الرئيسية / الافتتاحية / ماذا يعني فوز حركة النّجوم الخمسة برئاسة بلديّتي روما وتورينو بإيطاليا ؟ // مرتضى العبيدي
ماذا يعني فوز حركة النّجوم الخمسة برئاسة بلديّتي روما وتورينو بإيطاليا ؟  // مرتضى العبيدي

ماذا يعني فوز حركة النّجوم الخمسة برئاسة بلديّتي روما وتورينو بإيطاليا ؟ // مرتضى العبيدي

في الرابع والعشرين من ماي2015، احتل “بوديموس” المرتبة الثالثة في الانتخابات البلدية والمحلية التي أجريت في إسبانيا وحقّق بالخصوص ضمن التحالف الذي تشكّل حوله فوزا كبيرا في كبرى المدن الإسبانية بفوز سيدتين برئاسة بلدتي مدريد وبرشلونة، وهو ما اعتبر آنذاك مؤشرا على نهاية الاستقطاب الثنائي في إسبانيا. وقد أكّدت ذلك الانتخابات العامة المجراة في ديسمبر من نفس السنة والتي فاز فيها هذا الحزب الحديث العهد بـ69 مقعدا في أول معركة انتخابية يخوضها.

Untitled-1

واليوم تعيش إيطاليا حالة شبيهة بعد فوز “حركة النجوم الخمسة” الشعبوية برئاسة بلديتي روما وتورينو اللتين انتخبتا ـ كما كان الحال في إسبانيا، ولأول مرّة في تاريخ إيطالياـ سيّدتين على رأسهما، وقد أزاحتا مرشحي الأحزاب التقليدية منها الحزب الديمقراطي الحاكم (وهو حزب من وسط اليسار) وحزب برلسكوني “فورزا إيطاليا” الذي حكم البلاد لسنوات عديدة، وغيرهما من الأحزاب اليمينية واليسارية على حدّ السواء.

فماذا نعرف عن هاته الحركة التي حقّقت مثل هذه النتائج في بلد يصول المال الفاسد ويجول بكلّ حرية في مثل هذه المعارك، وما هي برامجها وطموحاتها خاصة وأنّ إيطاليا مقبلة في نهاية هذه السنة على استفتاء دستوري يُراد منه تغيير شكل التمثيل النيابي الحالي (مجلس نيابي بغرفتين) بنظام جديد.

“حركة النجوم الخمسة”

هذه الحركة بعثها للوجود الفنان الساخر “باب غريّو” كاحتجاج على أداء الطبقة السياسية الإيطالية التي تسير بالبلاد نحو الهاوية حسب تقديره. وكغيرها من حركات العصر انطلقت الدعوة لإنشائها عبر الشبكات الاجتماعية سنة 2007. وقد تمكنت من خلال هذه الشبكات من تجنيد عشرات الآلاف من الإيطاليين للمشاركة في المظاهرات التي دعت إليها. وكانت منذ انطلاقتها تعلن معاداتها لجميع الأحزاب سواء أكانت في السلطة أم في المعارضة، بل إنها كانت تدعو إلى عدم التحزّب والخروج من جميع الأحزاب القائمة إذ تعتبرها هي سبب ما ابتليت به إيطاليا من أزمات وعدم استقرار إلى غير ذلك.

وتسمية “النجوم الخمسة” ترمز إلى الرهانات الخمسة التي تقيم عليها هذه الحركة برنامجها وهي: الماء والبيئة والطاقة والنقل والتنمية. وبعد المظاهرات الحاشدة ضد سياسات الحكومات المتعاقبة التي نظمتها خلال سنوات 2007 و2008، تمّ الإعلان الرسمي عن ميلاد هذه الحركة في الرابع من جوان 2009 بمدينة جنوة الإيطالية من قبل “باب غريّو” وصديقه “جيان روبيرتو كاساليجيو” الذي يعتبر حتى وفاته في شهر أفريل الماضي مفكّر الحركة ومنظّرها. وقد انطلقت الحركة ببرنامج بسيط للغاية يقوم على رفض جميع الأحزاب السياسية التقليدية وعلى اعتماد صفة “النزاهة” في اختيار أعضائها الذين بلغ عددهم سنة 2014 قرابة الـ87 ألف عضو. أمّا على الصعيد الوطني فهي تقترح:

ـ إقرار دخل أدنى لجميع الإيطاليين، عمّالا كانوا أو معطّلين، يقيهم الفقر والخصاصة ويرتفع بالجميع إلى ما فوق عتبة الفقر.

ـ إجراء استفتاء للخروج من منطقة اليورو.

ـ إقرار إجراءات وقوانين صارمة لمقاومة الرشوة والفساد.

ـ إقرار إجراءات للنهوض بالمؤسسات الصغرى والمتوسطة والتخفيض في الأعباء الجبائية المسلطة عليها.

ـ خوصصة جزء من القطاعات العمومية المفلسة جرّاء سوء التصرّف والفساد المستشري داخلها.

ـ تحديد عدد النيابات في جميع المجالس التمثيلية.

ـ التخفيض في رواتب المسؤولين السياسيين (وزراء وغيرهم) وكبار الموظفين وفي المنح المسندة للأحزاب ووسائل الإعلام.

ـ تعميم الأنترنيت مجانا لكل المواطنين.

وقد اعتمدت الحركة في تسيير هياكلها الداخلية وفي اتخاذ القرارات على ما تعتبره “ديمقراطية مباشرة”، إذ يساهم جميع أعضائها بالتصويت عبر الأنترنيت على جميع القرارات المهمة التي تتخذها الحركة ومن بينها انتخاب هياكلها القيادية ومرشّحيها لأيّ انتخابات مهما كانت أهميتها.

 هل يمكن القول إنّ حركة النجوم الخمس هي النسخة الإيطالية لـ”سيريزا” أو “بوديموس”؟

ولكن رغم بعض أوجه الشبه بينها وبين الحركتين المذكورتين، فإنّ نقاط الاختلاف بينهما أكثر بكثير من نقاط الالتقاء، إذ أنّ سيريزا كما بوديموس يتموقعان ضمن قوى اليسار في بلديهما، بينما تصرّ حركة النجوم الخمس على التباين مع اليمين واليسار معا حتى وإن التقت مع هذا أو ذاك في بعض النقاط البرنامجية، من ذلك موقف الحركة من سياسة الهجرة التي تلتقي فيها مع قوى اليمين الإيطالي وحتى أقصى اليمين، إذ هي تنادي بعدم إسناد “التأشيرات الإنسانية” للمهاجرين. بل وتطالب بتنظيم رحلات بحرية وجوية لإرجاع المهاجرين السريين من حيث أتوا. أو حتى في بعض المواقف كالازدراء الذي عبّر عنه “باب غريّو” من انتخاب النائب العمّالي “المسلم” صديق خان على رأس بلدية لندن في شهر ماي الماضي. إذن لا سبيل للتعميم والقول بتشابه هذه الحركة مع الحركتين اليونانية والاسبانية.

أيّ نتائج للحركة أمام صندوق الاقتراع؟

ورغم تبرّؤ زعمائها من اعتبار الحركة كحزب سياسي (مثلما هو الحال بالنسبة لبوديموس)، إلاّ أنها سارعت منذ تأسيسها الرسمي إلى المشاركة في جميع المحطات الانتخابية الإيطالية والأوروبية. ففي الانتخابات التشريعية لسنة 2013، أحرزت الحركة ـ أمام اندهاش جميع خصومها ـ على نسبة 23 % من الأصوات أي بـ104 مقاعد من جملة 630، معدل أعمارهم لا يتجاوز 33 سنة. وتمثل النساء بينهم 38 %. وحافظت تقريبا على نفس النسبة في كل المحطات الانتخابية اللاحقة المحلية منها أو الجزئية، مؤكدة أنها أصبحت فاعلا رئيسيا في المشهد السياسي الإيطالي. وها هي تؤكد يوم الأحد الماضي الموافق للرابع والعشرين من الشهر الجاري أنها أصبحت القوة السياسية الثانية في البلاد وراء حزب رئيس الوزراء الحاكم، الحزب الديمقراطي بفوز مرشحتيها “فرجينيا رادجي” المحامية ذات الـ37 سنة برئاسة بلدية روما التي تمّ انتخابها فيها بنسبة أصوات فاقت الـ67 %، و” شيارا أبندينو ” ذات الـ31 سنة فقط برئاسة بلدية تورينو بجملة أصوات فاقت الـ55 % متقدمة على خصمها مرشح الحزب الديمقراطي بـ11 نقطة، دون الحديث عن عديد الانتصارات الأخرى هنا وهناك في مدن أقل حجما، رغم عدم مشاركتها إلاّ في 18 % من المدن التي أجريت فيها الانتخابات والتي بلغ عددها 1368.

 التّحدّيات التي تواجه الحركة

ـ أولى هذه التحديات، وقد شرعت بعد في كسبها، هي التحوّل من قوّة احتجاج إلى قوة اقتراح وإثبات جدارتها بالسلطة. ولعلّ هذا الانتصار الأخير على رأس البلديّتين المذكورتين سيضع مناضليها على المحك لأنّ تجربتها إلى حدّ الآن لم تتجاوز إدارة بعض المدن الصغيرة والمتوسطة.

ـ التحدّي الثاني يقضي بالتقليص التدريجي من دور مؤسس الحركة “باب غريّو” في اتخاذ القرارات لأنّه رغم ما يقال عن تعميم “الديمقراطية المباشرة” فإنّ هذا الأخير قد سمح لنفسه في بعض الأحيان باتخاذ إجراءات أحادية خاصة تلك التي تتعلق بطرد بعض القياديين لمخالفتهم مدوّنة السلوك المتفق عليها. وقد أضرّت تلك الإجراءات بالحركة. إذ هي تسبّبت في عديد الانسلاخات. وهو ما جعل “باب غريّو” ينسحب رويدا رويدا من الواجهة منذ 18 شهرا تاركا المجال لجيل جديد من الشباب للأخذ بزمام الأمور وعلى رأسهم “لويدجي دي مايو” ذي الثلاثين سنة الذي يطمح في الفوز بالانتخابات العامة لسنة 2018.

ـ التحدّي الثالث يكمن في تطوير ملكات المناضلين خاصة الذين يصلون إلى مراكز المسؤولية. إذ أنّ دور أعضاء الكتلة النيابية اليوم باهت للغاية نظرا لصغر سنّ أغلبهم وافتقارهم إلى التجربة، فهم يجدون صعوبة في إبلاغ أصواتهم ومواقفهم. ثم إنّ مدوّنة السلوك تفرض عليهم عدم إجراء أيّ تحالف مع أيّ طرف آخر داخل البرلمان أو حتى الظهور في وسائل الإعلام.

ـ التحدّي الرابع هو كسب رهان الانتشار في كافة البلاد إذ أنه لا وجود للحركة في الوقت الراهن في عديد المناطق والمدن الإيطالية، وهو ما يفسّر تقلّص مشاركتها في الانتخابات البلدية الأخيرة إلى 18 % فقط من البلديات المُتنافس عليها.

إنّ ما يحصل في أوروبا ذات التقاليد الديمقراطية العريقة من رفض للنظام السياسي التقليدي بمؤسساته وأحزابه حريّ بالدرس، كما أنه من الضروري الانتباه إلى الدور الذي تلعبه النساء والشباب في هذه الديناميكية الجديدة رغم ما تواجهه الحركات المعنية من صعوبات حال وصولها إلى مراكز القرار.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×