الرئيسية / صوت العالم / ما الجدوى من مواصلة تنظيم انتخابات رئاسيّة في البلدان الإفريقية؟ // مرتضى العبيدي
ما الجدوى من مواصلة تنظيم انتخابات رئاسيّة في البلدان الإفريقية؟ // مرتضى العبيدي

ما الجدوى من مواصلة تنظيم انتخابات رئاسيّة في البلدان الإفريقية؟ // مرتضى العبيدي

          شهدت دولتان إفريقيّتان تنظيم انتخابات رئاسية خلال الشهر الجاري، هما غانا وغامبيا. ولئن شكّلت غانا استثناءً سعيدا في هذا المجال، إذ أن الرئيس المنتهية ولايته “جون دراماني ماهاما” والذي ترشح لدورة رئاسية ثانية، اعترف بهزيمته فيها وبادر بتهنئة خصمه، مرشح المعارضة الديمقراطية “نانا أكوفو أدّو”، فإن رئيس غامبيا “يحي جمّاح” والذي يحكم البلاد منذ سنة 1994 بعدما أطاح عن طريق انقلاب عسكري بسلفه “داودا جاوارا” أول رئيس للجمهورية الغامبية والذي امتدّ حكمه من 1970 إلى تاريخ الإطاحة به، لم يخرج عن النموذج الإفريقي، إذ طعن في نتائج الانتخابات وطالب، لا بإعادة تعداد الأصوات، بل بإعادة الانتخابات برمّتها.

انتخابات 2016 تؤكّد ما حصل في 2015untitled-2

      والحالة الغامبية ليست استثناء بل يمكن التأكيد أنها هي الحالة العامّة بإفريقيا على ضوء ما حصل ويحصل بمناسبة كل أنواع الانتخابات وبالأخصّ منها الرئاسية. فالقارّة الإفريقية التي انتظمت فيها تسع انتخابات رئاسية سنة 2015، كان من المفروض أن تشهد تنظيم ستّة عشرة أخرى خلال السنة التي تشرف على نهايتها، إلّا أن البعض منها أُلغي أو وقع تأجيله كما هو الحال في جمهورية الكونغو الديمقراطية التي يحكمها “جوزيف كابيلا” منذ عشر سنوات، نظرا إلى أن الدستور لا يسمح له بالترشح لدورة ثالثة، وبما أنه فشل في تمرير تحوير دستوري في الغرض، فإنّه أوعز للهيئة “المستقلة جدا” للانتخابات أن تعلن عن عدم قدرتها على تنظيم انتخابات “ديمقراطية وشفّافة” قبل موفّى سنة 2018، مانحة بذلك مهلة إضافية للرئيس لإيجاد مخرج لهذا “التعسّف” الدستوري على شخصه.

      أمّا في البلدان التي تمّ فيها تنظيم الانتخابات في إبّانها، فما من بلد مرّ فيه الحدث بسلام. ففي الغابون مثلا الذي انتظمت فيه الانتخابات في شهر أوت الماضي، أعلنت الهيئة العليا للانتخابات بعد أيام من الأخذ والردّ، والعدّ وإعادة العدّ عن فوز الرّئيس المنتهية ولايته “علي بانغو” أمام خصمه، زعيم المعارضة “جان بيغ” Jan Ping بفارق قدّر بخمسة آلاف صوت فقط، بينما كانت جميع عمليّات سبر الآراء تعطي أسبقية مريحة لهذا الأخير. وقد أدّى الإعلان عن النّتائج إلى انتفاضة عارمة بالبلاد وصلت بالمحتجّين إلى إحراق مبنى البرلمان. لكن ذلك لم يغيّر من الأمر في شيء.

     أمّا في النّيجر حيث دارت الانتخابات في دورتين خلال شهري فيفري ومارس، كان الرئيس المنتهية ولايته يعتزم كسبها منذ الدّور الأول حتى أنه خاض الانتخابات تحت شعار “بالضّربة القاضية”. لكنه لم يحصل في ذلك الدور سوى على نسبة 48,41℅ من الأصوات رغم عديد التجاوزات المسجّلة وحملات الضغط الممنهج على الناخبين، والتهديدات تجاه المعارضين، زيادة على تشجيع من هبّ ودبّ على الترشّح لتشتيت الأصوات والتّقليص من حظوظ المنافس الجدّي للمعارضة الذي رشحته “الحركة الديمقراطية النيجيرية”، إذ بلغ عدد المترشّحين للدور الأول سبعة عشر. وأمام عدم أخذ ملاحظاتها بعين الاعتبار، وعدم الإقرار بالخروقات المسجّلة، خيّرت المعارضة الديمقراطية مقاطعة الدور الثاني، فحصل فيه الرئيس القديم/الجديد “محمدو يوسفو” على نسبة 92,37℅ من الأصوات.

وسنكتفي بهذه العيّنات حتى لا نسقط في التكرار لأنّ ما حصل في جميع البلدان الأخرى التي شهدت تنظيم انتخابات كان شبيها بما ذكرنا: هكذا كان الأمر في زمبيا، وفي جزر القمور وفي الرّأس الأخضر وحتّى في أرخبيل “ساو تومي و برانسيب” Sao Tomé et Principe الذي لا يتعدّى عدد سكانه 200 ألف نسمة. وكذلك كان الشأن في البلدان الإفريقية التي شهدت انتخابات رئاسية خلال السنة الماضية.

الكلفة السّياسية والاقتصادية للانتخابات

        تكلّف الانتخابات خزائن الدّول أموالا طائلة لا تتوفّر عليها، وهي من أغلى الانتخابات في العالم لما تستوجبه من نفقات لحفظ السّلم والتصدّي لشتّى أنواع العنف التي ترافقها، حتى أن مدى نجاح أي انتخابات في إفريقيا صار يقاس بمنسوب العنف التي يصاحبها. فانتخابات 2010 في كوت ديفوار كلّفت المالية العمومية ما يزيد عن 300 مليون يورو وأدّت إلى النتائج التي نعلمها جميعا وإلى اشتعال الحرب الأهلية. والانتخابات الرئاسية الأخيرة بالنّيجر أدّت إلى إلغاء الانتخابات المحلّية لعجز الدولة على تمويلها. وفي غالب الأحيان تلتجئ البلدان الإفريقية إلى الاقتراض لتمويل مثل هذه الانتخابات.

     كما أن الانتخابات أصبحت مناسبات لتجدّد إثارة النعرات القبلية والإثنية عند الانتصار لهذا المرشّح أو ذاك، وهو ما حصل في انتخابات 27 أوت بالغابون، تماما كما حصل فيها سنة 2009. ونفس المخاطر رافقت انتخابات كينيا 2008 وبورندي 2015، واليوم يتجدّد العنف في الكونغو الديمقراطية منذ أشهر بمجرّد اقتراب موعد الانتخابات وقبل الإعلان عن تأجيلها لسنة 2018.

     ومثل هذه الانتخابات لا تؤدّي، إلّا في حالات نادرة، إلى التداول السلمي على السلطة في بلدان مثل غانا ومالي ومالاوي والسينيغال، لكن ذلك لا يعني البتّة أن تنظيمها يخلو من كل شائبة في هذه البلدان التي، وإن لم تعد تظهر فيها مظاهر العنف المذكورة، فإنّ قمع المعارضين وناشطي المجتمع المدني وتكميم الصحافة وغيرها من الخروقات تتواصل وتحتدّ بمناسبة كل انتخابات. كما تستعر اليوم في إفريقيا حمّى تحوير الدّساتير بما يمكّن الرّؤساء المباشرين إلى تمديد مُدد حكمهم إلى ما نهاية له.

     وعلى ضوء هذه النتائج الأليمة، فلسائل أن يتساءل: هل أن تنظيم الانتخابات في البلدان الإفريقية والذي أقرّته مناويل الحكم المفروضة من قبل المستعمرين القدامى مازال يصلح لغير الحصول على شهادات الرضا من هؤلاء؟ ألم يحن الوقت لكي تراجع الشعوب الإفريقية وقواها الحيّة منظومات الحكم وهيئات التّمثيل الشّعبي بما يسمح لهذه الشعوب بالتقدّم نحو حياة أفضل؟

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

9 − واحد =

إلى الأعلى
×