الرئيسية / صوت الوطن / د. مصطفى الجويلي//: “وزير التّجارة الوكيل الرّسمي للمصالح الأوروبيّة في تونس”
د. مصطفى الجويلي//: “وزير التّجارة الوكيل الرّسمي للمصالح الأوروبيّة في تونس”

د. مصطفى الجويلي//: “وزير التّجارة الوكيل الرّسمي للمصالح الأوروبيّة في تونس”

الجويليفي ندوة صحفية عقدها يوم الجمعة 05 فيفري 2016 أعلن وزير التجارة عن جملة من الإجراءات تهدف، حسب قوله، إلى تحسين ظروف حياة الفئات المتوسطة وبعث مشاريع قادرة على خلق مواطن شغل خاصّة في الجهات الداخليّة.

هذه الإجراءات التي قُدّمت كحلّ للبطالة والتفاوت الجهوي، في وقت تصاعدت فيه وتيرة الاحتجاجات الاجتماعية، لن تساهم في حقيقة الأمر إلاّ في تعميق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وتحويل تونس إلى مجرّد فضاء لتصريف أزمة الرأسمال العالمي.

 السيّارات الشّعبيّة: حلّ لأزمة قطاع صناعة السيّارات في أوروبّا وخدمة لمصالح الوسطاء المحلّيّين

أوّل الإجراءات يتمثّل في توريد “السيارات الشعبية” خارج الحصّة السنوية المعتمدة لتوريد السيارات. وسيكون السعر في حدود 23 ألف دينار للسيارة الواحدة (شعبيّة!!). وهو سعر مرشّح إلى الارتفاع باعتبار الانحدار المتواصل لقيمة الدينار.

ويأتي هذا الإجراء في ظرف يتفاقم فيه عجز الميزان التجاري. وكان من المفروض أن تسعى الحكومات المتعاقبة إلى الضغط على الواردات خاصة وأنّ إمكانيات التصدير تبدو محدودة في ظلّ أزمة عالمية خانقة (لن يتجاوز معدل النمو 1% لسنة 2016 في الاتحاد الأوروبي).

في مثل هذا الظرف، يقع الترفيع في حصة توريد السيارات من 40 ألف إلى 55 ألف سيارة سنويا. وبإضافة 5 آلاف “سيارة شعبية” سيرتفع هذا العدد إلى 60 ألف سنة 2016.

إنّ مثل هذا التّمشّي لن يساهم إلاّ في تعميق العجز التجاري ونزيف تحويل العملة الصعبة إلى الخارج الذي قد يدفع الدولة إلى مزيد التداين لتأمينه. من جهة أخرى، يدفع تفاقم العجز التجاري إلى مزيد تدهور قيمة الدينار وارتفاع أسعار المواد المستوردة (بالدينار). وكنتيجة مباشرة ترتفع كلفة وسائل الإنتاج والمواد الأولية الصناعيّة والفلاحيّة خاصة، ممّا يضعف قدراتها الإنتاجية وكذلك ترتفع أسعار المواد الاستهلاكية. وهو ما يعني تضخما وتدهورا للقدرة الشرائية.

أمام ضعف المقدرة الشرائية، لما يسمّى وهما “فئة متوسطة” (تدهور المقدرة الشرائية بنسبة 40% خلال الأربع سنوات الأخيرة)، وجد وزير التجارة الحلّ في تسهيل الإجراءات المتعلقة بقروض السيارات.

إلاّ أنّ هذا الحل ليس في الواقع إلاّ قنبلة موقوتة عبر دفع الفئات المتوسطة نحو المزيد من التداين والارتهان لدى المؤسسات البنكية.

وحسب معطيات البنك المركزي، بلغت مديونية العائلات لدى البنوك 17,6 مليار دينار سنة 2015 مقابل 7,3 مليار دينار سنة 2008، و3 مليار دينار فقط سنة 2003. وإذا أخذنا بعين الاعتبار القروض الممنوحة من المؤسسات غير البنكية، فإنّ حجم الديون العائلية لسنة 2015 يمثّل ما يقارب 33% من الناتج المحلي الخام (مقابل معدل عالمي بـ15%). وحسب معطيات المعهد الوطني للإحصاء، يخصّ التداين حوالي 60% من العائلات (900 ألف عائلة) و20% من السكان الناشطين.

مَن المستفيد إذن من هذا الإجراء؟

المستفيد الرئيسي من هذا الإجراء هو قطاع صناعة السيارات في أوروبا الذي يؤمّن ثلث الإنتاج العالمي ويوفّر مليوني موطن شغل مباشر و12 مليونا بصفة غير مباشرة. إلاّ أنّ هذا القطاع يعيش منذ سنة 2008 أزمة خانقة، حيث تراجعت مبيعاته التي وإن عرفت ارتفاعا طفيفا سنة 2015 (13,7 مليون سيارة) فإنها لم ترتق إلى ما حقّقته سنة 2007 (15,5 مليون سيارة). لهذا تراجع الإنتاج الأوروبي من 18 مليون سنة 2007 إلى 15,9 مليون سيارة سنة 2015 (70% من الطاقة الإنتاجية الحقيقية) ممّا تسبّب في خسارة ما يقارب 20% من مواطن الشغل. وتعود دوافع هذه الأزمة إلى تراخي الطلب على السيارات داخل السوق الأوروبية نتيجة لتدهور المقدرة الشرائية وتراجع القروض البنكية تحت ضغط الأزمة المالية لسنة 2008. هذا إضافة إلى تراجع الصادرات نحو الأسواق الصاعدة (البرازيل والصين أساسا) والمنافسة الشرسة للصناعة الآسيوية.

لتجاوز الأزمة لا بدّ إذن من تذليل كلّ الصعوبات التي قد تعيق تصدير السيارات الأوروبية وهو ما عبّر عنه رئيس جمعية صانعي السيارات الأوروبيين بقوله “نحن في حاجة إلى شركاء سياسيّين يدافعون عن مبدأ التبادل الحر… صناعة السيارات يمكن أن تزدهر أكثر في محيط دون حواجز تجارية”. لهذا يسعى الاتحاد الأوروبي إلى ربط كلّ مساعداته وقروضه بضرورة فتح السوق أمام بضائعه في عديد من البلدان مثل تونس والمغرب والأردن ومصر وغيرها.

على هامش أرباح قطاع صناعة السيارات الأوروبي، يحقق السماسرة المحليين، وكلاء التوريد والبنوك، بعض المكاسب. وكلاء البيع اشترطوا إخراج السيارات الشعبية من الحصة المسموح بها سنويا لكل مورد ومراجعة هامش الربح الصافي ليرتفع من 500 إلى 1000 دينار للسيارة الواحدة (دون اعتبار الأرباح الخفية). أمّا بالنسبة إلى البنوك، فإنّ طابعها الطفيلي إلى جانب تراجع الاستثمار في القطاعات المنتجة، يجعلها تعتمد أساسا على قروض الاستهلاك والقروض الموجّهة إلى العائلات بصفة عامة كمجالات أكثر ضمانا وأكثر ربحية (نسبة فائدة بين 5 و12%).

حسب معطيات البنك المركزي، ارتفعت نسبة القروض الموجّهة إلى العائلات في مجمل قروض القطاع الخاص من 14% سنة 2002 إلى 30% سنة 2015. في نفس السنة مثلت قروض العائلات 25% من مجموع القروض المسداة من طرف البنوك.

المشاريع التّجاريّة: فضاءات لتصريف فوائض الإنتاج الأجنبيّة

خلال نفس النّدوة الصّحفيّة أعلن وزير التجارة عن جملة من المشاريع التي سيقع إنجازها لتوفير مواطن شغل للشباب المعطّل في الجهات الداخلية. من بين هذه المشاريع سوق إنتاج في سيدي بوزيد وقاعدة تجارية للمواد الطازجة في جبل الوسط، إضافة إلى منطقة تجارية ببنقردان.

كما كشف الوزير عن أنّ الوزارة أسندت 13 ترخيصا جديدا لإحداث 13 مساحة تجاريّة كبرى. وأكّد أنّ الدراسات قد انطلقت لإحداث مناطق تجارية حرّة ستشمل 15 معتمدية على الحدود مع الجزائر.

ما نلاحظه أنّ كلّ المشاريع المعلن عنها مشاريع تجارية، أي أنّها مشاريع للتسويق وليست للإنتاج. وهو ما يطرح عديد الأسئلة. هل يمكن أن ندفع عجلة النمو اعتمادا على النشاط التجاري وفي غياب مشاريع منتجة للثروة؟ هل يمكن لمثل هذه المشاريع أن تؤمّن مواطن شغل دائمة خاصة لحاملي الشهائد العليا؟ الأهم والأخطر ماذا سنبيع في هذه الفضاءات التجارية ولمصلحة من يقع إحداثها؟.

من البديهي أنّ كلّ تجارة يسبقها إنتاج. ذلك أنه لا يمكن تداول إلاّ البضائع والسلع التي وقع إنتاجها سلفا. وهذه البضائع يمكن أن تكون محلية الصنع. وفي هذه الحالة تكون التجارة دعامة للإنتاج الوطني أو موردة، وتصبح التجارة هنا آلية لتصريف الفوائض الأجنبية.

الجواب نجده في تأكيد الوزير أنّ وزارته عملت على تنمية نشاط الاستغلال تحت التسمية الأصلية (franchise) عن طريق إسناد 5 تراخيص لاستغلال علامات تجارية أجنبية، أي أنّ هذه الفضاءات ستكون مخصّصة أساسا لترويج البضائع المستوردة والأوروبية على وجه الخصوص.

ليس من باب الصدفة أن يقع الإعلان عن هذه المشاريع التجارية بعد أن أقرّ قانون المالية 2016 التخفيض في المعاليم الديوانية والحدّ من الأداءات على المواد المستوردة. هذا الإجراء ورد تحت غطاء وضع حدّ لظاهرة التهريب والتجارة الموازية، لكنّه في الواقع تلبية لمقترح تقدمت به منظمة الأعراف التي تسعى إلى الاستفادة من وجود “الاقتصاد الموازي” أكثر ممّا تسعى إلى محاربته. وهو في نفس الوقت  استعدادا لاتفاقية التبادل الحر الكامل والمعمّق (ALECA) مع الاتحاد الأوروبي الذي يتضمن تحريرا كاملا للمبادلات التجارية وتعميمها في قطاعي الفلاحية والخدمات.

أي أنّ مهمة وزير التجارة تكمن في تمرير اتفاق التبادل الحر والكامل مع الاتحاد الأوروبي على مراحل حتى يتحوّل تدريجيا إلى أمر واقع لا يمكن معارضته (وهو نفس التمشي الذي اعتمدته حكومة الفساد حين حاولت تمرير جزء من مشروع قانون المصالحة في قانون المالية 2016). ولا أدلّ على ذلك من أنّ وزير التجارة أمضى يوم 26 جانفي 2016 اتفاقية “برنامج دعم التنافسية في الخدمات” مع الاتحاد الأوروبي. هذا البرنامج الذي يفتح الباب أمام تحرير خدمات الصحة والنقل والخدمات اللوجستية وتكنولوجيا الاتصالات والخدمات المرتبطة بالصناعة والخدمات المهنية (مكاتب الاستشارات، المحاماة، المحاسبة…)  كأحد عناصر اتفاقية التبادل الحر المعمّق والشامل.

 الخضوع إلى الإملاءات

 إنّ بعث هذه المشاريع التجارية يندرج إذن ضمن سياسة الخضوع للإملاءات الأجنبية وفتح الحدود أمام البضائع المستوردة. وهو ما قد يعمّق، كما بيّنّا أعلاه، من عجز الميزان التجاري وما يرافقه من آثار سلبية. بالإضافة إلى أنه سيعرّض المؤسّسات التونسية إلى منافسة غير متكافئة قد تجبرها على التّوقّف عن النشاط. على سبيل المثال، بين 2011 و2015، أغلقت حوالي 300 مؤسسة في قطاع النسيج و35 مؤسسة في قطاع الجلود والأحذية أبوابها نتيجة لإغراق السوق بالمنتوجات المستوردة (40% من الملابس المعروضة في المحلات التجارية مستورد من تركيا)، وهو ما تسبّب في خسارة أكثر من 60 ألف موطن شغل.

من ناحية أخرى، فإنّ مواطن الشغل المزمع خلقها في المشاريع التجارية تتوجّه أساسا إلى يد عاملة غير مؤهّلة ورخيصة. كما أنها قد تترافق بتدمير مواطن شغل أخرى في مجال التجارة نفسه. مثلا، تسبب انتصاب العلامة التجارية “كارفور” في  تونس الكبرى في تدمير 40 ألف موطن شغل نتيجة اضطرار العديد من صغار التجار إغلاق محلاّتهم.

من الواضح إذن أنّ السياسات المتّبعة لا يمكن أن تؤدّي إلاّ إلى تدمير ما تبقّى من النسيج الاقتصادي الوطني وأنّ مهمّة وزير التجارة لا تتعدّى سوى تحويل تونس إلى مغازة أو فضاء تجاري مفتوح تتكدّس فيه فوائض السلع الأوروبية. قد يساهم هذا في إنعاش الاقتصاد وخلق مواطن شغل، ولكن في أوروبا وليس في تونس. فوزير “الشاي” ليس إذن إلاّ الوكيل الرسمي للمصالح الأوروبية في تونس وأحد العناوين البارزة للعمالة في حكومة اللوبيّات والفساد.

مصطفي الجويلي: جامعي وخبير اقتصادي 

“صوت الشعب”: العدد 197

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×