الرئيسية / صوت الجهات / الفلاحة في بوسالم // وفرة الإنتاج تحولت من نعمة إلى نقمة
الفلاحة في بوسالم // وفرة الإنتاج تحولت من نعمة إلى نقمة

الفلاحة في بوسالم // وفرة الإنتاج تحولت من نعمة إلى نقمة

النشاط الاقتصادي بمعتمدية بوسالم من ولاية جندوبة يقوم أساسا على الفلاحة. ومن مميزات هذه المنطقة، التي تضم مساحات شاسعة من الأراضي الخصبة، هو تنوع المنتوج الفلاحي وثرائه من خضر وغلال وحبوب إضافة إلى تربية الماشية والأبقار.

لكن في المقابل يعاني هذا القطاع الحيوي من صعوبات عديدة ومتراكمة قد تنذر بعزوف عدد كبير من صغار الفلاحين عن مزاولة نشاطهم. ولعلّ من أبرز هذه المشاكل هو وفرة الإنتاج الذي تحوّل من نعمة إلى نقمة بسبب تخلّي الدولة عن دورها.

“صوت الشعب” تحوّلت إلى بوسالم والتقت عددا من الفلاّحين ومربّي الأبقار الذين عبّروا عن استيائهم من تردّي أوضاعهم ومن غياب الإحاطة اللاّزمة من قبل الجهات المعنيّة.

 jihet_8 منتجو الطماطم: مشاكلنا متواصلة والسّلط الجهويّة لا تحرّك ساكنا

 السيد عماد جمّازي، مختص في إنتاج الطماطم، اعتبر أنّ من أهم الصعوبات التي يواجهها هي قلّة مياه الري وعدم انتظام تزويد المساحات المزروعة بالماء، إضافة إلى مشاكل الوسطاء والترويج وعدم احترام المصنّع لعقود البيع التي يقوم بإمضائها الفلاح وحده مما دفع عددا من الفلاحين إلى اللجوء إلى القضاء.

السيّد جمّازي أضاف أنّ الفلاحين يعانون من بعد وحدات التحويل، التي يقع أقربها على بعد 75 كلم عن بوسالم، ممّا ينتج عنه فقدان كميّات من الطماطم عند مرحلة النقل وتعمّد بعض الأطراف التلاعب بالميزان، فالفلاّح لا يحضر عمليّة وزن منتوجه الذي يظلّ على متن الشاحنات لمدة يومين على الأقلّ  قبل دخوله المصنع.

كما يعاني الفلاحون من تراكم الديون واهتراء قنوات الري وبالتالي عدم توفير المياه لكافة المناطق السقوية. مضيفا أنّ أغلب هذه المشاكل تتكرّر سنويا، رغم طرحها على سلطة الإشراف الجهوية التي لم تتخذ بعد أي إجراء.

من جانبه، اقترح السيد جمّازي تحيين هذه العقود و فرض رقابة على المصنع حتّى لا يضيع حقّ الفلاّح، وبعث لجنة تحكيم في حال الوصول إلى مرحلة التقاضي، إضافة إلى بعث مصانع في الجهة تستوعب منتوج الطماطم وتضمن جودته قبل التحويل. وللحفاظ على المناطق الفلاحية يتوجّب على الدولة التدخّل عاجلا لوضع حدّ لمعاناة الفلاح.

من ناحيته دعا السيد سامي شوّالي، فلاّح، عبر “صوت الشعب”، الجهات المعنيّة إلى الحدّ من غلاء الأسمدة والمواد الكيمائية حتّى يتمكّن الفلاّح من تقديم منتوج فلاحي ذو جودة. وأضاف السيد شوّالي أنّ مشاكل الفلاحين تتراكم كل سنة. وعلى غرار غيره من الفلاحين فهو لم يحصل بعد على مستحقاته المالية منذ الموسم الماضي من مصنّع الطماطم. ما انجرّ عنه تراكم الديون لدى البنوك وتجّار المواد الفلاحية وعدم تمكّنه من دفع أجور العمال.

 الدّولة أخلّت بوعودها تجاه التّعاونيّات

 السيد الفاضل البركاوي رئيس الشركة التعاونية للخدمات الفلاحية بمدينة بوسالم تحدّث لـ”صوت الشعب” عن أسباب بعث التعاونية. فأمام معاناة الفلاحين من نفس المشاكل وأمام حثّ الدولة بعد الثورة على تكوين تعاونيات، قرّر عدد من الفلاّحين تأسيس التعاونية بالجهة أواخر سنة 2013 وتضمّ أكثر من 200 فلاح سنة 2014  في محاولة لتذليل الصعوبات وتأطير الفلاّحين وإرشادهم. لكن رغم وعود الدولة بدعمها، إلاّ أنّ الفلاّحين وجدوا أنفسهم يواجهون جملة من المشاكل والصعوبات بمفردهم. وأوضح أنّ من بين الوعود تخصيص مقرّ للتعاونيّة وتوفير دعم مادي للفلاّحين.

 السيد البركاوي أوضح أنّ التعاونيات بجهة جندوبة لا تحظى بالامتيازات والمقرّات والإطارات على غرار مثيلاتها في جهات أخرى. لذلك تلتجئ إلى التعاون مع منظمات دولية ووطنية من أجل توفير خدمات مجانية للفلاحين بالجهة (آلات فلاحية، بذور) تساعدهم على تحسين منتوجاتهم الفلاحية.

من جانبه استغرب عماد الجمّازي، فلاّح ومنخرط بالتعاونية، تلقّي الأخيرة لمحضر عدلي أجبرها على دفع خطية مالية جرّاء بيع مادة “الامونيتر”، حيث اعتبر ديوان التجارة هذا الترخيص غير قانوني رغم أنّها  تحصّلت عليه من وزارة الفلاحة.

   واقع الفلاحة بالجهة يعاني من مشاكل هيكلية وأخرى ظرفية

 من جانبه قال السيد سفيان رزقي، مهندس ورئيس مصلحة باتّحاد الفلاّحين بباجة ومهندس سابق باتحاد الفلاحين بولاية جندوبة خلال لقائه بـ”صوت الشعب” إنّ واقع الفلاحة بالجهة يعاني من إشكاليات هيكلية وأخرى ظرفية. فالمناطق السقوية هرمة ومهترئة وتعاني من نقص مياه الري خاصّة خلال الصيف، ما جعل الفلاحين يغرقون في المديونية.

وهذا ما يتطلبّ حلولا عاجلة وجذرية يتمّ تحديدها من خلال سياسة واضحة من قبل الدولة.

أمّا بخصوص المشاكل المترتّبة عن العقود المبرمة بين الفلاحين والشركات المصنّعة قال محدّثنا إنّ اتّحاد الفلاحين يقوم  بمراجعتها وسيتم تحيينها على المستوى الوطني بحيث تقوم هذه الشركات بإمضاء العقد الذي يتضمّن تنصيصا على تاريخ تسلّم المنتوج وجودته.

 أمام تفاقم الصعوبات التي يعاني منها الفلاحون، فإنّ اتحاد الفلاّحين يطالب السلط الجهوية والمركزية بإيجاد الحلول. وفي هذا الإطار فإنّ مقترح جدولة الدّيون، حسب الرزقي ليس بالحلّ الأمثل، بل الحلّ هو بعث صندوق يساهم فيه الفلاحون والدولة لجبر ضرر الفلاحين الذين قد يتعرّضون إلى مشاكل جرّاء العوامل الطبيعية أو الديون المتراكمة.

وأشار السيد رزقي أنّه من الضروري تقديم امتيازات للمستثمرين قصد بعث مصانع في الجهة وتحيين أسعار بعض المنتوجات السقوية ورصد ميزانية لإعادة تأهيل المناطق السّقوية وتوفير المياه بصفة دائمة.

 وفرة مادّة الحليب تتحوّل من نعمة إلى نقمة

حول المشاكل التي يعاني منها منتجو الحليب بالجهة، اعتبر السيد رزقي أنّ القطاع يعاني من غياب استراتيجية واضحة لمساعدة الفلاّح على تأهيل نفسه والتي تتطلّب تخصيص موارد لتحسين طرق تغذية الأبقار وتطوير طرق الإنتاج حسب المواصفات العلمية لضمان الجودة المطلوبة ومن ثمّ تسهيل تصدير المنتوج التونسي للأسواق العالمية.

  منصف بن بوزيد علبوشي، سائق شاحنة لجمع الحليب، عبّر عن استيائه من اضطراب قطاع الحليب وعن اضطرار منتجي هذه المادة إلى إتلاف كميات كبيرة منها رغم ما يعانونه من مشاق في تربية الأبقار. وأضاف أنّ المشكل يكمن في الفائض في إنتاج الحليب من جهة وفي عدم قدرة المجمّعات والمصانع على استيعاب هذا الفائض خصوصا في فترات الذروة. وطالب علبوشي الجهات المعنيّة بإيجاد الحلول اللاّزمة والتي تكمن، حسب رأيه، في البحث عن أسواق جديدة بإمكانها أن تستوعب الكميات التي تزيد عن حاجة مركزيات الحليب التي تحدد، مسبقا، سقفا معيّنا لقبول كميات الحليب دون مراعاة الفائض في الإنتاج خصوصا في فترات الذروة.

السيد علبوشي، مثل غيره من العمّال في القطاع الفلاحي، تضرّر بشكل كبير جرّاء هذه الأزمة. فهو يجد نفسه عاطلا عن العمل رغما عنه كلما توقّف الطلب على مادة الحليب. وبتوقف تجميع الحليب لا يحصل هذا العامل على أجرة يومه ويظلّ ينتظر يومين أو ثلاثة حتّى يصبح المجمع قادرا على استيعاب كميّة جديدة من الحليب.

السيد علبوشي عبّر عن استيائه من هذه الوضعيّة التي تزداد حدة يوما بعد يوم، لكنّه عبّر كذلك عن تضامنه مع صغار الفلاحين الذين يقتاتون من بيع لترات الحليب.

التواتي شرف الدين، مربي أبقار ومنتج حليب، أرجع مشكل الحليب في بوسالم إلى بُعْدِ مراكز تجميع الحليب التي تقع على بعد حوالي 70 كلم من  مناطق الإنتاج. وحسب السيد شرف الدين، فإنّ مشاكل منظومة الألبان ليست وليدة اللحظة إنما تعود إلى سنين عديدة مضت. واعتبر أنّ قطاع الحليب لم يتم تنظيمه بشكل يضمن انتضام عملية الترويج من ناحية ويحافظ على جودته من ناحية أخرى. وأشار إلى أنّ منظومة إنتاج الألبان لم تكن مدروسة بشكل علمي من قبل خبراء وفنيين مختصين وأنها ظلت تقليديّة.

 وأضاف أنّ عمليّة تجميع الحليب من الضيعات ومن صغار الفلاحين لا تراعي الجودة خصوصا وأنّ هذه العملية قد تستغرق ساعتين أو أكثر، حيث يقوم مربي الأبقار بوضع الحليب في أواني مخصصة للغرض ويتركها على حافة الطريق في انتظار قدوم شاحنة مزودة بصهريج كبير، تتنقل من منطقة إلى أخرى ومن منزل إلى آخر لجمع مادة الحليب لتنقله فيما بعد إلى مركز التجميع ليتم في النهاية نقله إلى مركزيات الحليب التي ترفض، في كثير من الأحيان، قبول كميات مهمة من الحليب بتعلة أنها غير مطابقة للمواصفات.

السيد شرف الدين يرى أنّ الأطراف المتدخلة في هذه المنظومة من وزارة الفلاحة وغيرها لم تتعامل بشكل جدّي ومسؤول مع المشاكل المتراكمة والمتواصلة التي يعاني منها صغار الفلاحين الذين وجدوا أنفسهم مجبرين، بحكم افتقار المنطقة لمواطن الشغل وانعدام شبه كليّ للنشاط الصناعي والتجاري، على تربية البقر الحلوب وتحمّل ما يصاحب هذا النشاط الفلاحي من متاعب وصعاب في العناية بقطيع الأبقار وتوفير العلف وتنظيف الحضائر.

وفي ما يتعلّقّ بالحلول، اقترح السيد شرف الدين أن تقوم الدولة بإحداث مراكز تجميع صغيرة تكون قريبة من مناطق الإنتاج أو بمساعدة صغار الفلاحين على تركيز غرف لخزن الحليب. وتبريده تكون مربوطة بقنوات لجلب الحليب من حضائر الأبقار إثر حلبه مباشرة حتى لا يضطر الفلاح إلى إتلاف منتوجه ويصبح بإمكانه الاحتفاظ بمخزون الحليب بشكل لا يؤثر على جودته وسلامته إلى حين يتمّ تحويله إلى المصنّع. ودائما في إطار الحلول، طالب شرف الدين بالإحاطة بمربي الأبقار وتأهيلهم وإرشادهم.

وحول تكلفة هذه التقنية فإنها تقدر بحوالي 30 ألف دينار لكنها تظلّ جزء من الحلّ باعتبار أنّ المشكل الأساسي يرتبط بالترويج خصوصا وأنّ إنتاج الحليب يشهد ارتفاعا متواصلا. فتونس حققت الاكتفاء الذاتي من هذا المنتوج الغذائي الحيوي منذ سنوات، لكن لم يتم التفكير بجديّة في إيجاد حلول لمشكلة الترويج، التي أرّقت مربي الأبقار والعاملين في القطاع، رغم تحقيق فائض مهم في الإنتاج من شأنه أنه أن يحقق عائدات ماليّة مهمة لو يتم فتح باب التصدير.

 فاتن و لطفي 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

واحد × 1 =

إلى الأعلى
×