الرئيسية / الورقية / وأخيرا حلّ ميليشيات الإرهاب
وأخيرا حلّ ميليشيات الإرهاب

وأخيرا حلّ ميليشيات الإرهاب

الروابطأصدرت المحكمة الابتدائية بتونس يوم الاثنين 26 ماي 2014 حكمها فيما بات يُعرف “بقضية رابطة حماية الثورة”، وقضى القرار بـ”حلّها (أي الرابطة) وحلّ جميع فروعها حيثما وُجدت وتركّزت وحَضْر أنشطتها وتعيين متصرّف قضائي على ممتلكاتها… والإذن بالتّنفيذ العاجل دون الالتفات للاستئناف”، وبهذا الحكم يكون قد مرّ فصل من الفصول المريرة التي مازال يعانيها شعبنا بحكم انفلات عقال الثورة المضادّة وأذنابها ومختلف تشكيلاتها للتحكّم في حاضره وخنق تطلّعاته وتشويه ثورته التي لم تكن إلاّ ثورة من أجل الحرية والعدالة والكرامة.

على أنّ الملف لم يُطو نهائيّا، فمازالت إجراءات الاستئناف والتّعقيب التي شرع فيها المتضرّرون من هذا الحاكم الذي استبشر به لفيف واسع من الرأي العام ومن القوى المدنيّة والسّياسيّة والاجتماعيّة التي رفعت شعار تفكيك هذه الرّوابط.

ماذا يعني هذا الحكم؟

صدر هذا الحكم بعد تلكّؤ كبير من حكّام ما بعد 23 أكتوبر الذين وفّروا الغطاء السّياسي والقانوني لهذه الأطر التي لم تكن في يوم لها علاقة بالثورة ولا بمطالبها ولا بمسارها، بل كانت أطرا شبه عسكرية، وهي تنخرط ضمن مقاربة سياسيّة/ حزبيّة بحكم انتماء وتشيّع وارتباط أغلب منتسبيها بحركات النهضة والمؤتمر ووفاء، لذلك كانت هذه الأحزاب مستبسلة استبسالا كبيرا في الدّفاع عن هؤلاء. ولم يتوان راشد الغنوشي بتسميتهم ضمير الثورة. إنّ هذه الرّوابط هي في الحقيقة أطر حزبية لأنّ مجمل المواقف التي عبّرت عنها وكرّستها هي مواقف هذه الأحزاب لذلك تحوّلت الى ألعوبة في يدها وفزّاعة تستنفرها للدّفاع عن الحكومة وتوجّهاتها وخياراتها التي كانت في المجمل ضدّ الثورة التي يدّعي هؤلاء “حمايتها” بل هم روحها كما يكتبون دوما في لافتاتهم. وهي أيضا وأساسا ميليشيا شبه عسكرية تحوّلت واقعيّا الى أداة عنيفة مارست القتل في تطاوين بقتل لطفي نقض، واعتدت على مقرّات اتّحاد الشغل بمناسبة ذكرى اغتيال حشاد (ديسمبر) وساهمت في الاعتداء على المتظاهرين في 9 أفريل والاعتداء على فضاء العبدلية واقتحام المجلس التأسيسي…، لكنّ يقظة الأحزاب والمنظّمات الثورية والديمقراطية التي طالبت بحلّ هذه الميليشيات التي لم يتوان رئيس الدّولة عن استقبال قادتها هي التي دفعت الحكومة إلى القيام بقضيّة في حلّ هذه الرّوابط.

إنّ اصدار هذا الحكم هو استجابة ولو متأخّرة لمطلب شعبي واسع وبعد تلكّؤ حكومتي الجبالي والعريض، وبعد اعتبار هذا المطلب من بنود خارطة الطريق، ورغم ادّعاء الحكومة بكون القرار سيكون قضائيّا، لكن الحقيقة هي خلاف ذلك، فالقرار هو في الأصل سياسي رغم غلافه القضائي وهذه سمة من سمات الوضع المتعثر في بلادنا، وهو ما يعني أنّ القرار وإن كان مهمّا وإيجابيّا في حدّ ذاته، فإخراجه سيّء لأنه يعكس أنّ القضاء مازال قضاء تعليمات، لذلك كان جزء كبير من الفعاليّات المطالبة بحلّ هذه الميليشيات يطالب بأن يكون ذلك في إطار قرار سياسي بحكم التّوافق الواسع حوله وبحكم الخطر الذي تشكّله هذه الأطر على حاضر البلاد والشعب ومستقبلهما.

ماذا بعد حلّ الروابط؟

إنّ حلّ هذه الرّوابط هو انتصار مهمّ لما شكّلته من مخاطر، فهي تنظيم مليشوي ذيو خلفيّة وأهداف فاشيّة يتكوّن من منحرفين وعناصر عنيفة وتجّار مخدّرات وخرّيجي سجون، فضلا عن عناصر مسيّسة من الأطراف الرّجعيّة المذكورة، وبهذه التّركيبة وبهذه المهام والأهداف تكون الرّوابط بمثابة تنظيم فاشي لا يختلف عن حرمات الشبيبة الهتلرية والقمصان السّود ومليشيات اليمين المتطرّف التي ظهرت ولازالت في عديد البلدان في أوروبا وأمريكا الجنوبية وإفريقيا وآسيا. وقد لعبت هذه الحركات أقذر الأدوار وأشنعها بما فيها القتل والإرهاب، وقد كانت هذه الأطر مرتبطة دائما بحركات سياسيّة رجعية ومتطرّفة، وبمصالح اقتصاديّة مشبوهة ترتبط غالبا بالتّهريب والأنشطة الموازية وتجارة المخدّرات والسّلاح والبشر، وكذلك بأجهزة رسميّة أو مخابراتية محلية أو خارجية، علما وأنّ “روابط حماية الثورة” أثارت أكثر من مرّة شكوكا جدّيّة حول حجم غير مسبوق لاختراق عمودي وأفقي من هذه الجهات، لكنّ السّؤال المطروح اليوم هل فعلا ستتقيّد هذه الرّوابط بقرار حلّها؟ وهل ستكون الحكومة حازمة في تطبيق هذا القرار؟ ألا يمكن مراجعة هذا الحكم في الطور الاستئنافي؟ ألن تخضع الحكومة للتأثيرات التي ستقوم بها الجهات الدّاعمة لهذه الرّوابط؟ ألن يقوم منتسبوها بتشكيل روابط بتسميات أخرى؟ علما وأنّ العديد يذهب إلى أنّ النهضة وحلفاءها شرعوا فعلا في بعث أطر جديدة بتسميات مخالفة، علما وأنّ الجمعيات التي قُبض مؤخّرا على مسيّريها بتهمة تبييض أموال وتمويل أنشطة إرهابية وخاصّة تسفير الشّباب إلى سوريا، تؤكّد أنّ التخفّي ممكن. إنّ الأوضاع في بلادنا تتّجه إلى مزيد من التجاذب والاستقطاب للمحطّات القادمة، والرّجعيّة لن تتوانى في تنظيم نفسها بكلّ الطّرق المشروعة وغير المشروعة خاصّة وأنّ الأوضاع في المنطقة تسير لغير صالح التيارات الظلاميّة في إطار إعادة تشكيل المنطقة من قبل القوى الاقليمية والخارجية المتدخّلة، وهذه أسباب ستجعل هذه القوى تستبق المحطّات القادمة بمزيد تجنيد كلّ الإمكانيات بما فيها الإجرامية والإرهابية للتّخويف والتّرويع وإيجاد الأطر البديلة استعدادا لكلّ الطّوارئ وهو ما تمارسه هذه القوى اليوم في مصر وليبيا، لذلك على شعبنا وقواه الحيّة مزيد الانتباه واليقظة ومضاعفة الضّغط على الحكومة كي تلتزم بتطبيق بنود خارطة الطريق وخاصّة المتعلّقة بمراجعة التّعيينات الحزبية وتحييد المساجد وكشف حقيقة الاغتيالات، فضلا عن الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية لفائدة الشعب.

(جريدة صوت الشعب، العدد 152: “أبو نيروز”)

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×