الرئيسية / الورقية / الافتتاحية: “الائتلاف الحاكم يعتدي مرّة أخرى على السّيادة الوطنيّة”
الافتتاحية: “الائتلاف الحاكم يعتدي مرّة أخرى على السّيادة الوطنيّة”

الافتتاحية: “الائتلاف الحاكم يعتدي مرّة أخرى على السّيادة الوطنيّة”

Moqadema-yossrتداولت وسائل الإعلام في الأيام الأخيرة خبر إعلان الأمين العام للحلف الأطلسي (حلف الناتو)، ينس ستولتينبرغ، يوم 9جويلية الجاري بعث مركز للاستخبارات في تونس، “يتولّى مساعدة تونس ودول المنطقة على التصدي للحركات والأنشطة الإرهابية”. كما يتولّى “تدريب وإعانة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في بلادنا، وذلك لتطوير قدراتها ومن ثمة تحسين نجاعة تدخّلها”.

وعقب هذا التصريح للمسؤول الأول في حلف الناتو، أصدرت وزارة الدفاع بيانا لـ”التوضيح”. لكن هذا البيان، مثله مثل تصريحات الناطق باسم الوزارة، لم يقدّم معلومات دقيقة للشعب التونسي صاحب الحق المطلق في معرفة ما يجري ببلاده. لقد نفت الوزارة المعلومة وأكّدتها في نفس الوقت، بما يعني تأكيدا ضمنيا للخبر، مع العلم أنّ وزير الخارجية، خميس الجهيناوي، نفى يوم الأربعاء، من باريس صحة الخبر واعتبر أنّ المركز تونسي ولكنه”سيستعين” بخبرات الناتو (كذا…).

إنّ هذا الكلام يعني تواصل نفس الأسلوب في التعاطي مع الشعب التونسي ومع القضايا المصيرية للبلد، فبعد خمس سنوات من إسقاط نظام الاستبداد، ما يزال هذا الشعب يتلقّى المعلومة التي تهمّ تسيير بلده من الخارج، ومن وسائل الإعلام. لقد علم شعبنا وقواه الحية بإمضاء “اتفاق الشريك غير العضو” مع حلف الناتو، بمناسبة زيارة السبسي لواشنطن بعيد صعوده للرئاسة، من خلال وسائلالإعلام الخارجي، وما يزال هذا الاتفاق غير منشور ولم يسلّم محتواه حتى إلى مجلس نواب الشعب. كما أنّ توجّه وزير التنمية والتعاون الدولي ياسين إبراهيم إلى بنك فرنسي لبلورة المخطط الخماسي القادم، تمّ في السرية، إلى أن فضح أحد النواب الأمر، وآخر الطّلعات في هذا الصدد رسالة النوايا “السرية” التي حبّرها وزير المالية ومحافظ البنك المركزي يوم 2ماي الجاري لكريستين لاقارد مديرة صندوق النقد الدولي حول السلوك الاقتصادي والمالي للدولة في الثلاث سنوات القادمة. يضاف إلى كلّ هذا قرار بعث مركز استخباري على أرض تونس دون علم الشعب ولا مجلس نواب الشعب ولا حتى مجلس وزراء، اللهم إن كان تداول في الأمر”سريا”.

إضافة إلى الملاحظات المبدئية حول كيفية اتخاذ القرار (أي قرار) وحقّ الشعب في المعلومة من المصادر الرسمية، فإنّ بعث هذا المركز الاستخباري، يعيد الجدل حول القاعدة العسكرية الأمريكية التي كانت ستنشأ في الجنوب التونسي زمن حكم الترويكا، إذ راج أنّ راشد الغنوشي شخصيا، تعهّد بذلك للأمريكان وهو ما تناولته تقارير صحفية مؤخرا، وما يزال الموضوع يلفّه الغموض، إلى أن طفا على السطح موضوع المركز الاستعلامي، بما يؤكّد أنّ بلادنا تحوّلت فعلا إلى أرض مستباحة وإلى قاعدة متقدمة لحلف الناتو، الاستعماري الذي يتدخل في شؤون البلدان ويدمّرها كما الحال في الشقيقة ليبيا وفي غيرها من البلدان. ولسنا قصّرا لنصدّق أنّ هذا المركز إنما هو لإعانة تونس على التصدي للإرهاب الذي ساهم الناتو في صناعته وتطويره وتحريكه واستثماره، بل هو تكريس لاتفاق الشريك غير العضو الذي أمضاه محسن مرزوق باسم الدولة التونسية، وخطوة قد تتلوها خطوات أخرى على حساب سيادة الوطن.

إنّ حزب العمال، يعتبر هذا القرار مسمارا آخر يدقّه التحالف الليبرالي الرجعي الحاكم في السيادة الوطنية، فالبلاد لم تعرف نسقا من التبعية والخضوع مثلما تعرفه اليوم، ويكفي التذكير بأنّ المديونية وصلت حدا غير مسبوق (54 %من الناتج الوطني الخام)، وتحكّم دوائر القرار المالي في منظومة الحكم أصبح يشابه ما بلغته البلاد زمن “المصطفين”، خزندار وبن إسماعيل اللذين فلّسا البلاد في القرن التاسع عشر وعرضاها للنهب إلى أن  انتهى الأمر إلى بعث “الكومسيون المالي” الذي أدّى إلى فرض إمضاء “اتفاقية الحماية” على الباي يوم 12ماي 1881، وها هو التاريخ يعيد نفسه في شكل مهزلة من قبل نفس الطبقات الطفيلية التي ظلّت تنهب تونس وتفرّط في سيادتها، وهي لا ترى غير مصالحها الأنانية والضيّقة لذلك فهي تخضع لإرادة أسيادها من الهيئات والمؤسسات الاحتكارية العالمية وتغرق البلاد في التبعية. ولا غرابة في الأمر، فالمسؤولون السامون في البنك الدولي يحضرون في جلسات هيئات القرار بالبنك المركزي، وحلف الناتو الاستعماري سينظّم قريبا عمليّة واسعة في البحر المتوسط (عملية الحارس البحري  sea guardian) أي على حدودنا البحرية، لجمع المعلومات عن مجمل المنطقة بدعوى “مقاومة الإرهاب”، وذلك دون أن تنبس الدولة التونسية ببنت شفة كأنّ الأمر يصير في مكان آخر من العالم.

إنّ المخاطر التي تحدق ببلادنا تتكاثر، وليس من سبيل لمواجهتها غير رصّ الصّفوف.

افتتاحيّة “صوت الشعب” العدد 217 (السبت 16 جويلية 2016)

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×