الرئيسية / صوت الوطن / ملاحظات أوّلية حول مشروع مجلس المؤسّسة التّربويّة والمجلس البيداغوجي
ملاحظات أوّلية حول مشروع مجلس المؤسّسة التّربويّة والمجلس البيداغوجي

ملاحظات أوّلية حول مشروع مجلس المؤسّسة التّربويّة والمجلس البيداغوجي

كنّا تطرّقنا في العدد 195 إلى محتوى المشروع الذي تقدمت به وزارة التربية إلى الأطر النقابية لإبداء الرأي فيه. هذا وقد انتهت اللجنة المشتركة إلى تطوير النص ومراجعة بعض الجوانب فيه. وهو ما تنكبّ عليه الآن الهياكل النقابية الجهوية في اتّجاه بلورة الموقف النهائي للقطاع في الندوة الوطنية المبرمجة ليومي 11 و12 فيفري الجاري، ليقع فيما بعد الشروع في التنفيذ إن وافقت الأطر النقابية على المشروع أو قبلت وزارة الإشراف على إدخال التّعديلات اللاّزمة عليه. سنتولّى في هذا المقال مواصلة إبداء ملاحظات أولية انطلاقا من المسودّة التي تشتغل عليها الآن ندوات الإطارت الجهوية للتعليم الثانوي.

 

في محتوى المشروع

كانت المسودّة الأصليّة للمشروع تدعو إلى تشكيل هيكلين: هيكل عام يسمّى مجلس المؤسسة التربوية الذي يتكوّن من المدير وممثل المعلّمين في الأساسي، وفي الاعدادي والثانوي من المدير رئيسا وممثلي الأساتذة والقيّمين والعملة والتّلاميذ والأولياء. أمّا المجلس البيداغوجي فيتكوّن من المدير وممثّل المعلّمين في الأساسي، وفي الإعدادي والثانوي من المدير والنّاظر وممثّلي الأساتذة والقيّمين.

هذا وضبطت المسودّة مهام كلّ هيكل وكيفية تشكيله ومدّته النيابية. أمّا في المسودّة الأخيرة فقد أدخلت بعض التعديلات، من ذلك أنّ الهيكل أصبح واحدا، لكن تركيبته التي بها ممثّلو الإداريين والعملة والأولياء والتلاميذ تكوّن مجلس المؤسسة، وفي غياب هذه الأطراف يتحوّل الهيكل إلى مجلس بيداغوجي. كما ضبطت المسودّة طرق انتخاب ممثّلي كلّ صنف في المجلس. ورغم ذلك فإنّ الملاحظات الجوهرية حول المشروع مازالت قائمة، ومن خلال ما رشح من مداولات ندوات الإطارات الجهوية يبدو أنّ الاتجاه العام للنقاشات سائر نحو رفض هذا المشروع بتعلاّت وحجج مختلفة، ويهمّنا في هذا الإطار أن نقدّم جملة من الملاحظات.

 

حول تاريخ المشروع

مازال العديد يذكر أنّ مشروع مجلس المؤسّسة ارتبط بحقبة سوداء في تاريخ تونس، وفي تاريخ المؤسسة التربوية تحديدا، إذ قُدّم مشروع مجلس المؤسّسة في عهد الدكتاتور بن علي (القانون عد80د الصادر في 23 جويلية 2002) والذي كان يهدف إلى تمرير جملة من الأهداف الفاشية وأساسا ضرب النقابات وسحب البساط من تحتها بإيجاد “شرعية تمثيلية” مقابلة أو منافسة، وثانيا لتمرير ما بات يُسوّغ اليوم تحت مسمّى الشّراكة بين القطاع الخاص والقطاع العام بادّعاء تمثيل الأولياء في هذه المجالس، والمقصود بالأولياء في الأساس هم الأغنياء وأصحاب المال الذين فُسح لهم المجال لإصلاح القاعات وتقديم المعونات. ليس هذا فقط، بل أيضا بتمرير فصل خبيث وهو حقّ المدير في دعوة من يراه مفيدا للمجلس ومداولاته، وهل ثمّة أفيد من أصحاب المال؟ وبفضل الوقفة الصارمة للنقابات وللقاعدة التربوية وقع التصدي للمشروع الذي لم يجد مصغيا له إلاّ جوقة القوّادين من الشعب الدستورية.

إنّ هذه المعطيات على أهميتها لا تشكّل في رأينا مسوّغا مطلقا لرفض الفكرة، علما وأنّ الفكرة في ذاتها أي إيجاد هياكل تسيير منتخبة وممثّلة وذات صلوحيات واسعة في إطار وحدة التعليم هي مطلب ديمقراطي قديم رفعته النقابات والحركة التلمذية والحركة الطلابية، إضافة إلى القوى التقدمية التي تطرح مسألة حق القواعد في التمثيل والتسيير في كلّ مواقع الإنتاج والعمل والنشاط بما في ذلك المؤسسة التربوية وغيرها من المؤسسات. فالمبدأ الديمقراطي مطلق ويجب الاحتكام إليه باعتباره أفضل طريقة أنتجتها الإنسانية في التّسيير، فماذا يعني هذا اليوم في علاقة بمجلس المؤسّسة والمجلس البيداغوجي؟

 

أيّة مجالس نريد؟

في اعتقادنا ما يجب أن يُرفض اليوم ليس فكرة المجلس في حدّ ذاتها، بل ما يجب رفضه هو بعض الجوانب التي تهمّ الصلوحيات والتركيبة وأسلوب العمل. ومن جهة الصلوحيات يجب أن تكون هذه المجالس ذات سلطة تسييريّة تقريريّة فعليّة، أي ليست هياكل استشارية محدودة المهام. يجب أن تكون هي المسؤول الأوّل عن المؤسسة في إطار وحدة التعليم ووحدة المرجعية القانونية والإدارية. من ذلك مثلا أنّ هذا الهيكل الذي يمكن تسميته “هيئة تسيير المؤسسة” (لتجاوز الشبهة السياسية لمجلس المؤسسة) يكون من صلاحياته برمجة الميزانية ومراقبة الصرف ومراقبة سير المؤسّسة والتّدخّل ضمن ضوابط لمعالجة كلّ ما يهمّ السّير العادي للمؤسسة. فما كان يقوم به المدير منفردا، يتحوّل إلى عمل جماعي.

أمّا عن التركيبة فهي مربط الفرس ولابدّ من الصرامة والوضوح في تحديدها. وفي هذا الإطار لا مجال لتمثيل الأولياء في هذه الهيئة وذلك ليس من باب استبعادهم، بل من باب الحفاظ على استقلالية المؤسسة، ومن باب الابتعاد عن الوضعيات البائسة مثل احتكام انتخاب الولي إلى اعتبارات قبلية أو مصلحية أو سياسوية، أو وجود وليّ في المجلس لا علاقة له من قريب أو بعيد بالشأن التربوي بما يعطّل العمل، أو يحوّل وجوده إلى نشاز أو فضاء لمتابعة شؤون ابنه فقط. وهذا لا يعني قطع الصّلة مع الأولياء، بل على الهيئة الاجتماع دوريّا وبشكل إلزامي مع الأولياء لمدّهم بكلّ ما يهمّ الشّأن التربوي حتى يكونوا على بيّنة من أوضاع منظوريهم.

يبقى هنا جانب آخر لابدّ من توضيحه وهو تمثيل التّلاميذ، الجسم الأهم كمّيّا في المؤسسة، فتمثيلهم في الإعداديات بممثّل واحد والمعاهد بممثلين (واحد عن المرحلة الأولى وآخر عن المرحلة الثانية) نعتقد أنّ هذا التّمثيل ضعيف ومحدود، ويجب في هذا الإطار اعتماد التّمثيل النّسبي سواء من خلال الشّعب أو المستويات (ممثّل عن كلّ شعبة في المرحلة الثانية، وممثّل عن كلّ مستوى في المرحلة الأولى وفي الإعدادي).

ونحن نرفض مطلقا الفكرة الرّافضة لتمثيل التلاميذ باعتبارهم قصّرا وغير قادرين على المشاركة في التسيير، العكس هو الصحيح، فالتلاميذ مكوّن أساسي للمؤسسة التربوية، ووجودهم لإبلاغ صوتهم وتمثيل زملائهم والتّعوّد على المشاركة والممارسة الديمقراطية هو هدف في حدّ ذاته، علما وأنّ الحركة التلمذية طرحت منذ السبعينات وخاصة من 1981 إيجاد هياكل تسيير ديمقراطي للمعاهد. علما وأنّ التمثيل الديمقراطي للتلاميذ سيسهّل عليهم ويخلق شروطا جديدة للتّقدّم في حسم مسألة التّمثيل التلمذي المستقل.

أمّا عن آليات انتخاب ممثّلي كلّ مكوّن فيمكن للنقابات أن تلعب دورا مهمّا في هذا الجانب. وبالنسبة إلى هيئة التسيير البيداغوجي، فيمكن مزيد تدقيقها بتكفّل الهيئة بتحديد الهرم التّعليمي والتّوزيعيّات والجداول، إضافة إلى المهام المقترحة في المسودّة.

إنّ قطاعات التعليم المختلفة عليها تنسيق الجهد والعمل لسحب مشروع الوزارة كما هو مقدّم في المسودة الأخيرة، واعتماد مقاربة أخرى تتقدم في إيجاد هياكل التسيير الديمقراطي للمؤسسات التربوية، هذه المؤسسات التي تكرّس التسيير الجماعي و حتى انتخاب المدير بمعايير وشروط محدّدة.

علي الجلولي

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×