الرئيسية / أقلام / علي الجلّولي: “في انتظار تشكيل الحكومة، أين تتّجه الأوضاع في بلادنا؟”
علي الجلّولي: “في انتظار تشكيل الحكومة، أين تتّجه الأوضاع في بلادنا؟”

علي الجلّولي: “في انتظار تشكيل الحكومة، أين تتّجه الأوضاع في بلادنا؟”

jallouliورد المقال التّالي بجريدة “صوت الشعب” في عددها 160: 

“في انتظار تشكيل الحكومة، أين تتجه الأوضاع في بلادنا؟”

      ينتظر التونسيون الإعلان عن تشكيل الحكومة من طرف رئيسها المكلف الحبيب الصيد، ينتظرون وأوضاعهم تزداد سوءً ومستقبل بلادهم يزدادا غموضا ومصير ثورتهم يُرمى تدريجيا في أركان التصفية والالتفاف. فماهي حقيقة الأوضاع في بلادنا اليوم؟ وإلى أين تتجه؟

أوضاع سيّئة على كلّ الأصعدة

 ثمّة شبه اتّفاق عام بين الفاعلين والمتدخّلين في أوضاع بلادنا كونها سيئة ومتدهورة على مختلف الأصعدة، فالحكومة القائمة تردّد أنّ الأوضاع الاقتصادية صعبة بما يقتضي اتّخاذ إجراءات اجتماعية مؤلمة وبما خلق صعوبات مع أغلب القطاعات والفئات فضلا عن الجهات المحرومة التي زادت أوضاعها تعاسة بعد أربع سنوات من ثورة شعبية أشعلوها وقادوها وكانوا وقودها. وقد لاحظ الكثير تصاعد الحراك الاحتجاجي في المدة الأخيرة في عديد القطاعات مثل المناجم والنقل والتعليم ونزلت قطاعات متعددة للشارع احتجاجا على إجراءات الربع ساعة الأخير من عمر حكومة جمعة، الحكومة  التي لم تكتسب من الكفاءة إلاّ كفاءة اتّخاذ الإجراءات اللاّشعبية للتدليل على ولائها التام للدوائر المالية العالمية التي زكّت تنصيبها وباركتها، أو ليست حكومة تلامذتها النجباء الذي تربّوا وتكوّنوا في مكاتبها؟

لقد أصرّت حكومة جمعة على اتّخاذ إجراءات استفزازية مثل حرمان عديد العائلات “المعوزة” من الاشتغال في الحضائر والانتفاع بمنحتها الزهيدة، ممّا فرض على شيوخ في أرذل العمر الاحتجاج والاعتصام تحت صقيع هذا الشتاء القارس، وتواصل وزارة الاقتصاد التكتم على الفساد الكبير المستشري في شركة فسفاط قفصة على حساب الحوض المنجمي الذي تتضاعف مآسيه ومآسي أبنائه ممّا فرض عليهم التحرك والإضراب الذي شمل كلّ أقسام الشركة وحكم على المجمع الكيمياوي بقابس بالشلل التام بداية من وسط هذا الأسبوع، ويواصل وزير التعليم العالي التصرف في القطاع كأنه إقطاعة شخصية يقرّر ما يريد دون استشارة أحد والأمر يتعلق بإمضاء اتفاقية مع وزارة التكوين المهني تعادل بين شهائد هذا التكوين وشهائد خريجي الجامعة من المهندسين، وطلبة الهندسة هم في إضراب مفتوح عن الدروس والامتحانات منذ بداية جانفي، ووزارتي الإشراف مازالتا تعتبران قرارهما وجيها وفي مصلحة البلاد والعباد، ومازال تلاميذ الأقسام النهائية مضربون وبعضهم دخل في إضرابات عن الطعام احتجاجا على قرارات تتعلق بمناظرة الباكالوريا اطّلع عليها المربون والتلاميذ والأولياء في الرائد الرسمي قبيل عطلة الشتاء، ووزارة التربية تعتبر طبعا نموذجا فارقا في الارتجال والعشوائية، فمناظرة السيزيام أُعيدت دون تحوير القانون التوجيهي للتربية بما جعل الجميع في دوّامة: هل تُجرى السيزيام هذا العام أم لا؟ علما وأنّ مكوّنات الأسرة التربوية ترفض هذه الإجراءات الفوقية والمسقطة. ويشن قطاع التعليم الثانوي سلسلة إضرابات وتحركات تمتد على طول الثلاثي الثاني وتنتهي بحجب الأعداد والتلويح بمقاطعة الامتحانات الوطنية، ونفس الأمر يهدّد به المعلمون والمتفقدون والوزارة تواصل صم أذنيها كأنّ الأمر يحدث في بلد آخر ووزارة النقل تخلّ بالتزاماتها تجاه العمّال والسوّاق ممّا فرض عليهم الإضراب الاحتجاجي منتصف هذا الشهر بما حكم على العاصمة وبعض المدن بالشلل والقطاع سيعيد الإضراب آخر هذا الشهر إذا تمسّكت الوزارة بمنطق التسويف والإخلال بالاتفاقيات الممضاة.

هذا وتواصل عائلات الشهداء وجرحى الثورة النضال العنيد من أجل إحقاق حقوقهم وفي مقدمتها تقديم الحقيقة كلّ الحقيقة حول أبنائهم ولا من مجيب، فحتى دعوتهم للقصر الرئاسي يوم 14 جانفي يبدو أنه كان بهدف أن يصفّقوا ويعودوا إلى جهاتهم. كما تواصل عائلات المفقودين في إيطاليا التحرك أمام وزارة الخارجية لمعرفة مآل أبنائهم الغامض، وفي مثل هذه الأوضاع مازال جزء من التراب الوطني التونسي محتلا من قبل عصابات الإرهاب التكفيري ومازال تهديد السياسيين والنشطاء متواصلا وآخرها التهديد بتفجير المقر المركزي لاتّحاد الشغل واغتيال أمينه العام.

إنّ هذه اللوحة القاتمة هي لوحة حقيقة الأوضاع اليوم في بلادنا، حكومة منصرفة تتّخذ ما تشاء من الإجراءات دون رقيب ولا حسيب، مجلس نواب مازال لم يضبط بعد نظامه الداخلي، حكومة جديدة لم تر النور بعد، والمواطن المغبون يواصل صراعه التراجيدي مع لقمة العيش التي لم يعد يطالها، فغلاء المعيشة وسوء الخدمات هي ميزة وضعنا منذ أربع سنوات بعد خلع الدكتاتور.

إلى أين تتّجه الأوضاع؟

إنّ السؤال المحيّر اليوم والذي يبحث له الجميع عن جواب هو أين تتجه الأوضاع؟ طبعا إنها تتجه نحو تشكيل حكومة وبذلك يكتمل مسار بعث المؤسسات الأساسية للدولة (السلطتين التشريعية والتنفيذية)، ومن رحم هذا السؤال يولد سؤال جديد: ماذا ستفعل الحكومة الجديدة؟ هل ستغير الأوضاع لصالح الشعب أم ستكون مواصلة لنفس النهج الذي سار عليه الأسبقون؟

إنّ الحكومة في تقديرنا ليست أسماء وسير ذاتية، وأيضا ليست أحزابا في حدّ ذاتها، إنها بالضبط البرنامج والخيارات والسياسات التي ستطبّقها، وهذه الخيارات أمامها فرضيتين يتيمتين: إما خيارات لصالح الشعب ومصالحه وتحسين ظروف عيشه والاستجابة لمطالبه الأساسية في الشغل والحرية والكرامة، وإمّا خيارات تواصل تفقير الشعب ونهب مقدّراته وتحميله فاتورة أزمة لم يتسبّب فيها، وحكومة الصيد ستكون قريبا أمام هذا السؤال الجوهري: إمّا خدمة الشعب وإمّا خدمة أعداء الشعب ومصّاصي دمائه من الطبقات الطفيلية المحلية والخارجية، ودون أوهام نحن نعتقد جازمين أنّ حكومة الصيد ستكون ابنة الخيار الثاني، فالصيد ذاته هو ابن نظام التبعية والفساد والاستبداد الذي ظل جاثما على صدر شعبنا منذ أواسط الخمسينات إلى اليوم، والمكونات المتدخّلة في صياغة وهندسة الحكومة القادمة شكلا وخيارات هي نفس المكونات المحلية والخارجية: الطبقات الثرية المستفيدة من الدولة والدوائر المالية الدولية التي تريد مواصلة التحكّم في مفاصل القرار في بلادنا ومنطقتنا، يعبّر عن هذه الأهداف مجموعة أحزاب ليبرالية بردائها الحداثوي (النداء، آفاق، الحر…) أو التقليدي (النهضة…) وبما أنّ الجوهر الطبقي واحد فنفس الخيارات ستتواصل مهما كان شكل الحكومة وشكل المشاركة فيها (بصفة مباشرة أو غير مباشرة للنهضة)، فالارتباطات الخارجية ستظل نفسها والخيارات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ستظل نفسها، وحتى المنجز الأساسي المتعلّق بالحريات العامة والفردية سيظل مهدّدا طالما أنّ الشعب سيتمسّك به للدفاع عن جلده وبعض المؤشرات تفيد أنّ النداء والنهضة يتّجهان نحو “صفقة” لإبطال مشروع العدالة الانتقالية وحصره في مجرد تعويضات على سنين الاضطهاد دون إجراء المساءلة والمحاسبة، كما أنه لا غرابة أن تلتجئ الدولة للشرطة والجيش من أجل قمع التحركات الاجتماعية، ولا غرابة أن يُوظّف الإعلام للتجييش ضد النضال الاجتماعي الذي سيتصاعد حتميا بحكم تواصل نفس أسبابه.

إنّ جماهير شعبنا ستجد نفسها تواصل الحركة من أجل نفس المطالب التي ترفعها منذ عقود والتي من أجلها قامت بالثورة، بل ستجد نفسها تعمل من أجل ثورة جديدة، ثورة تحقّق فعلا أهداف المحرومين وليست ثورة تحافظ فيها الطبقات الاستغلالية على نفوذها.

إنّ ترتيبا جديدا للأوراق ستُقبل عليه بلادنا والشعب سيكون مرّة أخرى قطب الرحى في تشكيل المستقبل وهو وحده الذي سيحدّد أصدقاءه وأعداءه. وكلّ الأحزاب والمنظمات مطالبة بتوضيح انحيازها لصالح الفقراء أم لصالح مضطهديهم المحليين والخارجيين، وطبعا سيكون حزب العمال والجبهة الشعبية مع الشعب وضمنه وفي مقدمته دفاعا عن الحقوق المستهدفة من أجل غد أفضل: غد الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية الحقيقية.

علي الجلولي (عضو لجنة مركزية لحزب العمّال)

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×