الرئيسية / صوت الوطن / ميزانية 2017 : مزيد بيع البلاد… مزيد تخريب الاقتصاد… مزيد الاعتداء على الشعب
ميزانية 2017  : مزيد بيع البلاد… مزيد تخريب الاقتصاد… مزيد الاعتداء على الشعب

ميزانية 2017 : مزيد بيع البلاد… مزيد تخريب الاقتصاد… مزيد الاعتداء على الشعب

جيلاني الهمامي

Moqadema-yossrتتقدم مداولات مجاس نواب الشعب بصورة حثيثة للنظر في ميزانيات عدد من الوزارات بعدما تمت المصادقة على ميزانيات مجلس نواب الشعب ورئاستي الدولة والحكومة. ومعلوم أنه حالما يقع الانتهاء من ذلك يتجه المجلس إلى نقاش قانون المالية فصلا فصلا للمصادقة عليه أخيرا قبل حلول يوم 10 ديسمبر القادم. ومن المتوقع أن تكون أحكام هذا القانون موضوع نفس القدر من النقد والمعارضة التي لقيها مشروع الميزانية.

 والحقيقة أنه لم يسبق أن لقي موضوع الميزانية اهتماما لدى عموم الرأي العام كما حصل هذه السنة، ولم يلق مشروع ميزانية معارضة كالمعارضة التي وجدتها ميزانية حكومة يوسف الشاهد. ففي أقلّ الأحوال انتقدت الأحزاب المؤلّفة لائتلاف الحكم عدم تشريكها في إعدادها. وقد اعتبرت الجبهة الشعبية هذه الميزانية تجسيدا لإملاءات صندوق النقد الدولي واستمرارا في تنفيذ التوجهات الاقتصادية والاجتماعية القديمة التي أدّت بالبلاد إلى الأزمة الحادة التي تمرّ بها اليوم. ومن جهته يقف اتّحاد الشّغل ضدّ هذه الميزانية لتنكّرها للاتّفاقات القديمة بين الحكومة والمنظمة الشغيلة حول الزيادة في الأجور للسنتين القادمتين. وأعلن المحامون والأطباء والصيادلة عن رفضهم الامتثال للإجراءات المزمع تطبيقها في مجال الجباية في هذه المهن ابتداء من السنة القادمة. ولم تُخْفِ منظمة الأعراف تبرّمها من مشروع سن نسبة إضافية (7.5 %) في الضريبة على الشركات. وكان اتحاد الفلاحين ونقابة الفلاحين عبّرا من جهتهما أيضا عن سخط منظوريهم من الإجراءات الجبائية الواردة في مشروع قانون المالية والتي ستلحق بهم أضرارا جديدة وربما حتى القضاء على شريحة من الناشطين في مجال الفلاحة والصيد البحري.

خلاصة الأمر أن لا أحد تقريبا، عدا الفريق القريب من يوسف الشاهد وخبراء صندوق النقد الدولي، راض عن هذه الميزانية.

 ميزانيّة مزيد تأزيم الأزمة

 لقد بلغت الأزمة الاقتصادية في تونس درجة استثنائية من الحدة والتعقيد باتت تتطلّب لتجاوزها خطة استثنائية لأنّ المعالجات التقليدية والترقيعية لم تفعل في الواقع غير أن زادتها تشعّبا واشتدادا. وبأكثر تدقيق فإنّ العجز الكبير في المالية العمومية يتطلّب إيجاد مصادر لتعبئة اعتمادات ضخمة لتمويل خطة تنموية جديدة من شأنها أن تحقّق نسبة نمو عالية وكذلك لتمويل مصاريف التّسيير وتغطية الاحتياجات الاجتماعية الكبرى كالتشغيل والزيادة في الأجور والتعويض على الأسعار وتمويل الخدمات العمومية في مجالات الصّحّة والسّكن والنّقل والتّعليم الخ…

مثل هذه الاعتمادات الضخمة لن يتسنّى للحكومة، أيّة حكومة، العثور عليها في وضعية شبيهة بوضعية بلادنا الراهنة إلاّ في استخلاص الحكومة مستحقّاتها من المتهرّبين جبائيا وفي مراجعة منظومة الجباية وفي إدماج الأنشطة الموازية ضمنالاقتصاد المنظّم وفي تعليق تسديد الديون لعدة سنوات وفي القضاء المبرم على الفساد ريثما تستعيد الدورة الاقتصادية نسقها المطلوب ويسترجع الاقتصاد حدّا أدنى من التعافي. حسابيا هذه المحاور بمقدورها أن توفّر للاقتصاد التونسي خلال السنة القادمة ما يقارب نصف الميزانية أي ما بين 10 و15 مليار دينار، الأمر الذي يسمح للحكومة بتخصيص مبالغ مهمة للتنمية وتحمل أعباء زيادات جديدة في الأجور. وهو، خلافَ ما تستميت الحكومة في اعتباره شيئا مستحيلا، حل ممكن وفي المتناول ولا يستدعي سوى إرادة سياسية.

لكنّ ذلك ما تفتقر إليه الحكومة. لذلك وضعت ميزانية جديدة مبنيّة على الاستمرار في التّسوّل والتّعويل على الديون وفي مجموعة من الإجراءات الجبائية الترقيعية التي لا تُغني ولا تُسمن، إذ لن توفّر في أحسن الحالات 2 مليار دينار. وعلى هذا الأساس فإنّ الميزانية لن تخصّص للتنمية إلاّ نسبة محدودة (6 مليار دينار) وبالتالي ستظلّ نسبة النمو ضعيفة وسيظلّ اقتصادنا عاجزا عن خلق الثروة بالقدر المطلوب وعن توفير الشّغل في ظلّ تصاعد معدّلات البطالة التي تشارف قريبا على حوالي مليون عاطل عن العمل.

فليس لمثل هذه الميزانية قدرة على الخروج بالبلاد من الأزمة بل هي، بالنظر إلى حجم الديون التي سيقع اقتراضها وبالنّظر أيضا إلى الارتفاع الذي ستكون عليه نسبة التضخم في ظلّ تدهور المقدرة الشرائية وتجميد الأجور، ستزيد في تعميق الأزمة وفي تعقيدها.

 ميزانيّة الفقر والبطالة والبؤس

 ومرة أخرى وكالعادة لا تجد الحكومة من حلّ غير تكبيد الجماهير الشعبية ثمن الأزمة وتكلفة الإجراءات الجبائية وغير الجبائية المبرمجة في قانونية المالية. فمن جهة سيقع إخضاع عدد من المواد للضريبة على القيمة المضافة، بما يعني ارتفاع أسعارها على حساب المستهلك فضلا عن الارتفاع الذي سينجم عن ندرة المواد وعجز منظومة الإنتاج عن تزويد السوق بما يضمن التحكم في الأسعار. ومن جهة أخرى سيقع تجميد الزيادات في الأجور في قطاع الوظيفة العمومية وهو ما سينجرّ عنه بصورة أوتوماتيكية تقريبا تجميد الزيادات في القطاع الخاص أيضا. ومن جهة ثالثة سيقع سدّ باب الانتدابات في الوظيفة العمومية والمؤسسات والشركات والدواوين العمومية. وبطبيعة الحال لا يمكن أن ننتظر من رأس المال الخاص في ظلّ الوضع الاجتماعي والأمني المحتقن أن يبادر بخلق مواطن شغل جديدة علما وأنّ نسبة الاستثمار الداخلي والأجنبي ما انفكت في تراجع للأسباب المذكورة وغيرها (الأزمة الاقتصادية في الاقتصاد الأوروبي الخ…).

بلغة أخرى عوض أن يقع التعويض للطبقات الضعيفة والمتوسطة عن الضرر الذي لحقها نتيجة خطة التنمية العميلة والهجينة تمضي حكومة يوسف الشاهد في ذات الاختيارات بل تمعن في التشديد من آثارها ليدفع الشعب مجدّدا من دمه وجلده وعرقه.

حذار من غضب الشّعب

من غير المستبعد أن ينال مشروع الميزانية ثقة الأغلبية البرلمانية الرجعية المهيمنة على المجلس، لا بل الأكيد أنه سيمرّ دون عناء كبير. ولكن هذا الانتصار في أروقة البرلمان لا يعني بالضرورة أنّ الحكومة تخطّت حاجز التصويت لتطمئنّ على مستقبلها. بل العكس هو الصحيح ذلك أنّ التمسك بهذا المشروع والإمعان في تنفيذه سيضع الحكومة وربما دون طول انتظار وجها لوجه مع الغضب الشعبي الذي تؤكّد كلّ المؤشرات على أنه سهل الانفجار قريبا.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×