الرئيسية / صوت الوطن / في ذكرى عيدها: السبسي خذل المرأة وانتصر لأعدائها
في ذكرى عيدها: السبسي خذل المرأة وانتصر لأعدائها

في ذكرى عيدها: السبسي خذل المرأة وانتصر لأعدائها

كما كان متوقعا، لم يأت خطاب رئيس الدولة بجديد فيما يتعلق بمسألة المساواة بين المرأة والرجل. ولم يتضمّن موقفا واضحا من “تقرير لجنة الحريات الفرديّة والمساواة” الذي أصبح محلّ خلاف بين من ينادون بمدنيّة الدولة ومن يتخفّون وراء ستار الهوية. رئيس الدولة خيّر أن يكون في “منزلة بين المنزلتين” حتى يكسب ودّ شريكه في الحكم حركة النهضة المتمسّكة بالمرجعية الدينيّة، وحتى لا يغضب المرأة يوم عيدها. فقد حاول السبسي لعب دور الرئيس “المسؤول” والحريص على مصلحة البلاد” وحاول التسويق لصورة الرئيس الذي “يحسن التدبير” وكرّر ذلك مرارا وتكرارا دون التطرّق بوضوح إلى لبّ المشكل وأصل الخلاف حول مسألة المساواة والحريّات الفردية باعتبارها أصبحت قضيّة جوهريّة ومحددة في تاريخ تونس ومستقبلها. حاول السبسي جاهدا الظهور في مظهر الرئيس “الحكيم” الذي يسعى إلى “تجميع التونسيين” لكنه في الواقع عمّق، عن وعي أو دونه، التفرقة وأعاد الصراع الدائر بين أنصار حريّة المرأة والمدافعين عن حقوقها وبين الرافضين لتحرّرها ونيلها لتلك الحقوق إلى نقطة البداية.
حيث اقترح تقنين مسألة المساواة في الإرث على أن تكون للمورّث حريّة اختيار “المساواة” في توريث بناته وأبنائه أو عدمها. وبذلك لم يقترح حلولا للأزمة بل ساهم في تعميقها باعتبار أنّ هذا المقترح إذا ما تمّت ترجمته إلى نص قانوني ستكون له انعكاسات خطيرة على تماسك الأسر التونسيّة وعلى المجتمع بأسره وسيخلق خصومات كثيرة صلب الأسرة الواحدة خصوصا إذا لم يحسم المورّث أمره قبل الوفاة. السبسي ادّعى الحسم باقتراحه تغيير أحكام مجلة الأحوال الشخصيّة دون أن يوضّح شكل هذا التغيير أو يتطرق إلى فحواه، بل اقتصر على القول:”تصبح المساواة قانونيّة”.
لكنه سرعان ما استدرك ذلك بقوله:”إذا أراد المورّث أن يلتزم بأحكام الشريعة فله ذلك”.
وهنا تكمن المفارقة العجيبة بين وعوده السابقة، في مثل هذا اليوم من السنة الماضية وخطابه الحماسي حول “المساوة الفعلية”، وبين ضبابية موقفه تجاه قضيّة المرأة وانتصاره الضمني لموقف حليفته في الحكم، حركة النهضة الرافضة للمساواة في الإرث والمعارضة بشدّة لتقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة.
ولعلّ هذا التّأرج بين ادّعاء نصرة المرأة وبين كسب ودّ حركة النهضة، الذي بدا جليّا في كلمة رئيس الدولة الذي ذكرها حوالي 11 مرة وعدّد “مزاياها” في حين لم يذكر كلمة “المرأة” سوى حوالي 4 مرات في خطاب دام حوالي 20 دقيقة، مردّه الحفاظ على “الاستقرار” الذي حقّقه تحالفه مع النهضة.
و في تقديري الاستقرار الوحيد الذي نجح الحليفان في تحقيقه ليس سوى بقائهم في الحكم لأطول فترة ممكنة، مستعملين في ذلك شتى الوسائل المتاحة من وعود زائفة ومناورات وتستّر بالدستور تارة وبالدّين تارة أخرى، في ظلّ أزمة تعيشها على جميع الأوجه.
ولعلّ حديثه عن “المكاسب” التي تحققت من هذا التحالف مع النهضة والتي لم يجرؤ على ذكر مكسب واحد منها خير دليل على تمسّك السبسي بحليف يسيطر على دواليب الحكم بصورة غير معلنة ومستعد للتضحية بحليف اليوم، أي السبسي، إذا تجرّأ على شقّ صفّ الطاعة. تحدّث مطوّلا عن التجميع لكنه شرّع للانقسام وللتفرقة وقسّم البلاد إلى تونس مدنية وأخرى ذات مرجعية دينية.
وحديثه عن شخصه وعن صلاحياته أكثر من حديثه عن المرأة التي تم ذكرها عرضا. بل إنه تجاهل فئة كبيرة من النساء الكادحات في المصانع وفي الحقول و العاملات في المنازل والمغتربات من أجل لقمة العيش والمعطلات عن العمل والمهمشات.
وبذلك لا يمكن أن يكون من هذا الخطاب الاستعراضي سوى تودّدا لحركة النهضة ليس من أجل مصلحة تونس كما زعم السبسي بل من أجل مصالح سياسية وشخصية لحزبه ولإبنه المتماهي بشكل كبير مع توجّهات النهضة وخياراتها.
لذلك غُيّبت المرأة التونسية في عيدها وغاب الموقف الواضح من مسألة المساواة في الإرث ومسألة الحريات الفردية.
ولعل المرحلة الراهنة تستدعي انحناء السبسي حتى تمرّ عاصفة النهضة وأتباعها، أو ربما هو تكتيك مرحلي جعله يرجئ هذه المسائل حتى تكون ورقة ضغط لصالحه وصالح حزبه في الاستحقاق الانتخابي القادم يرفعها في وجه حليفته إن اقتضت الحاجة كما يمكن أن تكون رصيدا انتخابيا يضيفه إلى خزينة وعوده الزائفة كي يستند إليه لاستمالة جماهير النساء ومن ينادون بالحريات الفردية والذين لم يدركوا بعد أنّ السبيل الوحيد لنيل الحقوق والحريات هو النضال، لأنها تُفتكّ ولا تُهدى.
بقلم لطفي الوافي

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×