الرئيسية / أقلام / عمر حفيّظ: “فنّ النّسيان وواجب التّذكّر”
عمر حفيّظ: “فنّ النّسيان وواجب التّذكّر”

عمر حفيّظ: “فنّ النّسيان وواجب التّذكّر”

aaaتعمل الذّاكرة وفق آليّات متعدّدة وتُستثار بأشكال مختلفة. فالأمكنة مثلا أو التّأريخ ممّا يحرّك الذّاكرة ويشحنها بقدرات الاستحضار والاستعادة والتّرميم والتّركيب والرّبط والنّسج،، وقد يحتاج الإنسان إلى طمس ذاكرته أحيانا. ويصبح فنّ النّسيان واجبا أساسيّا، بل واجبا وطنيّا يُدعى إليه شعب بأسره. فالنّسيان والتّذكّر عقربا ساعة يتبادلان المواقع لتحديد تلك الثّلاثيّة السّحريّة: الآن وهنا، وأمس، وغدا.

وفي تونس، اليوم، نجد أنفسنا تحت وطأة عقربي السّاعة. فقد بدأنا نتدرّب على النّسيان ولكنّنا لم نف بعد بما يقتضيه واجب التّذكّر. ففي فنّ النّسيان مثلا، نقول: المخلوع والدّيكتاتور… ولا نقول: ابن عليّ. ونقول: ما قبل الثّورة، أو زمن الاستبداد والدّيكتاتوريّة، أو سنوات الجمر… ولا نقول: عهد ابن عليّ… ونقول: حزب المافيا أو التّجمّع المنحلّ أو السيّئ الذّكر…

ذاكرتنا الجماعيّة مجروحة

ومن الطّبيعيّ أن يشرع التّونسيّون في رياضة النّسيان، وهي رياضة مرهقة لأنّ ذاكرتنا الجماعيّة جريحة، جرحها الذّين قالوا: ثقتنا في الله أوّلا وابن عليّ ثانيا، والحال أنّ التّونسيّين كانوا يثقون في اللّه فقط. وجرحها الأئمّة الذّين كانوا ينهون خطبهم بالدّعاء لابن عليّ وتحوّلوا بعد هروبه إلى دعاة يتّهمون مخالفيهم في الرّأي بالكفر لتبييض تاريخهم البنفسجيّ، وجرحها البوليس الذّي كان يختزل الوطنيّة في الولاء لشخص والتّصفيق له، وجرحها الخوف والمحسوبيّة والارتشاء… ويجرحها الآن وهنا الجهل والتّكفير والإرهاب والغشّ في المعرفة،،، يجرحها نسيان اللّواتي صرخن في 2008: “يلعن بو الفسفاط” ويردّدن اليوم نفس الصّرخة. “يلعن بوه الفسفاط” الذّي لم يجلب لأهله إلاّ الموت واليتم ماضيا وحاضرا،،، و”يلعن بوها الدّقلة” التّي لا تنضج إلاّ بعد أن تنضج جلود أهلها في توزر ودقاش ونفطة وتمغزة وقبلي ونفزاوة وسوق الأحد،،، “يلعن بوه القمح” في جندوبة وباجة والكاف و”إفريقيا”(اللّي كانوا يمشوا لها الهطّاية) التّي كنّا نتصوّر أنّها إفريقيا القارّة إلى أن قيّض اللّه لنا الدّكتور المنصف المرزوقي ليبيّن لنا الفرق بين هذه وتلك. فأخرجنا من جهلنا إلى نعماء المعرفة…

كيف ننسى ما فعلت “الجماعة”؟

 كيف ينسى هؤلاء والتّونسيّون جميعا مآسيهم والحال أن ما كان معدودا ضمن الأبواب المغلقة قد فتح من جديد فتضاعفت الجراح واتّسعت الخروق على الخارق؟؟؟ !!! لقد زادنا الجماعة “الكرطوش” والإرهاب والاغتيالات ومرجعيّة سقيفة بني ساعدة “منّا ومنكم” والتّقسيم فيها واضح بين المهاجرين والأنصار؟؟؟ ولكن ما طبيعة التّقسيم الذّي سيجري عليه الأمر عندنا؟؟؟ من المهاجرون؟ ومن الأنصار؟

الجماعة أوفياء لذاكرتهم. وهذا من حقّهم وهو ما تعلّمنا إيّاه الديمقراطيّة التّي تقابلها الشّورى! ولكن من سيتذكّر الشّهداء؟ السّاحات أو الشّوارع أو “الزنق” التّي سمّيت بأسمائهم؟؟ من سيتذكّر الشّعارات التّي وحّدت التّونسيّين” شغل حريّة كرامة وطنيّة” ” التّشغيل استحقاق يا عصابة السّراق” “خبز وماء وابن عليّ لا” “ديقاج يا خمّاج”؟ من سيتذكّر الشّابّي “إذا الشّعب يوما” بل من يضمن أن لا يكفّر الآن وهنا؟! ومن يضمن أن لا يُحطّم تمثال ابن خلدون غدا أو بعد غد؟ !

ننسى…ونتذكّر

ننسى ونتذكّر،،، نعم ننسى ونتذّكر،،، أو تلك هي لعبة الحياة،،، إنّ ذاكرتنا الجماعيّة المقموعة لم تتخلّص بعد من جراحها القديمة فزادتها السّنوات الأخيرة جراحا على جراح.

الشّهداء بدؤوا ينسحبون ولون دمائهم بدأ يبهت ونسيانهم بدأ يستبدّ بالذّاكرة،،، والخوف كلّ الخوف أن نتعوّد على صوت الشّماريخ وننسى صوت الرّصاص،،، وأن نتعوّد على أسماء الشّهداء وننسى الدّماء،،، وأن نتعوّد على “منّا ومنكم” وننسى الشّعارات التّي أفرغت قصر قرطاج من المخلوعين جميعا،،، وأن نتعوّد على “الكيت” وننسى السبّورة والكتاب،،، وأن نتعوّد على العداء على الهويّة أو القتل عليها وننسى أنّ في الأرض متّسعا للجميع،،، وأن نتعوّد على الانتظار وننسى “إذا الشّعب يوما أراد الحياة”

عمر حفيّظ

صوت الشعب: العدد 225 // الخميس 22 ديسمبر 2016

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×