الرئيسية / أقلام / سياسة إحباط العزائم..
سياسة إحباط العزائم..

سياسة إحباط العزائم..

بقلم فوزي القصيبي

01لا تزال قوى الردة تحاول محاصرة الثورة، فهي تلجأ إلى أساليب متعددة وتستعمل شخصيات مختلفة علها تفلح في تمرير مشروعها و اجهاض أحلام شعب ضحى بالغالي والنفيس، شعبٌ إنتظر أجيالاً وأجيالاً لكي يتنشق نسمات الحرية وينعم بالكرامة. لكن كل هذه المجهودات التي قامت بها هذه القوى ذهبت سداً لأن المخطط كان مليئا بالثغرات والتنافر و الإخراج رديئا، لذلك أتت الصورة باهتة لا لون لها. في البداية، عمدت فصائل الثورة المضادة إلى تشويه الرمز الوطني محمد البوعزيزي وذلك بتقديمه في صورة الوغد، فتعددت الروايات المسيئة إلى هذا البطل وكللت بمحاكمة الإدانة التي جعلت من الضحية جلادا، فهلل أعداء البوعزيزي بهذا الحكم الذي رأوا فيه تكريساً لاستقلالية القضاء وللديمقراطية الجديدة. المشهد الثاني تمثل في ادعاء ضابط شرطة بأن أطرافاً سياسية قامت إبان الأحداث في ديسمبر 2010 بتجنيد صبية لقذف أعوان الأمن بالحجارة وذلك بأجر يضاهي ال20 دنارا مقابل ساعتين “عمل”. هذا الشريط أطلق العنان لمخيلة البعض فأصبح يرى نفسه في ثوب البطل على شاكلة “سوبرمان” يظهر في اللحظة الحاسمة لإنقاذ الآخرين من الخطر المحدق. ذلك هو الدور الذي لعبه أحد الضباط عندما صرح بأنه هو من خلص الشعب التونسي من بن علي يوم 14 جانفي. وها أن اخر يدعي التخصص في الاعلام يطل علينا ليعلمنا عن طريق ضيوفه ذوي المصداقية العالية أن من قام بطرد بن علي هو علي السرياطي وليس الشعب التونسي وقد استند في ذلك على قول الضابط المتقاعد في الجيش الوطني الذي ادعى أن هذا الأخير لم يكن قادرا على القيام بذلك العمل مستشهدا بطريقة ساخرة بسهولة تفريق المتظاهرين في ذلك اليوم التاريخي أمام وزارة الداخلية.خير لم يكن قادرا على القيام بذا العمل إننا نسخر بدورنا من هؤلاء الذين لا يفقهون شيئا في قانون التاريخ بما أنهم يعيشون خارجه كما أنهم لا ينتمون إلى الجغرافيا. ظهور هؤلاء ليس بمحض الصدفة إنه عمل منظم يخضع لأجندة واضحة المعالم منذ مدة وازدادت وضوحا هذه الأيام, لقد تزامن مع ظهور التقرير الذي يتحدث عن انقلاب “ويكيليكس” في تونس مدعيا ان هذه الأخيرة و “أسانج” ليسوا غير اداة للمخابرات الأمريكية أوكلت إليهم مهمة مغالطة الشباب التونسي. إذن تزامن برنامج “لمن يجرؤ فقط” مع ظهور هذا التقرير ليس وليد الصدفة بل هو مدروس ومخطط له مسبقا.

 اخراج رديء

 إن المتأمل في هذه المحطات يلاحظ أن هنالك ترابطاً محكماً بينها بمعنى أنها تشكل حلقات لنفس المسلسل: بعد ازاحة الرمز و الجماهير الشعبية، أي العقدة بلغة الرواية، أصبحت الطريق سالكة و معبدة أمام البطل الذي أطل علينا من السماء و كأنه المهدي المنتظر. كان هذا السيناريو الذي أنتج “بكفاءاتٍ” تونسية تصوراً وإنجازاً. أما على المستوى الدولي، فإن السيناريو كان أكثر حبكة حيث استعملت فيه جميع التقنيات “الهوليودية” البارعة. إن محاولة نسف الانجازات التي قامت بها الشعوب العربية بهدف تقزيمها وارباكها والحط من معنوياتها لم تبدأ اليوم، فمنذ سنة ونيف و بعد دراسة و تمحيص، فاجأنا العم “سام” كعادته بواحدة من بهلوانياته التي يزخر بها تاريخه، تاريخ رعاة البقر الحافل بالبطولات الوهمية. هذه المرة، كانت القصة غايةً في الطرافة بما أنها تجاوزت حتى حدود الخيال العلمي. فحكام البيت الأبيض، الذين لم يستسيغوا تمرد الشعوب العربية وخروجها عن بيت الطاعة، ادعوا أنهم هم من يقف وراء هذه الهبات الشعبية، هم من يمسك بجميع الخيوط ويتحكم في اللعبة وذلك عبر مجموعة صربية تدعى”أوتبور” أي المقاومة و التي لعبت دوراً مهماً في الاطاحة السلمية ب”ميلوزوفيتش” حسب زعم الادارة الأمريكية. إذاً بإيعاز وترتيبات من هذه الأخيرة، قامت المنظمة المذكورة و الممولة من طرفها بتدريب شباب الفايسبوك في كل من تونس ومصر وليبيا على المقاومة السلمية على غرار ما قامت به في أوكرانيا خلال ما يسمى بالثورة البرتقالية. إن قصة كهذه تثير قطعا الضحك بما أن المروج لها يقفز على الواقع و يتجاهل الأسباب الموضوعية التي دفعت الشعوب العربية إلى الإنتفاض على أنظمة دكتاتورية و عميلة عملت على تفقيرها و لجمها بالنار و الحديد سنينا طوالاً. عفواً أيها السيد الأمريكي! إن ثورتنا لم تكن برتقالية و لا هي بثورة الياسمين كما يحلو لكم تسميتها، انها ثورة الأحرار، ثورة الشهداء الذين رووا ارضنا المعطاء بدمائهم الزكية، ثورة الأبطال الذين عرضوا أجسادهم إلى التعذيب و الإعاقة بكل سخاء و رباطة جأش، انها ثورة كل هؤلاء الذين وهبوا حياتهم قرباناً إلى الوطن وقدموا انموذجا رائعا في نكران الذات. ثورتنا أيها السادة لم تنجز في قاعات مغلقة بل دار رحاها في الشوارع و الساحات المفتوحة، انها ملحمة تاريخية لبى فيها الشعب نداء القدر لأنه أراد الحياة. شعبنا الأبي ثار على السماسرة بائعي الأوطان و على أسيادهم أي أنتم تجار العصر السعيد الذين لا تتهاونون حتى في الإتجار بالقيم الانسانية، فباسم حقوق الانسان و الديمقراطية دمرتم و مزقتم العراق و أعدتم الكرة في ليبيا و ها أنكم تنفذون نفس الجريمة في سوريا.

 جدلية التاريخ

 إن إختلاق مثل هذه الروايات من قبل الإدارة الأمريكية يهدف إلى إحباط العزائم لدى الشعوب العربية و كافة شعوب العالم التواقة إلى الإنعتاق، فهي تريد إيهام الجميع بأنه لا أحد يمكنه الإبحار خارج مدارها و إنجاز عملا ما دون علمها و دون تخطيط و توجيه من طرفها. لقد فات مروجي هذه الخرافة السخيفة أن ذاكرة الشعوب التي تستخف بها و تحتقر ذكائها لا تزال حية و لن تموت أبدا. إننا نذكر أصحاب الذاكرة الضعيفة و أولئك الذين يتناسون كل ما من شأنه أن يعرقل مشاريعهم ويعكر مزاجهم بموقف فرنسا عند إندلاع الشرارة الأولى للثورة التونسية حين أعلنت على لسان وزيرتها للشؤون الخارجية عن إستعدادها منح نظام بن علي المعدات اللازمة لقمع المتظاهرين، و ما إسراع ساركوزي للتدخل في ليبيا إلا محاولة منه لتدارك الأمر وتقمص دور ناصر الشعوب بعدما سقط القناع. هذا دليل قاطع على أن الدوائر الإمبريالية لم تكن تتوقع حدوث “تسونامي” في تونس عكس ما تروج له، فهي لم تخطط إلا للمزيد من تعذيب و ترهيب الشعوب و لتثبيت أركان أعوانها حتى يقوموا بدورهم على أحسن وجه و يأمنوا لهم مصالحهم في ربوعنا. إن ما حدث في تونس ينصهر تماما في حركة التاريخ التي لا توقفها أي قوة، إنه إفراز لواقع إجتماعي متردي للغاية و تعبيرة عن تناقضات عديدة ناتجة عن الإختيارات الإقتصادية و الاجتماعية للأنظمة السياسية المتعاقبة التي توغلت في النهج الليبرالي المتوحش و رهنت البلاد و العباد إلى الخارج بإنتهاج سياسة المديونية، هذا إضافة إلى الفساد المتفشي في كافة أجهزة الدولة. كل هذه العوامل زادت في تعميق الهوة بين الطبقات الإجتماعية، فأصبح الأغنياء أكثر غنى و الفقراء أكثر فقرا. ليعلم إذا بارونات العالم أن هنالك حتمية تاريخية تتحكم في مصير الإنسانية و عليهم أن يتذكروا الأزمة الهيكلية الخانقة التي يعيشونها و التي تنذر بإنهيار النظام الرأسمالي العالمي. هل يستطيع هؤلاء الإدعاء بأن الصراع الحاصل في اليونان الآن مثلا هو بتخطيط منهم؟ عندما تنفجر البراكين الشعبية كل ما يستطيعون فعله هو محاولة تطويقها و إخمادها و لكن… لحين. هذا ما لا يفقهه بيادقهم الذين يتنافسون لنيل رضاهم ويتفننون في تسويق مشاريعهم لدرجة أنهم يفقدون البصر والبصيرة فتراهم يهذون ويروجون تفاهات لا ترتقي حتى إلى مستوى الخرافة. تريدون العودة بنا إلى المربع الأول ? تريدون اقناعنا بأننا لسنا أهلا للسلطة والديمقراطية وأنكم الوحيدين القادرين على أدارة شؤوننا ? أنتم واهمون ولا تقدروا على ايقاف قطار ثورتنا الذي انطلق يوم 17 سبتمبر 2010. إن الانخراط في هذا النهج الثوري  “لمن يجرؤ فقط” وليس للبيادق المأجورين…

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×