الرئيسية / صوت الوطن / الانزلاق الخطير وضرورات المقاومة // عمار عمروسية
الانزلاق الخطير وضرورات المقاومة // عمار عمروسية

الانزلاق الخطير وضرورات المقاومة // عمار عمروسية

تعدّدت في الأسابيع القليلة الماضية مظاهر الاعتداءات الصارخة على الحقوق والحريات العامة وبلغت مستويات مفزعة على المكسب الأهم للثورة التونسية.

فالإطلالة القوية لعصا القمع البوليسي في أكثر من مكان (قرقنة، الدهماني، تونس العاصمة، توزر، قفصة، الخ…) واستمرارها بأنساق مرتفعة رغم تعالي الأصوات ضد تلك الانتهاكات ووصولها حدّ المساس ببعض نواب الجبهة الشعبية بالبرلمان التونسي أضحى علامة مؤكّدة على أنّ تلك الإطلالة بما رافقها من عنف وهمجية لم تعد، مثلما يزعم الخطاب الرسمي، مسألة تجاوزات متفرقة. وإنما هي خيار ثابت لهذا الفريق الحاكم. فالتجاوزات الفردية والأحداث المعزولة مثلما ادّعى الوزير  ”خالد شوكات” كان من الممكن إيقافها ومحاسبة القائمين عليها، وهو ما لم يتمّ حتى هذا الوقت.

إقحام الأمن والقضاء:

على النقيض من ذلك فإقحام المؤسستين الأمنية والقضائية لتصفية الحساب مع الحركة الاجتماعية ماضي نحو مزيد التوسع، ممّا يعيد إلى الأذهان، ودون مبالغة، ما كان يحدث زمن الاستبداد والديكتاتورية. ولعل يوميات معاناة أهالي قرقنة الصامدة رغم الحصار البوليسي الخانق وبقاء مجموعة من شبانها وراء القضبان استحضار لفظاعات مخزية عرفتها بلدة الرديف إبّان انتفاضة الحوض المنجمي الباسلة سنة 2008.

ولعلّ أيضا العنف الهمجي الذي طال المحتجّين سلميا من مناضلات ومناضلي الاتحاد العام لطلبة تونس واتحاد أصحاب الشهائد المعطلين عن العمل بشوارع العاصمة يوم السبت الماضي استنساخ وفيّ لما كان يحدث سنوات الجمر.

ومعلوم أنّ التقهقر لا يقف عند هذه الحدود، فالعشرات من طالبي الشغل يقبعون في سجون مختلفة (الدهماني- قفصة…) ببلادنا بتهم كيدية وملفّقة تُعيد إلى الأذهان الأساليب النوفمبرية في التعاطي مع الشأن العام.

ومعلوم أيضا أنّ أعدادا كبيرة من المعطّلين والمهمّشين محلّ تتبّعات عدلية بتهم وإحالات عدلية مألوفة في أروقة المحاكم التونسية زمن حكم الطاغية ”بن علي”.

فالوقائع، كلّ الوقائع، تدفع إلى الاعتقاد الجازم بأنّ التّعدّيات الحاصلة أكبر من ”التجاوزات” و”الأحداث المعزولة” وأقرب إلى أسلوب ممنهج في الحكم والتعاطي مع الحراك الاجتماعي المشروع بمنطوق الدستور وقيم الثورة التي مازالت دماء شهدائها لم تجفّ بعد.

فالتقهقر الحاصل على غاية كبيرة من الخطورة وليس مستبعدا بالمرة أن يتفاقم مستقبلا بهدف الإجهاز على الحركة الاجتماعية والشعبية لتمهيد الطريق واسعا أمام تنفيذ حزمة الإجراءات المؤلمة المغلّفة بشعارات ”الإصلاح والنمو” التي يعلم القاصي والداني أنّها خضوع ذليل من الإتلاف الحاكم لإملاءات الدول الإمبريالية وأدواتها المالية النهّابة وعلى الأخصّ ”صندوق النقد الدولي” و”البنك العالمي”.

لعب ورقة القوّة:

والتقهقر القائم يمثّل جنوحا أرعن من القوى المتنفّذة للعب ورقة القوّة والبطش لإعادة نشر الخوف والرعب توقّيا من اتساع الحركة الاحتجاجية واكتسابها بعدا وطنيا شاملا.

فالتعديات الحاصلة بهذه الوتائر وبهذا الحجم تمثّل منعرجا خطيرا يعكس في حدّ ذاته معطى موضوعيا دالاّ على الفشل الذريع لهذا الرباعي الحاكم في معالجة مجمل قضايا الثورة التونسية وعلى الأخص في أبعادها الاجتماعية المرتبطبة بمقاوة آفة البطالة والحدّ من التفاوت الجهوي والحيف الكبير في توزيع الثروة.

تحرّكت عصا القمع مجددا وتعددت فضاءات عملها وتكاثر ضحاياها تحت خطاب رسمي يراوح بين “إنقاذ القانون” وإعادة هيبة الدولة، وغيرهما من الشعارات التي تنهل من القاموس اللغوي لإيديولوجيا العهد الديكتاتوري الاستبدادي. فإنقاذ القانون واحترامه محمول على الدولة وكلّ أجهزتها قبل المواطنين، وهيبة الدولة تأتي من عدلها لا من بطشها.

وفي واقع الحال يحقّ لنا التساؤل عن الجهة التي تصرفت خارج القانون وعن أحقّيّة الحديث عن هيبة الدولة. بعبارة أخرى، هل التظاهر السلمي والاعتصام المدني وكذلك الانتصار لحقوق المهمّشين والمعطلين مروقا عن مستلزمات القانون؟ وهل حملات الإيقاف وتلفيق القضايا والعنف في السّاحات العامّة من مقتضيات القانون؟ والأهم من ذلك هل هذه الانعطافة كفيلة لضمان التقدم نحو استعادة هيبة الدولة مثلما يزعمون؟

بطبيعة الحال هذه الأسئلة، وغيرها كثير، ينزل بثقله على الساحة السياسية والحقوقية ببلادنا. إلاّ أنّ ما نعلمه أنّ نزوع الفريق الحاكم إلى محاولة خنق الحركة الاجتماعية والحيلولة دون تطوّرها لاحقا دفعه ويدفعه إلى المروق عن القانون ودستور البلاد والثورة بهدف محاولة الإجهاز على أهم مكاسبها.

خطوط دفاع الحريّة كثيرة:

ومن ناقلة القول أنّ مثل هذا المسعى ليس بالأمر الهيّن واليسير. ذلك أنّ خطوط الدّفاع عن الحرية والديمقراطية كثيرة وحصينة أيضا. بل يمكن الجزم أنّ مساعي الحكومة تسير ضدّ منطق التاريخ والقوانين العامّة التي تحكم الصراع الطبقي في مجتمعنا، زيادة عن الذهنية العامة السائدة لدى قطاعات عريضة من جماهير شعبنا. فالتوق إلى الحرية وتوسيعها في بلادنا تقف وراءه قوى وطبقات اجتماعية لم تعد قابلة بالعودة إلى مربع الجور والاستبداد. والنضال من أجل تحصين الديمقراطية تتصدّره قوى مدنية وسياسية واجتماعية لها من التجربة والتصميم للجم هذه الانعطفات الخطيرة.

12177984_1631988787073515_1039472252_n“صوت الشعب : العدد 205

عمار عمروسية  

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×