الرئيسية / أقلام / النائب عمّار عمروسيّة: “بوصلة: حول سطوة الإرهاب وفي تقاعس الحكومة”
النائب عمّار عمروسيّة: “بوصلة: حول سطوة الإرهاب وفي تقاعس الحكومة”

النائب عمّار عمروسيّة: “بوصلة: حول سطوة الإرهاب وفي تقاعس الحكومة”

بوصلةمرّة أخرى فتح التونسيون والتونسيات أعينهم على جريمة إرهابية جديدة للعصابات الفاشية التي مازالت حتى هذا الوقت تجد الأريحية في تنفيذ أعمالها وتنويعتها والتوغل أكثر فأكثر من جهة في الوحشية والبربرية ومن جهة أخرى في إلحاق الأذى بأبناء هذا الشعب وخصوصا مفقريّه ومعدميه.

ولعل جريمة “السلاطنية” بريف “جلمة” خير دليل على قولنا هذا. فكل الحيثيات والوقائع المتعلقة بالإجهاز على الشاب “مبروك السلطاني” تدفع إلى الاعتقاد بأنّ عصابات الإرهاب الأسود مجرّدة من أدنى الضوابط الدينية والأخلاقية واإانسانية. والأخطر من ذلك أنها تتحرك وفق مخطط تدميري مدروس إن في أهدافه الآنية أو الاستراتيجية أو في كل توابعه اللوجستية.

فالمتأمل في الجريمة الأخيرة لن يجد صعوبة تذكر في فكّ الرسائل الموجهة من هكذا فعلة. وهي دلالات مرتبطة في مجملها بأهداف كل نشاط إجرامي ذو خلفية إرهابية تكفيرية.

فالدّلالة الأولى هي نشر الخوف والهلع وتوسيع دائرتهما، والثانية محاولة قطع الصلة بين الأجهزة العسكرية والأمنية ومرتكزها الفعّال ونعني الوسط الأهلي والشعبي، والثالثة إثبات القدرة على الحركة والوجود في أمكنة متعدّدة وأوقات مختلفة، والرابعة إنهاك الدولة والمجتمع عموما وفتح ثغرات إضافية للمرور في الوقت المناسب للانقضاض عليهما والعودة بالبلاد تحت سطوة السلاح وهبوط المعنويات إلى عصور الانحطاط والتخلف ضمن ما يسمّى “دولة الخلافة الاسلامية”.

فبالعودة إلى جريمة “السلاطنية” وما سبقها من فظاعات عديدة (باردو، سوسة، الشعانبي إلخ …) يقف كل متابع محايد وموضوعي على جملة من الحقائق يتصدرها للأسف الشديد ما يدعم دون لبسٍ رأينا الذي صرّحنا به منذ سنوات والمتمثل في أن الإرهاب استوطن ببلادنا “وأن المعركة ضدّه طويلة وشاقة وفيها الكثير من التضحيات”

ومعلوم أيضا أن اشتداد عود هذه الآفة وبلوغه هذه المستويات من القدرة على الأذى وإراقة الدماء قد تمّ تحت حكومتي الترويكا وسلطتهما رئاسة ومجلسا تأسيسيا، ومعلوم أيضا أن ذاك الاشتداد قد استفاد من المتغيّرات على مجمل الساحات العربية والإقليمية والدولية .

ومعلوم أيضا أن الائتلاف الحاكم اليوم مازال بعيدا عن بذل المجهودات الضرورية لمحصارة هذه الآفة والإجهاز عليها بما يضمن حماية الأرواح البشرية وخصوصا المدنيّين العزّل بالمناطق النائية والمحاذية للجبال وأماكن تمركز المجموعات الإرهابية. والحقيقة أن الطبيعة الطبقية لهذا التحالف الحاكم، زيادة عن الجذور الفكرية والتوجهات السياسية للقوى المتنفذة في هذا الائتلاف، تقفان عائقا قويا وموضوعيا أمام تقدّمهم في مقاومة جماعات القتل وإراقة الدماء.

بعبارة أوضح فمن رأى في هذه الجماعات خزّانا انتخابيا قبل الانتخابات الماضية، ومن رأى فيهم مبشرين “بثقافة” ومذكرين “بشبابه” إلخ… لايمكن بالمرّة انتظار موقف حازم ومتماسك من قِبله قد يسهم بصفة جدية في حسم المعركة ضد أعداء الحياة والحرية.  كما أن من تنكّر لوعوده الانتخابية وقبِل الشّراكة في الحكم مع الشق المذكور أعلاه مُضافا لها ثقافة الحكم القديم بجميع مساوئها بما فيها المقايضة والابتزاز وكذلك الاستعداد دون حدود لتوظيف أكثر الآفات والكوارث للبقاء في السلطة وربح الوقت على حساب الشعب ومعاناته .

فالأعمال الإرهابية تتوالى وتتعدّد ودماء الأبرياء من أمنيين وعسكريين ومدنيّين تنزف ومن الممكن جدا أن تعرف البلاد في الأيام والأسابيع القادمة فضاعات أكثر دموية، إلا أن السلطة القائمة مازالت رهينة حساباتها الصغيرة التي لا يمكن بالمرّة أن ترتقي إلى تحصين المجتمع والدولة من مخاطر المجموعات المتشددة .

فالمتأمّل في الأداء الرسمي يقف على تردّد قاتل في مقاومة هذا الخطر الدّاهم والمتنامي ومن أبرز مظاهر عدم الجدّية والتراخي هو :

1) عدم التقدّم في كشف جميع الحيثيّات المتّصلة بالاغتيالات السياسيّة وكل العمليّات الإرهابية.

2) الصمت عن كشف الشبكات المورّطة في تجنيد الشباب التونسي وتسفيرهم لدعم الإرهاب في مناطق عديدة بالوطن العربي والعالم.

3) المعالجة الانتقائيّة والسطحيّة لملفّي “الجوامع الواقعة تحت براثن التطرّف الدّيني” والجمعيّات الضالعة في تمويل مجمل الأنشطة الإرهابية.

4) إصلاح الأجهزة الأمنية وتخليصها من التعيينات والترقيات المشبوهة التي تمّت تحت “الترويكا”.

5) التلاعب باستحقاق المؤتمر الوطني لمقاومة الارهاب الذي تقرّر أواخر سبتمبر الماضي وتأخيره إلى أجل غير مسمّى والتلويح بالمؤتمر الدولي لإفراغه من محتواه وتذويبه ليصبح محطّة للتّسوّل والاقتراض.

6) الإمعان في اقحام المؤسّستين العسكرية والأمنية في “حرب على الإرهاب” مثلما يزعمون دون بوصلة متمثّلة في الاتّفاق المجتمعي والسّياسي على استراتيجيّة شاملة لمقاومة هذه الآفة.

7) مواصلة الديماغوجية من خلال “التشذّي الخطابي والكلامي” في مقاومة الإرهاب دون رفده بمقاومة الفقر المتزايد والبطالة المتنامية والتهميش المتّسع.

(عمّار عمروسيّة: نائب بمجلس النواب عن الجبهة الشعبية وعضو الل. المركزية لحزب العمّال)

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×