الرئيسية / صوت الجهات / وفيات مسترابة أثناء الاحتجازقد تكون جرّاء التعذيب وتأخر في التحقيق
وفيات مسترابة أثناء الاحتجازقد تكون جرّاء التعذيب وتأخر في التحقيق

وفيات مسترابة أثناء الاحتجازقد تكون جرّاء التعذيب وتأخر في التحقيق

قالت “هيومن رايتس ووتش”، في تقرير لها، إنّ رجلين ماتا مؤخرا في واقعتين منفصلتين أثناء احتجازهما من قبل أعوان أمن في ظروف مثيرة للشبهات.قدّم أهالي الرجلين صورا تُظهر كدمات على وجهيهما وجسديهما، مؤكدين أن السلطات لم تبلغهم بالوفاة فور حدوثها. وتعليقا على ما حدث قالت باحثة تونس في هيومن رايتس ووتش، آمنة القلالي إنّ “مصداقية النظام العدلي التونسي على المحك إذا لم يُوضح كيف ولماذا مات هذان المحتجزان، وإخفاق السلطات في إخبار الأهالي فورا بالموت يعزز الشبهات في حدوث انتهاك”.

حالتي وفاة مسترابة في انتظار تحقيق نزيه

عثرت عائلة سُفيان الدريدي عليه ميتا في مشرحة مستشفى شارل نيكول في 18 سبتمبر 2015، بعد توقيفه من قِبل الشرطة في إدارة الجوازات بمطار تونس-قرطاج بسبعة أيام.لم تُخبر إدارة السجن أو الشرطة عائلته بوفاته. أما قيس برحومة فقد أوقفته فرقة مكافحة المخدرات التابعة لـ “الحرس الوطني” ، في 5 أكتوبر الجاري.
وقد صرّح شاهدان لـ “هيومن رايتس ووتش” أن عناصر الامن اعتدو عليه بشدة في الشارع. علمت أسرته في اليوم التالي من قريب لهم أن جثمانه في مستشفى شارل نيكول. وطالبت المنظمة المذكورة السلطات التونسية إجراء تحقيق شامل ونزيه في حالتيّ الوفاة المسترابة. سفيان الدريدي تم ترحيله من سويسرا إلى تونس في 11 سبتمبر2015. أوقفته الشرطة في مطار تونس-قرطاج ونقلته إلى مركز شرطة حي برج الوزير. قالت أسرته إن أمر توقيفه الصادر عام 2011 سببه شجار عنيف. أمضى الدريدي 4 أيام محبوسا على ذمة التحقيق في مركز الايقاف بوشوشة واستجوُب أولا في برج الوزير ثم في مركز شرطة سكرة حسب محاميه.
كما ورد في تقرير عن مساعد وكيل الجمهورية بتاريخ 15 سبتمبر أن المساعد استجوب سفيان وفحص حالته البدنية ولم يرصد آثار تعذيب أو معاملة سيئة. أصدر قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بالعاصمة بطاقة ايداع ذلك اليوم، ونُقل الدريدي إلى سجن المرناقية وتقرر عقد جلسة له في 18 سبتمبر2015.قالت مروة الدريدي شقيقة سفيان إنه علي الساعة الرابعة صباحا ذلك اليوم حضر عُنصرا أمن في ثياب مدنية إلى بيت العائلة في تونس العاصمة وطلبا من شقيق سفيان أن يصحبهما. وأخبراه أن سفيان مريض للغاية وعليه الذهاب لمستشفى شارل نيكول لزيارته. وقالت إن الأسرة ذهبت إلى المستشفى ومنها إلى المحكمة ثم عادوا للمستشفى، لكن لم يتمكن أحد من إخبارهم بمكانه أو حالته الصحية. وأخيرا حوالي الساعة الـ 1بعد الظهر، أخبر أحد أقرباء سفيان أمه بعد ذهابه إلى المستشفى إن العاملين في الاستقبال أخبروه بوفاة سفيان وبأن جثمانه في المشرحة.

آثار عنف ورائحة كريهة

قالت أم سفيان، ربح المرداسي، لـ “هيومن رايتس ووتش” إنها ذهبت إلى مشرحة المستشفى الساعة 1:15 بعد الظهر،مضيفة أنه” عندما رفعوا الغطاء عن جثمانه كانت الرائحة لا تُطاق، لم تكن رائحة شخص توفي ذلك اليوم. صُعقت عندما رأيت كدمات زرقاء كبيرة على مستوى كليتيه اليُمنى واليُسرى. رأيت بقعة زرقاء أخرى على مستوى قلبه، وندبة حمراء مزّرقة كبيرة تحت عينه اليمنى وعلى مستوى رقبته. ورأيت دما متجلطا قرب أذنيه”. اطلعت هيومن رايتس ووتش على 4 صور لجثمان سفيان، التقطتها الأسرة في المشرحة يوم 18 سبتمبر قبل التشريح، تظهر فيها بقعة زرقاء داكنة كبيرة على الجزء الأيسر من جبينه، وهالة دائرية زرقاء داكنة كبيرة تحت عينه اليُمنى.
قالت الأسرة لـ “هيومن رايتس ووتش” إنها استلمت الجثمان في 19 سبتمبر. وورد في شهادة الوفاة أنه توفي يوم 17 سبتمبر، الساعة 2:10 بعد الظهر. من جانبه صرّح الناطق الرسمي باسم سجن المرناقية رضا الزغدودي في حوار متلفزأن سفيان كان مريضا بالسكري، ما تسبب في إصابته بأزمة قلبية أودت بحياته. وقال محامي الأسرة محمد دبارة لـ “هيومن رايتس ووتش” إن قاضي تحقيق في المحكمة الابتدائية فتح تحقيقا في أسباب الوفاة.

شاهدان يصفان عملية الإيقاف القاتلة

وفي ما يتعلق بقيس برحومة (36 عاما)، فقد ذكر شهود عيان أنه تم القبض عليه من قبل عناصر أمن بالزي المدني ، عشية يوم 5 أكتوبر في حيّ الوردية حيث يقطن. وفي اليوم التالي سمعت عائلته من قريب لهم أن جثمانه في مستشفى شارل نيكول. وأوضحت “هيومن رايتس ووتش” أن شخصين شهدا رجالا في ثياب مدنية يضربون برحومة بشكل مُبرح. أحد الشاهدين هو نادل في مقهى على مسافة 10 أمتار من مكان الحادث، قال إنه شاهد عدّة عناصر أمن في ثياب مدنية، يعرف أنهم ينتمون لفرقة مكافحة المخدرات في الحرس الوطني بالوردية، وهم يهرعون نحو برحومة عندما رأوه يسير نحو محطة المترو. وقال انهم حاصروه وشلّوا حركته و ضربوه وقيدوه بالأصفاد من وراء ظهره في ما راح يصرخ، وذلك حسب ما نقلته المنظمة عن أحد الشهود الذي أفاد أنه رأى “أحدهم يرفع برحومة ثم يرميه أرضا ليرطتم رأسه بالأرض”. مضيفا أنه لم يسمع برحومة يصرخ بعد ذلك أنه لاحظ أن رأسه كان يتدلي عندما رفعوه من جديد وانه لم يكن يتحرك. ووضعه عناصر الشرطة في سيارة “فورد فوكوس” بيضاء وتركوا المكان. الشاهد الثاني في هذه الحادثة، تونسي مقيم بالخارج، أخبر “هيومن رايتس ووتش” أنه رأى مجموعة من الأشخاص يضربون رجلا ملقى على الأرض، قرب محطة المترو. في البداية حسبها مشاجرة، حتى رأى أسلحة نارية مع بعضهم فخمّن أنهم رجال أمن. رآهم يلوون ذراعي الرجل ويقيدونه بالأصفاد وهم ما زالوا يركلونه. عندما رفعوه كان رأسه يتدلّى وفمه ينزف وذلك، حسب روايته.
وفي هذا الصدد، قالت محامية الأسرة سنيا الجلاصي لـ “هيومن رايتس ووتش” إنّ النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس العاصمة قررت فتح تحقيق مبدئي في وفاة برحومة المشبوهة، بحق وحدة مكافحة المخدرات في الحرس الوطني في الوردية. وكلّف المدعي شرطة القرجاني العدلية بالتحقيق. كما قال الشاهدان لـ” هيومن رايتس ووتش” إنهما تلقيا استدعاء للشهادة في القرجاني يوم 9 أكتوبر الماضي في حين لم تصدر السلطات بيانا حول وفاة برحومة على حد علم المنظمة.

أسرة الضحية هي آخر من يسمع بوفاته

أمل برحومة شقيقة قيس أكدت لـ “هيومن رايتس ووتش” أن الأسرة لم تسمع بوفاته إلا من الجيران.وبعد ايقافة تنقل والده علي الساعة 7 مساء إلى مركز الحرس الوطني في الوردية، فأخبروه بعدم وجوده. في الصباح التالي اتصل قريب يعمل في مستشفى شارل نيكول ليخبر أمل برحومة برؤيته اسم قيس في قائمة المتوفين. ذهب الأهل إلى المستشفى فأخبرهم مسؤولون بأنه ليس مسموح لهم برؤية الجثمان. لم يروه إلا اليوم التالي، 7 أكتوبر2015 ، عندما سُمح لهم باستلام جثمانه من المشرحة بعد إجراء تشريح. قالت شقيقته إنهم رأوا كدمات على كتفه الأيسر ورقبته، وإنه بدا مصابا بكسر في كتفه الأيسر. وتجدر الإشارة إلى أنّ المقرر الخاص بالأمم المتحدة المعني بالتعذيب أثناء زيارته للمتابعة في تونس، في ماي 2014، أوضح أنه: “رغم إحراز تقدم في مكافحة التعذيب وانحسار خوف الضحايا من تقديم شكاوى، لكن الإجراءات التي يتخذها المدعون والقضاة قليلة ” في ما يخص متابعة شكاوى التعذيب من عهد بن علي والشكاوى الصادرة بعد ذلك. ويذكر أنّ عدّة وفيات مشبوهة رهن الاحتجاز وقعت منذ 2013 منها ثلاث حالات وثقتها “هيومن رايتس وواتش”: وليد دنقير في 1 نوفمبر 2013، محمد علي السنوسي في 3 أكتوبر 2014، وعبد المجيد الجدي في 13 ماي 2015. وللتذكير فإن مبادئ الأمم المتحدة بشأن المنع والتقصي الفعّالين لعمليات الإعدام خارج نطاق القانون والإعدام التعسفي والإعدام بإجراءات موجزة تدعو إلى تحقيق شامل عاجل نزيه في كل حالات الوفاة المشبوهة رهن الاحتجاز لـ “تحديد سبب الوفاة وطريقة ووقت حدوثها والشخص المسؤول عنها، وأي نمط أو ممارسة قد يكون السبب في وقوعها”. و تنص المبادئ على أن “تُعلم أسر المتوفين وممثلوها القانونيون بأية جلسة استماع تعقد، ويسمح لهم بحضورها وبالاطلاع على جميع المعلومات ذات الصلة بالتحقيق ويحق لهم تقديم أدلة أخرى”.

لطفي الوافي

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×