الرئيسية / أقلام / “بوصلة” عمّار عمروسيّة: المبادرة المشبوهة والحسابات المغلوطة
“بوصلة” عمّار عمروسيّة: المبادرة المشبوهة والحسابات المغلوطة

“بوصلة” عمّار عمروسيّة: المبادرة المشبوهة والحسابات المغلوطة

عماروسط ضجيج إعلامي واسع فيه الكثير من الارتجالية والمغالطات، أطلقت مؤخرا المملكة العربية السعودية مبادرة سياسية وعسكرية تحت عنوان “تكوين تحالف إسلامي لمكافحة الإرهاب”، تماشيا مع منطق حكام آل سعود المتميّز على الدّوام بالتّعالي والانغلاق والنّزوع إلى فرض الأمر الواقع وتكريس الأحقّيّة بدور الريادة والزعامة. وتولّى وزير الخارجية السعودي بنفسه، وفي غياب الجميع من ممثّلي الدول المعنيّة بذاك التحالف المزعوم، الإعلان عن الدوافع والأهداف والدول المعنية.

تكلم السيد”عادل الجير” كما يحلو له وسط حضور إعلامي وسياسي يكاد يكون مقتصرا على بطانة وحاشية حكمه. وكأنّ الأمر محسوم سلفا بين شركائه أو هو شأن هيّن داخليّ في أهدافه ووسائله.

والحقيقة التي تأكّدت من خلال تواتر وقائع عديدة سويعات قليلة بعد الإعلان عن تلك المبادرة أنّ أمورا كثيرة لم تكن مطابقة لتلك التصريحات. ذلك أنّ دولا عديدة ورد ذكرها على لسان وزير الخارجية سارعت إلى إعلان عدم علمها أصلا بالموضوع مثل باكستان وأفغانستان أو رفضها أصلا الانخراط في هذا التحالف. والأغرب من ذلك أنّ القائمة الطويلة لقوى هذا المحور ممثلة بدويلات بعضها غير معروف على الساحة الدولية وأغلبها منهك وضعيف (جزر القمر، جيبوتي…)

والأهم من ذلك أنّ دول “المحور الإسلامي” المرتقب أسقطت من دائرة اهتمامها بلدان من الحجم الثقيل مثل الجزائر وإيران وماليزيا.

ومعلوم أنّ كل هذه الخيارات وغيرها ليست بالأمر العفوي وإنما هي في انسجام تام مع الأهداف المرسومة لذاك التحالف وقواه الأساسية إقليميا (السعودية – تركيا – قطر…) وأسيادهم دوليا بطبيعة الحال، الكيان الصهيوني، هذه المجاميع المورّطة حتى العنق في دعم الإرهاب وتوجيهه لتحقيق منافع اقتصادية ومكاسب سياسية على حساب سيادة الأوطان وعزة الشعوب العربية والإنسانية قاطبة.

فالتحالف المذكور من رأسه المزعوم “السعودية” مرورا بجميع تشكيلاته الرئيسية (تركيا – قطر) مثّل ومازال الحاضنات المكشوفة للجماعات الإرهابية الإجرامية التي تولّت مهمّات تدمير البلدان وتقسيم شعوبها خدمة لمشروع ما سمّي “الشرق الأوسط الجديد”

كما أنّ هذا الحلف ليس سوى خطوة أخرى لتعميق المذهبية وتأجيج الحروب والفتن بين شعوب المنطقة تحت يافطة الانتصار الكاذب للسنة وأهل السنة في وجه “الشيعة” وأتباعها.

وهو أيضا محاولة جديدة لخلق ذراع عسكري إقليميا يمثل من ناحية، الواجهة المزيّفة لتدخلات الحلف الأطلسي، ومن ناحية أخرى الحامل الأساسي لتحمّل الأعباء المكلفة ماديا وبشريا للحروب الظالمة ضد الدول والشعوب المارقة عن الصف الأمريكي – الغربي وصنيعته الكيان الصهيوني.

والأهم من  ذلك أنّ هذه المبادرة السعودية في سياق التغطية عن المأزق الكبير الذي تردّت فيه الأخيرة في حربها العدوانية على اليمن الشقيق، بعبارة  أوضح فالدافع الأساسي لتحرّك السعودية هو التمويه على تعدّد إخفاقاتها في ساحات كثيرة مثل سوريا واليمن والعراق ولبنان أيضا.

كما أنّ هذا التحرك محاولة جديدة لإخفاء الدور الذي اُفتضح كما لم يحدث من قبل للنظام السعودي ومن معه في تمويل الإرهاب بالمال والعتاد والبشر. وهو افتضاح أضحى يُقلق حتى أسيادهم والبعض من الشركاء.

والأعجب ممّا سبق هو مسارعة السلطة التونسية بمباركة هذا الحلف وإعلانها الانخراط فيه مع سعي رئيس الدولة إلى التقليل من تبعات هذا الالتزام في جوانبه العسكرية ضمن كلام فيه احتقار للقدرات التونسية وإمكاناتها دون أن ننسى القفز على حقّ الشعب التونسي ومؤسساته المنتخبة في إبداء الرأي في هذا الاصطفاف المعادي لمصلحة شعب تونس وكلّ الشعوب العربية.

عمار عمروسية: نائب بمجلس النواب عن الجبهة الشعبية

“صوت الشعب”: العدد 190

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×