الرئيسية / الافتتاحية / في الردّ على بالونات الاختبار: الإرهابيون لا يتوبون قبل توبة رعاتهم وداعميهم الرّسميّين!
في الردّ على بالونات الاختبار: الإرهابيون لا يتوبون قبل توبة رعاتهم وداعميهم الرّسميّين!

في الردّ على بالونات الاختبار: الإرهابيون لا يتوبون قبل توبة رعاتهم وداعميهم الرّسميّين!

%d9%82%d9%82ارتفع منسوب الأيام الدامية واتّسع مسرح الجرائم الإرهابية ليتجاوز حدود أقطارنا ويضرب “التكفيريّون” بقوّة في عمق دول خالت لبعض الوقت أنها في مأمن من الإرهاب، فتحالفت مع “تجّار الدين” واحتضنت الإرهابيين ووفّرت لهم الغطاء السياسي والإعلامي وقدّمت لهم الدعم المادي واللوجستي ظنّا منها أن هذه الأدوات الآدمية مبرمجة للقتل فقط على أرضنا والتحكّم في مصائرنا وإجهاض تجاربنا الديمقراطية، لكن سرعان ما انقلب السّحر على السّاحر وها هي عواصم هذه الدول تدفع باهظا ثمن خياراتها.

بالأمس، انكشف القناع وظهر الشرطي النظامي التركي بوجهه الحقيقي، تكفيري لا يختلف عن الدّواعش والمرتزقة الذين يقتلون المدنيين العزل بالدم البارد.. يستلّ مسدسه، يكبّر، ويقتل سفير روسيا المدني الأعزل الضيف في أنقرة “المسلمة” ويهدي جريمته الى الارهابيين في حلب!

في الجوار أيضا، داعشي آخر يقود حافلة ويدهس المدنيين في نفس اليوم في سوق هدايا الميلاد في قلب برلين عاصمة ألمانيا والحصيلة عشرات القتلى والجرحى من المدنيين الأبرياء كما حصل سابقا في فرنسا..

وفي بلادنا التي استعاد فيها الجيش والأمن بعضا من العافية يأبى الإرهابيون إلا أن يذكّروننا بأنهم هنا يتربّصون بالبلاد والعباد في الخفاء كخفافيش الظلام وكالجرذان التي تسفّ التراب لتزرع الألغام وتخزّن الاسلحة.

في غضون ذلك ارتفعت بالونات اختبار من قبل ساكن قرطاج الحالي شبيهة بتلك التي أطلقها سلفه قبل سنتين ونيف تقريبا مع اختلاف في الجغرافيا، فالأوّل تكلّم في محيط الشعانبي والثاني صدح برأيه في العواصم الأوروبية قبل الداخل، وفي الحالتين مهّدت البالونات لعودة الحديث عمّا يسمّى جزافا “قانون التوبة” الخاص بالإرهابيين العائدين من بؤر التوتر إلى تونس.

وكما هو معلوم فقد انتفضت القوى التقدمية والمدنية ونادت الجبهة الشعبية بالأساس بمواجهة فاعلة للإرهاب لحماية أمن تونس وجيرانها بعيدا عن التعاطي مع هذا الملف كجزء من أجندات الصراعات الدولية في المنطقة. وبرز كالعادة موقف الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يبدو أنه قلب جميع المعادلات بإسقاط “دعاوي التّوبة وما يسمّى بحق التونسيين في العودة إلى بلادهم لتمرير التطبيع مع هؤلاء الإرهابيين”.

وليس غريبا على هذا الأساس أن يراجع ساكن قرطاج حساباته ولا يكتفي بالاستدراك والتوضيح والتنويه على ألسنة فريقه الرئاسي بل إنه يجاهر بعد الإشراف على اجتماع المجلس الأعلى للجيوش الثلاثاء 20 ديسمبر الجاري بأنه “لا يمكن التعامل معهم – أي العائدين من بؤر التوتر- إلّا في إطار قانون مكافحة الإرهاب” وفق بلاغ صادر عن رئاسة الجمهورية.

وبقطع النظر عن هذه التصريحات فإن المطروح اليوم على القوى الحيّة والأحزاب الوطنية والمنظمات المدنية هو مزيد اليقظة والصمود في مواجهة ما قد يبدو مقايضة لبلادنا وصفقة لمساعدة حكامها وإعانتهم في الوفاء بتعهداتهم تجاه الدول الراعية والمسؤولة عن الإرهاب خصوصا وأن أبرز هذه الدول حضر الشهر الماضي مؤتمر الاستثمار وأغدق علينا ما تيسّر من الكلام المعسول والوعود السخيّة بتقديم الهبات والودائع والقروض والاستثمار لإنقاذ “التجربة التونسية” حسب زعمهم..

وليس مصادفة أن يطفو الحديث عن توبة من لا يتوبون وعودتهم إلى الديار في ظل متغيرات الأوضاع الراهنة وموازين القوى في سوريا وانكشاف فصول كبرى من نفاق الغرب وتواطؤ محور السعودية وقطر وتركيا بالأساس باعتبارها من أهم الدول الراعية والمموّلة للإرهاب في المنطقة.

من هذا المنطلق أيضا، لم يفاجئنا قرار مجلس الأمن الدولي الصادر يوم 12 ديسمبر تحت عدد 2322 والذي أهاب فيه بالدول أن “تتبادل المعلومات عن المقاتلين الأجانب وغيرهم من الإرهابيين والمنظمات الإرهابية”. واستعمل القرار في سابقة مصطلح “العائدون” للتحذير من التهديد الذي يشكّله هؤلاء “الإرهابيون الأجانب” وضرورة قطع الطريق أمام الإرهابيين والجماعات الإرهابية ومنعهم من التجنيد والترويج والدعاية عبر الانترنيت وفي وسائل التواصل الاجتماعي..

هكذا يستمرّ الغرب في النفاق وفي تقديم الدروس وتصدير الوصفات وإعطاء التعليمات وتوزيع فواتير أعباء الكوارث التي تسبّب فيها على بني البشر وكأن الإرهاب والإرهابيين لم يكونوا يوما صنيعته وأداته في كبح إرادة الشعوب التائقة إلى التحرّر والانعتاق والتقدم.

إن جنوح دول التحالف الإمبريالي الرجعي إلى منطق الشراكة والتعاون وتقاسم التضحيات لا يستقيم قبل كشف الحساب وتحديد المسؤوليات ومعاقبة المجرمين من الإرهابيين وداعميهم ومموّليهم ورعاتهم الرسميين سواء منهم المتنكرين بإكسسوارات الديمقراطية وحقوق الإنسان أو المتستّرين بعباءة الدين والشريعة.

إننا اليوم في تونس ووفق الأمم المتحدة أمام جيش قوامه آلاف الإرهابيين، بعضهم لقي حتفه وبعضهم عاد سرّا أو جهرا والبعض الآخر تراوده وتراود “مشغّليه” فكرة إعادته بيننا تحت يافطة “التوبة” والحال أنهم قنابل موقوتة والتاريخ شاهد على ذلك.

لقد ارتكب الإرهابيون جرائم حرب وضد الإنسانية وأساؤوا للأديان وانتهكوا الحرمات ومن حق الدول التي ارتكبوا فيها الفظاعات والشعوب التي اعتدوا عليها أن تحاكمهم في إطار معايير حقوق الإنسان بطبيعة الحال ولا مبرّر لترحيلهم أو ترتيب صفقات بشأن إعادتهم وليلتحق بهم من سفّرهم وتدبّر أمر تجنيدهم إلى جنّتهم.

إضافة الى ذلك، لدينا في مؤسّساتنا العقابية والسجنية ما يكفينا من مجرمي الحق العام ومن الإرهابيين الذين تلطخت أيديهم بدم زعمائنا وأمنيّينا وجنودنا البواسل ونحن بحاجة إلى كثير من الإمكانيات للاضطلاع بالوظائف الإصلاحية لهذه المؤسّسات.

أخيرا، هل يتوب الإرهابيون؟ سؤال صعب في ظاهره لكن الإجابة عنه يسيرة جدا… الإرهابيون لا يتوبون قبل توبة رعاتهم وداعميهم الرّسميين في الداخل والخارج. بل الطريف أن بعض هؤلاء الإرهابيين لا يموتون أصلا دون رغبة رعاتهم وداعميهم الرسميّين ويكفي التذكير بأن الإرهابي أبو عياض زعيم تنظيم أنصار الشريعة الإرهابي مثلا وقع الإعلان عن قتله مطلع 2015 في ضربة أمريكية شرق ليبيا قبل أن يظهر هذه الأيام في شريط فيديو ينعي فيه إرهابيا في بنغازي، صورة ذكّرتنا بخروجه الآمن ذات يوم من جامع الفتح بالعاصمة التونسية ثم تهريبه الآمن أيضا إلى ليبيا زمن الترويكا بقيادة النهضة، زمن نشطت فيه حركة التجنيد والتسفير نحو ليبيا ومنها إلى تركيا للدخول إلى سوريا بغاية “الجهاد” واقتناء تذاكر للجنّة في الآخرة…فلماذا يعودون الآن إلى أرضنا؟

مراد علالة

“صوت الشعب”: العدد 225

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×