الرئيسية / أقلام / عماّر عمروسيّة / بوصلة: “شعب الرّئيس ودولة الفرد”
عماّر عمروسيّة / بوصلة: “شعب الرّئيس ودولة الفرد”

عماّر عمروسيّة / بوصلة: “شعب الرّئيس ودولة الفرد”

بوصلةيبدو أنّ أغلب الوسائل السمعية والبصرية في بلادنا لم تجد أيّ حرج في وضع إمكاناتها المادية والتقنية لبثّ الخطاب المسجّل لرئيس الدولة، ليلة 29 من الشهر الماضي.

تلك الكلمة التي مازالت حتى يومنا هذا مثار تحليلات وتعليقات يغلب على أكثرها التّندّر والتّبرّم وفي أحيان كثيرة الغضب والسخط الذي أوصل البعض إلى حدّ نعت ذاك الظهور بالفضيحة الكبيرة التي أعادت إلى الأذهان مهازل بل فظاعات الحقبة الحالكة من عهود الاستبداد القائمة على اختزال الشعب، كلّ الشعب في حزب الحكم ونفيهما فيما بعد لفائدة الزعيم أو الرئيس.

والحقيقة التي لا جدال فيها أنّ رئيس الجمهورية في كلمته مساء 29 نوفمبر نزع كلّ أوراق التوت وتصرّف مثل أسلافه وفق مقولة “الشعب في حزبي والدولة لي وأنا كلهم”.

فالسيد “الباجي” لم يفلح رغم محاولته (انظر توطئة الكلمة) لا في الإقناع بوجاهة تدخّله على تلك الشاكلة، إن في توقيتها أو في شكلها، ولا أيضا في مضمونها.

فما حدث لا يمكن فهمه إلاّ في إطار الخرق الفاضح للدستور وتحديد فصوله المتعلّقة بضرورة فكّ الارتباط مؤسّسته الرئاسية والرئيس عن كلّ الأحزاب بما فيها حزب الأخير.

وما حدث ليلتها ليس إلاّ خلطا فظيعا بين الدولة والحزب حتى أنّ المرء لا يقدر على التّمييز بين “الباجي” رئيس “النداء” و”قايد السبسي” رئيس الدولة.

والأغرب من ذلك أنّ صاحب الكلمة ليلتها لم يُقم أيّ وزن لا “للهايكا” ولا لمقتضيات احترام الإعلام العمومي والتقيد بالمبادئ الدنيا والضوابط المعروفة في التعاطي مع المرفق العمومي الذي ينشد الحرية والتحرر من سطوة التدجين والتطويع وخدمته المآرب الشخصية والحزبية للمتنفذين.

والأغرب من كلّ ذلك القفز على التنوع الحزبي والجمعياتي الكبير والتوجّه إلى التونسيات والتونسيين بمضمون وحيثيات وصلت حدّ تلاوة قائمة اسمية على مسامعهم…

كلّ ذلك وكأنّ الجميع “بنات وأبناء” مثلما يحلو له نعتهم داخل “حزب نداء تونس” وكأنّ أيضا مشاكل هذا الحزب وشقوقه مشاكل دولة تونس وشعبها

والأنكى من كلّ أمر هو التّغاضي المريع عن استحقاقات الثورة التونسية التي مازالت عالقة ودون حلول تُذكر.

ونحن نعتقد أنّ أزمة حزب الرئيس وإنقاذه من حمّى التشظّي والانشطار ليست بأيّ حال ضمن تلك الأولويات خصوصا أمام ازدياد مخاطر الإرهاب الذي وصل حدودا شديدة الخطورة بعد عملية “محمد الخامس” الإجرامية.

والحقيقة أنّ وعي الرئيس من خلال مضمونها والحيز الزمني المخصص لمحاورها يؤكّد أنّ السيد “الباجي” بعيدا عن تمثّل الواقع الموضوعي وإشكالاته. فالأولوية مثلما هو واضح مركّزة على شؤون “حزبه” ومستقبله وكأنّ مشاكل الدولة والمجتمع عموما مختزلة في أزمة صراعات وانقسامات حزب “نداء تونس”.

وفي كلمة نحن نعتقد أنّ مثل هذا التمشي يمثّل عودة مفجعة لأساليب قديمة ولّى عهدها. واستحضارها اليوم يمثّل علامة خطيرة لا بدّ من حشد كلّ الطاقات لمقاومتها. فالمنطق كان يفترض من الرئيس جمع “أنصاره” في بيت مغلق ومخاطبتهم كما يحلو له.

“صوت الشعب”: العدد 187

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×