسمي للسلطة القائمة من تطوّرات الأوضاع وعدم جاهزيّة المؤسّستين الأمنية والعسكرية لدرء مخاطر انتشار حريق تدفّق السّلاح والمسلّحين إلى بلادنا ضمن أفواج كبيرة من النّازحين المدنيّين.

       ونحن نعتقد أنّ التّقيّد بالمصالح العليا لبلادنا وكذلك الانتصار لروابطنا القومية المتينة مع أشقّائنا في “ليبيا” يفترضان إعلاء الأصوات ضدّ هذه الحرب العدوانية وفضح طابعها النهّاب الذي لا يتجاوز الاستمرار في نهب النفط والغاز وإحكام القبضة عليهما.

وبالتوازي مع ذلك لا بدّ من تطوير الضّغط الشّعبي والمدني ضدّ الحكومة التونسية حتى تقلع عن سياسة “مسك العصا من الوسط” (التدخل مع التشاور مع الجيران) وإيقاف تزحزح الديبلوماسية الخارجية لبلادنا نحو مربّع الأحلاف والمحاور المعادية لتونس والعرب، طورا تحت غطاء التّوجّس من تفشّي الإرهاب وطورا تحت تعلّة الانظباط لميثاق الشّرعيّة الدوليّة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×