الرئيسية / أقلام / من إنجازات الحكومة: الجلاّدون يغادرون السّجون والأحرار يُساقون إليها
من إنجازات الحكومة: الجلاّدون يغادرون السّجون والأحرار يُساقون إليها

من إنجازات الحكومة: الجلاّدون يغادرون السّجون والأحرار يُساقون إليها

بقلم علي الجلولي 

44تتواصل سلسلة المهازل وتتتالى الطّعنات في خصر الثورة وظهر الشعب، وآخر ما جرى في هذا المضمار هو تسريح دفعة هامّة من رموز دكتاتورية بن علي من السجن وآخر هؤلاء محمد علي السرياطي مدير الأمن الرئاسي لبن علي، وقبله تمّ إطلاق سراح رفيق الحاج قاسم وعبد الله القلال وعبد العزيز بن ضياء وعبد الوهاب عبد الله وعبد الرحيم الزواري ومحمد الغرياني وبعض القادة الأمنيين (الزواوي…)، وهؤلاء وغيرهم هم أسماء مرعبة في ذاكرة الشّعب التونسي الذين يرتبط بأسمائهم الاستبداد والفساد والقمع والنهب الذي عاشت البلاد على وقعه لعقود، تمّ إطلاق سراح هؤلاء بعد أن برّأتهم المحاكم، ممّا حدا بالبعض من اعتبار المسألة تهمّ القضاء الذي يجب احترام أحكامه وهو ما ذهب إليه مثلا علي العريض رئيس الوزراء السابق ونائب الأمين العام لحركة النهضة في خطابه يوم الأحد 18 ماي الجاري بجندوبة، وفي تصريحات لوسائل الإعلام، وهو نفس الموقف الذي عبّر عنه رئيس حركته راشد الغنوشي. وهي مواقف تذكّرنا بمواقف بن علي الذي يعتبر القضايا السياسية قضايا حق عام وأنّ القضاء مستقل في أحكامه. إنّ التاريخ يعيد نفسه في شكل مهزلة وملهاة.

ماذا يعني إطلاق سراح رموز القمع؟

حين ثار الشّعب، لم يكن بصدد المزاح ولا بصدد التّرويح عن النّفس، ثار لأنه تضرّر من نظام حكم ومن خيارات فقّرته ونهبت ثرواته وباعت بلاده لصالح مافيا طفيليّة فاسدة مستبدّة وعميلة، وهذه المافيا لم تكن سوى جوقة الحكّام وصانعي القرار في مختلف المسؤوليّات ومختلف القطاعات، والثورة هي كذلك لأنها استهدفت رأس نظام الحكم بمختلف أجهزته وخاصة الأجهزة المتحكّمة أكثر من غيرها في شأن الشّعب التونسي وهي جهاز السلطة التنفيذية وعلى رأسه بن علي، وجهاز المافيا العائلية ورمزه الطرابلسية، وجهاز البوليس السياسي وجهاز الحزب/الدولة ممثلا في التجمّع الدستوري الذي يتكامل دوره مع دور البوليس في التأطير الأمني للمجتمع وفي التحكّم في حركات الناس وسكناتهم، وجهاز القضاء الفاسد والإعلام التّابع، كانت مجمل هذه الأجهزة وخياراتها وسياساتها وممارساتها مستهدفة من طرف ثورة شعبية سلمية أُغرقت في الدم وعٌولجت بالحديد والنار وسقط فيها شهداء وجرحى، فضلا عن التّفقير الممنهج للشعب والنّهب المستمر للبلاد، وكان من المنطقي أن يُحاسَب هؤلاء حال انتصار الشعب، لكن ولأنّ هذا النصر كان منقوصا إذ أُسقط رأس النظام ولم يسقط النظام، فإنّ جزء ضئيلا من مسؤولي النّظام السابق وقع إيقافهم وهو أمر تبيّن لاحقا أنّ القصد منه ليس سوى إيهام الشّعب أنّ جلاّديه يُحاسَبون وأنّ قتلة الشّهداء سينالون عقابهم العادل، ولكن تواتر إطلاق سراحهم منذ حكومة الجبالي ثم حكومة العريض، وآخرها صدور أحكام مخفّفة من قبل الدوائر الاستئنافية للمحكمة العسكرية ضدّ رموز الاستبداد والقمع والبطش من أمثال الحاج قاسم والسرياطي اللذان ترتبط باسميهما كلّ معاني الرّعب والإرهاب وأسوأ فترات الظلم والقهر في زمن الدكتاتور الفاشي بن علي كما ارتبطت مع أمثالهم من بطانة بن علي وأيادي نظامه الطولى في ضرب الشّعب ومصادرة حقوقه.

إنّ إطلاق سراح هؤلاء هو انتكاسة أخرى في مسار الثورة، وتتحمّل الحكومات الرجعية المتعاقبة منذ 14 جانفي إلى اليوم كامل المسؤولية السياسية والجزائية والأخلاقية في هذا التّعاطي مع مجرمي نظام بن علي الذي لم يبقى إلاّ الاعتذار لهم والتعويض عن أيام السجن التي قضّوها، أمّا الشعب ودماؤه ودموع ثكالاه وكرامة أبنائه وبناته المهدورة وحقوق أجياله المغتصبة، فلا قيمة لها.

على أنّ حكومتي الترويكا بقيادة حركة النهضة تتحمّل الجزء الأهمّ من المسؤولية ففي عهدها أطلق سراح بن ضياء والقلال وعبد الله والزواري والغرياني…، رموز القهر والاضطهاد، وفي عهدها تمكّن حامد القروي الوزير الأول لبن علي في أسوأ فترات حكمه (بداية التسعينات) من تأشيرة حزب يمدح الدكتاتورية ويدعو التجمعيين إلى رفع رؤوسهم فهم بناة البلاد وليسُوا سرّاقها وناهبيها، وفي عهدهم امتلأت دواوين الوزارات والإدارات بالتجمّعيّين الذين انتفخت بهم أيضا هياكل النهضة الوسطى والقاعدية هؤلاء الذين سمّاهم الغنوشي “الدساترة النظاف”، وتحت عنجهية أغلبية أعضائهم تمّ إسقاط الفصل 167 من القانون الانتخابي الذي يهمُّ استثناء مسؤولي نظام بن علي من المشاركة في الانتخابات بعد أن كانت هذه الحركة تتبجّح وتزايد بقانون تحصين الثورة الذي جمّدته بعد أن تقدّمت به مع أزلامها في التأسيسي، وهاهم أخيرا القضاة الذين عيّنهم نور الدين البحيري يصدرون أحكام التبرئة لوزير الداخلية ومدير الأمن الرّئاسي ومسؤولي الأمن المركزيّين الذين أذنوا وأمروا بإطلاق الرّصاص على الصّدور العارية.

ومن مهازل الزّمن الرّديء ومظاهر الردّة المريعة أنه في الوقت الذي يُطلق فيه سراح مصّاصي الدّماء الذين يُفترض أن لا مكان لهم سوى المساءلة والمحاسبة العادلة على جرائمهم وجرائم النظام الدكتاتوري الذي حملوه على أكتافهم وتحمّلوا المسؤوليات صلبه، والأمر طبعا يعني كلّ من شارك وتحمّل مسؤولية في النّظام البائد، في هذا الوقت يُساق الشّباب الثائر إلى الزنزانات بتهم”حرق مراكز أمن” أو تُلفّق له قضايا بنفس أسلوب بن علي. لقد كان حريّا بالبوليس وبقضاء التعليمات أن يكون أكثر شجاعة وتكون التّهمة “المشاركة في الثورة”.علما وأنّ الشباب الموقوف تعرّض إلى التعذيب بنفس الطريقة ولنفس الغايات.

إنّ عقارب السّاعة تعود القهقرى والرّجعية من مختلف الألوان والتّشكيلات بصدد الهجوم، إنّه حريّ بنا اليوم أن نرفع شعارا طالما ردّدته الأجيال المناضلة في بلادنا: أبناء الشعب في السجون، أعداء الشعب في القصور.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×