الرئيسية / صوت الوطن / هل تخلّت الدولة عن مواطنيها بالخارج؟ // لطفي الهمّامي
هل تخلّت الدولة عن مواطنيها بالخارج؟ // لطفي الهمّامي

هل تخلّت الدولة عن مواطنيها بالخارج؟ // لطفي الهمّامي

لقد كرست منظومة الحكم في تونس، سابقها وحاضرها، فكرة أساسية يتمحور حولها كل موضوع متعلق بالتونسيين بالخارج، وهي “العملة الصعبة”، دون النظر إلى هذا الجسم في مجمله كمواطنين تونسيين لهم احتياجات مختلفة، خاصة الفئات التي تحتاج إلى حماية من قبل الدولة. وتظل تونس مقارنة بعدة دول سواء منها العربية أو الإفريقية خاصة، متأخرة في مجال حماية مواطنيها بالخارج. لتقديم رؤية بديلة في هذا المجال نطرح أهم المطالب الملحة للنقاش.

 تسوية ملف التونسيين غير المتمتّعين بالإقامة القانونيةuntitled-6

تعتبر قضية الإقامة القانونية من بين المعضلات الرئيسية بصفة عامة لدى كافة الدول، لارتباطها بالهجرة غير المنظّمة قانونيا، وهو ما يعبّر عنها ب “الحرقة”، والتي يكون عادة اتّجاهها نحو الأقطاب الاقتصادية في العالم. أمّا فيما يتعلق بالتونسيين، فإن هذه المسألة تحوّلت منذ سنوات خلت إلى معضلة حقيقية وخطيرة ومعقّدة، تجاوزت حدود الهجرة الاقتصادية والاجتماعية، وأصبحت تحتاج إلى مقاربة منهجية ودبلوماسية جديدة للتعاطي معها بجدّية.

ما يطرح اليوم في ظلّ التحولات الإقليمية والدولية في هذا المجال يفرض البحث عن حلول عاجلة ومستقبلية. من بين المرتكزات الأساسية التي يجب أن تكون منطلقا للحلول يتمثّل في الحفاظ على مبدأ حرية التنقل والإقامة داخل وخارج تونس. لقد جرت العادة في طرح النقاش حول الهجرة بالتركيز التام على الداخل، أي كيفية تنظيمها والآليات والاتفاقيات التي يمكن أن تساهم في الحد منها. لكن هناك في المقابل جزء أخر من المسالة، وهو من بين القضايا الرئيسة التي يجب على الدولة ومرافقها المتدخّلة في الخارج الحسم فيها بكل وضوح، وهي قضية التونسيين المتواجدين ببلدان مختلفة من العالم وخاصة الأوروبية منها دون أن يكونوا متمتعين بالإقامة القانونية.

الإرهاب يزيد ملفّ التونسيين غير المتمتّعين بالإقامة القانونية تعقيدا

يتواجد الآلاف من التونسيين دون وثائق إقامة بعدة دول، وهم عرضة لكافة مظاهر الاستغلال والملاحقة من قبل البوليس لترحيلهم. لقد بيّنت التجربة أن الإدارة التونسية قد تخلّت عن هؤلاء ليواجهوا مصيرهم. ولاتزال نفس السّياسة متّبعة من قبل الحكومات المتعاقبة ما بعد الثورة. ولكن بروز إشكال إضافي يزيد الموضوع تعقيدا وهو الإرهاب يستوجب فتح الملف بأكثر جدية. فمن المعلوم أن الإرهابيين انتشروا بالبلدان الجارية بها الحرب المفتوحة وتدرّبوا على القتل والترويع، ولكن هناك كذلك عناصر أخرى منتشرة بعدّة مناطق من العالم سواء بعد انسحابها من مناطق الحروب أو هي تمثل احتياطي ممكن تحريكه في أيّة لحظة لتنفيذ مهمات فردية أو جماعية.

في هذا الإطار بدأت حملات إعلامية وسياسية خاصة في أوروبا وأمريكا تدعو لترحيل كلّ من ثبت عدم حيازته إقامة قانونية، إضافة إلى العناصر الملاحقة أو المشتبه بها، ممّا يعنى أن الخلط بين الإرهاب والهجرة ذات البعد الاقتصادي والاجتماعي أصبح كلّ غير منفصل، وهو ما ستكون له تداعيات جدّ خطيرة.

بداية، لن أتطرق إلى موضوع الإرهاب وقضية الترحيل على أساس هذا العنوان، بل إلى موضوع التونسيين غير المتمتعين بالإقامة القانونية من قبل الدول المتواجدين على أراضيها.

دون العودة إلى المئات من الشباب الذي لقي حتفه في البحر أو المتواجد بمراكز الإيقاف الحدودي أكتفي بالتذكير، من باب تبيان أهمية الموضوع، بالأحداث المأساوية التي لا يمكننا أن ننساها، فخلال الليلة الفاصلة بين 27 و28 سبتمبر 2011 وعلى إثر حريق، شبّ بمبنى اتّخذه بعض الشباب ممّن عرفت قصتهم ب “لمبدوزا” حيث رفضت السلطات الفرنسية تسليمهم وثائق إقامة، توفّي أربعة منهم حرقا وجرح ثلاثة تمّ نقلهم إلى المستشفى، وتوفي شاب تونسي آخر من نفس مجموعة لمبدوزا يوم 16 سبتمبر 2011 بسبب الجوع والبرد لأنه كان يقيم بإحدى الحدائق بباريس.

ولايزال العشرات من الشباب التونسي موزّعين بأماكن أقلّ ما يقال عنها أنها مهينة ومنافية للكرامة البشرية ويسكنون الحدائق العمومية بباريس منذ ما يزيد عن السبعة أشهر، دون أن ننسى من قضى نحبه وهو يغامر، بعد ثورة الكرامة والسيادة الوطنية، بحثا عن الرزق.

لقد أبرمت الدولة التونسية عدة اتفاقيات في موضوع الهجرة وفي موضوع حماية مواطنيها بالخارج لكنها لم تأخذ بعين الاعتبار مصلحة التونسيين المتواجدين خارج ترابها دون إقامة قانونية وظلت تنتهك حقوق المهاجرين باعتبارها مفروضة من الدول الأوروبية أو العربية.

في هذا الإطار، نعيد طرح عدة أسئلة ضرورية من أجل بلورة مشروع دولة ذات سيادة شاملة عنوانها حماية التونسي أينما كان: ألم يحن الوقت لإعادة النظر في الاتفاقيات السابقة بما يخدم المصلحة المشتركة على قاعدة التكافؤ وليس العكس؟ لماذا لا تتبنى الإدارة التونسية كافة ملفات التونسيين المقيمين لمدة تفوق ستة أشهر من اجل الحصول الفوري على الوضع القانوني بالبلد الذي يتواجد به المعنى بالأمر وترتيب الملفات وفق الأولويات الاجتماعية والسنوات المقضات على ارض الدولة المعنية، فمن مصلحة الدولة التونسية أن يتمتع هؤلاء بالإقامة ومن مصلحة الدول المضيفة أن يندرج هؤلاء ضمن اطر قانونية تقيها عدة أفات؟ لماذا لا تتحمل الدولة كامل مسؤوليتها في تكريس حلول عملية تخص الحالات الاجتماعية وتتبنى إداريا ودبلوماسيا الوضعيات الحرجة والامتناع والكف عن إجراءات الترحيل التي تطال التونسيين المقيمين دون إقامة قانونية والحال انه من بينهم من قضى السنوات الطوال على ذا الوضع؟

الاتفاقيات الثنائية ومتعدّدة الأطراف: من المستفيد؟

من المعلوم أن الدولة التونسية لديها عدة اتفاقيات مع الدول العربية والأوروبية، وهي تعاقدات ثنائية ومتعدّدة الأطراف في عدة مجالات، منها الاقتصادي والاجتماعي ومنها ما خصّ الأمني والقضائي والعسكري.

لكن هذه الاتفاقيات عكست بصفة عامة مصالح الدول على حساب التونسيّين، سواء بالداخل أو بالخارج، لأنها اتفاقيات لصالح الأطراف الإقليمية والدولية على حساب مصالح تونس، فمنها ما مسّ من السيادة الوطنية باسم العولمة دون النظر في تأثيراتها على الاقتصاد والإدارة التونسية ويندرج ضمن تخلّي الدولة عن مواطنيها بالخارج، خصوصا فيما يتّصل باتفاقيات الإقامة وشروطها، ومنها ما يخدم مصالح قوى متنفّذة ليس لها من هدف سوى نهب الشعوب.

من بين هذه الاتفاقيات ما هو متعلق بالصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية والوثائق الإدارية وشروط الإقامة في المجال المهني أو الدراسي أو الهجرة الاقتصادية والاجتماعية بصفة عامة، وهي لا تراعي في مجملها ثلاثة مبادئ أساسية في التعامل مع الدولة ألتونسية: أولا، مبدأ النديّة، لأن أغلب الاتفاقيات تنطلق من عدم التكافؤ كأمر مسلّم به، وبموجب تلك الاتفاقيات بقي التونسي أقل حقوق من غيره في ما يتعلق بشروط الإقامة والتأشيرة وفرص العمل والتعليم ..الخ رغم أنّ إمكانيات تحسين شروط تلك الاتفاقيات متوفّرة لتونس.

لقد طبعت تلك الاتفاقيات بدبلوماسية نظام سياسي عمل على تحقيق مبدأ الحفاظ على بقاءه رغم طابعه الشمولي والاستبدادي، أما بعد الثورة فمن المنطقي أن نعيد النظر في تلك الاتفاقيات من منظار المصلحة العامة للتونسيين وتغيير شروط التفاوض خاصة في الاتفاقيات الثنائية أو الإقليمية ومن زاوية مبادئ الثورة التونسية وهي الكرامة والسيادة الوطنية والدفاع عن مصالح التونسي أينما كان مع الأخذ بعين الاعتبار مجمل التحولات الإقليمية والدولية في هذه المجالات، فما الذي يمنع تونس من إعادة النظر في كافة الاتفاقيات الموقعة سابقا بالتعديل أو الحذف و إبرام اتفاقيات بديلة؟ وما الذي يمنع النظر العاجل في اتفاقيات الإقامة والعلاج والتشغيل والتأشيرة والأسرة والضمان الاجتماعي والتبادل الاقتصادي وخاصة اتفاقية الشراكة؟ وأمام التطورات الجارية في طبيعة ومقتضيات مكافحة الجريمة، ما الذي يمنع من إعادة النظر في منظومة الاتفاقيات الأمنية المتعلقة بمكافحة الجريمة المنظمة وذات الطابع الإرهابي بما يتلاءم ومنظومة حقوق الإنسان والمنظومة القضائية؟

لماذا اذن لا تبنى الدولة التونسية سياسيا وإداريا كافة التونسيين المتواجدين بالخارج دون إقامة والتعجيل بالمطالبة بإقامتهم والإحاطة بهم من قبل القنصليات والسفارات على جميع المستويات وتمكين كافة التونسيين بالخارج من الوثائق الرسمية دون اعتبار لوضعهم القانوني في البلد المتواجدين على ترابه (جواز السفر-بطاقة تعريف الخ) واعتبار ذلك كإجراء لحائي لهم من قبل الإدارة؟ هل يمكن الكف عن التعاون مع البلدان المضيفة في تنفيذ إجراءات الطرد والترحيل على خلفية الوجود غير القانوني وعن الخلط بين المتواجدين دون إقامة قانونية والإرهابيين مثلما بدأ الإعداد له من قبل عدة دول أوربية وخاصة ألمانيا؟ أين دور الدولة في الدفاع عن التونسيين بالخارج ضد كافة أشكال التمييز العنصري وخاصة حملات معاداة المهاجرين و”الاسلاموفوبيا” والاستقطاب من قبل الجماعات الإرهابية وتوظيفهم لممارسة الجرائم المنظمة؟ أما علاقة المجتمع المدني ومؤسسات الدولة التونسية بالخارج فحدث ولا حرج، في هذا الإطار ألا يمكن استعانة الدولة بمكونات المجتمع المدني لتقريب الخدمات الإدارية من تواجد التونسيين؟

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

أربعة × 1 =

إلى الأعلى
×