الرئيسية / صوت العالم / الانتخابات الرئاسيّة الفرنسيّة “جون ليك ميلونشون” يتقدّم رغم الهجوم اليميني
الانتخابات الرئاسيّة الفرنسيّة  “جون ليك ميلونشون” يتقدّم رغم الهجوم اليميني

الانتخابات الرئاسيّة الفرنسيّة “جون ليك ميلونشون” يتقدّم رغم الهجوم اليميني

لطفي الهمامي

انطلقت منذ بداية السنة الحالية حملة الانتخابات الرئاسيّة الفرنسيّة، وسيكون دورها الأول يوم 23 أفريل، فيما يكون الثاني يوم 7 ماي 2017، انتخابات يخوضها المترشح عن اليسار الجذري “جون ليك ميلونشون” للمرّة الثانية ليقدّم برنامجا آخر لفرنسا الحالية من منطلق الفكر اليساري على كافة المستويات في وجه مترشّحين عن الليبراليّين من جهة واليمين من جهة ثانية. 21215473221487082648

أهمّ أطروحات اليسار الرّاديكالي للانتخابات الرئاسيّة

ما ميّز ترشّح “ميلونشون” على خلاف المترشّحين الآخرين هو البرنامج الذي تقدّم به إلى الفرنسيين. ويتلخّص مشروعه حول شعار مركزي وهو المرور إلى الجمهورية السادسة، أي تحوير الدستور الفرنسي في اتّجاه جمهورية مواطنية.  في هذا الإطار دعا إلى ثورة مواطنيّة على كافة مظاهر هيمنة اللّوبيات المتحكّمة في الاقتصاد والإعلام والحياة العامة وإعادة المبادرة إلى المواطنين في تحديد مصيرهم بكل حرية بعيدا عن الضّغط وسلب حرّيتهم بدل الخضوع إلى المؤسّسات المنتخبة، وهي في الحقيقة مؤسّسات تمّ الاستيلاء عليها من قبل مجموعات ذات مصالح خاصة. لقد عبّر عن هذا المشروع بـ “الديقاج” التونسية، في اجتماع جماهيري عقده بمدينة ليون.

أما النقطة الثانية الواردة في برنامج “ميلونشون” فهي إعادة توزيع الثروة التي تكدّست عند أقلية مالية متحكّمة في الفضاء العمومي عوضا عن الأغلبية. وقد طرح نقطة مهمّة تتمثّل في موضوع وفكرة إعادة توزيع الثروة عبر إحداث إصلاحات شاملة تخصّ الضرائب وتحديدا حماية الدّخل الأدنى مقابل التحكّم في الدخل الأقصى والحدّ منه عبر دفعه الضريبة الملائمة وفقا لسلّم جبائي عادل. كما طرح إرساء ضريبة شاملة تهمّ كافة الفرنسيّين بما فيهم الفرنسيّون بالخارج حتى يشاركوا في الثروة وتوزيعها العادل بين الجميع، وهو ما سيدفع نحو إعادة النظر في قانون الشغل والضمان الاجتماعي ومساهمة المواطنين في النّقل والمدرسة والمؤسّسات الخاصة بتربية الأطفال ومتابعة الرضّع والمرأة الحامل.

من بين نقاط برنامج “ميلونشون” إعادة بعض الاتّفاقيات الإطارية للاتّحاد الأوروبي المتعلّقة بالتّسيير والميزانية وكيفية اتّخاذ القرار وكذلك ضوابط السياسة الخارجية للاتحاد والتي لا يجب أن تكون تابعة لقوى خارجية مثل الولايات المتحدة الأمريكية ولسياستها العدوانية.

وفي مجال السياسة الخارجية الفرنسية، اقترح “ميلونشون” سياسة دبلوماسية جديدة تقوم على احترام إرادة الشعوب والكفّ عن نهب ثرواتها وبعث دبلوماسيّة تعاون بين الشعوب بدل سياسة الحروب المفتوحة.

وتعتبر قضيّة البيئة نقطة تفوّق برنامج “ميلونشون”، فلقد طرح إعادة النظر في الاتفاقيّات الأوروبية المتعلّقة بحماية البيئة والتركيز المطلق على الطاقة البديلة سواء في الصناعة أو في الاستهلاك المنزلي للطاقة.

من بين النقاط التي تفرّد بها مرشح اليسار الرّاديكالي “جون ليك” هو إعادة تنظيم غذاء الفرنسيّين عبر تقليص استهلاكهم للّحوم لصالح الخضر لما للّحوم من مخاطر على صحّة الإنسان خاصة مع ارتفاع عدد السكان بفرنسا والعالم، ممّا يؤكّد إلحاحيّة إعادة النظر في الغذاء الذي يمكن أن يكون أكثر سلامة للأجيال القادمة.

من المعلوم أنّ “ميلونشون” يُعتبر صديق المهاجرين ومناهض شرس للسياسة الفرنسية العنصرية تجاه المهاجرين، وهو الذي يطرح التسوية القانونية للمهاجرين المتواجدين بفرنسا بصفة لا قانونية.

الصّراعات والتّحالفات

يُعتبر انطلاق الحملة الانتخابية للرئاسية هذه المرّة أكثر شراسة من سابقاتها لأنه لا يوجد منذ البداية مرشّحين واضحين للوصول إلى الدور الثاني مثلما كانت عليه الانتخابات الرئاسية السابقة. لذلك استعر الهجوم من قبل اليمين والقوى الليبرالية والإعلام ضدّ مرشح اليسار الجذري “جون ليك ميلونشون” نظرا إلى بروزه المهمّ خاصة بعد عقده لاجتماعات شعبيّة ضخمة بعدّة مدن فرنسية منها باريس وليون خاصة.

ومع تقدّم الحملة الانتخابية، بدأت تظهر على السطح بقوّة قضيّة التحالفات بدعوى سدّ الباب أمام اليسار الرّاديكالي واليمين الفاشستي الذي تمثّله الجبهة الوطنية عبر مرشّحته “مارين لوبان”.  منجهة أخرى الحزب الاشتراكي الذي خرج عنه “ماكرون” وبدأ يحشد القوى الوسطية مثل “بيرو” وغيره من الذين يلعبون ورقة لا يسار ولا يمين، في حين أنّ توجّهاتهم ليبرالية بامتياز، فإنه في حالة تمزّق نتيجة الصراعات الداخلية – رغم أنّ المنتصر في الانتخابات الداخلية لهذا الحزب “بنوا أمون” –  وبات يواجه صعوبات مهمّة نظرا إلى تخلّي جزء مهم من حزبه، أي الجناح اليميني منه، لصالح “إيمانويل ماكرون”.

في ظلّ هذه الصّراعات فإنّ إمكانيّة التحالف بين “ميلونشون” و”بنوا أمون” يمكن أن تحوّل المشهد السياسي برمّته. ولكن إلى حدّ الآن تبقى إمكانيّة التحالف بعيدة، رغم أنّ الأوضاع السياسية العامّة والذهنية المسيطرة على الناخب الفرنسي هي أقرب إلى التحالف منه إلى الاستمرار في الحملة بشكل منفرد.

الإعلام وسبر الآراء يلعب دور العدوّ اللّدود لليسار في هذه المرحلة

من المعلوم أنّ وسائل الإعلام الفرنسية وخاصة التلفزات الخاصة والحكومية هي تحت سيطرة لوبيات مالية وسياسيّة تتجاوز الحدود الفرنسية من حيث النفوذ والسّيطرة، وهي من تصنع المشهد والرأي العام بصفة عامة عبر خلق مناخ مناسب لهذا المرشّح وقلب المشهد ضدّ الآخر. كما أنّها من الناحية السياسية العامّة تسيطر عليها الخطوط السياسية التاريخية في فرنسا (المدرسة اليمينيّة بتفرّعاتها والمدرسة الاشتراكية الديمقراطية والليبرالية بتفرّعاتها)، وهو ما يجعل مرشّح اليسار الجذري شبه مغيّب عن الإعلام المؤثّر في الرأي العام أو التركيز على الجوانب التي ينفرها المواطن الفرنسي، وهي تأويلات في غير محلّها لبرنامج مرشح اليسار.

لكن رغم هذا الإقصاء، فقد أحدث “جون ليك ميلونشون” المفاجأة عبر الشبكة الاجتماعية، إذ تمكّن من إحداث انتشار واسع خاصة لدى الشباب باستعمال الفايسبوك ممّا أجبر وسائل الإعلام المرئيّة والمسموعة على تغطية بعض أنشطته. ولكن إلى حدّ الآن يتمّ التركيز على الفضائح المالية لبعض المترشّحين ولا يتمّ الحديث عن البرامج والمشاريع، فالإعلام الفرنسي يحاول تمرير منذ البداية مرشّحين إثنين، ومن أجل ذلك يمارسون كافة الحيل لتوجيه الرأي العام.

أما مؤسّسات سبر الآراء فإنّها تمارس نفس السياسة، حتى أنها باتت تفرض الأمر الواقع ضدّ هذا المترشّح أو ذاك. ورغم عدم دقّتها وعدم قدرتها على تقديم سبر دقيق فإنّها كل يوم تحاول تركيز مرشّحين إثنين، والغاية منه وضع الرأي العام أمام الأمر الواقع في اختيار أحد المترشّحين وهم مرشّحة الجبهة الوطنية اليمينيّة و”إيمانويل ماكرون” مرشّح المؤسّسات المالية والقوى الليبرالية الفرنسية.

هذا المشهد السياسي الغاية منه الدفع في اتّجاه التصويت “المفيد”، بدل الدّفع بالصراع الديمقراطي وترك الناخب الفرنسي أمام اختياره الحرّ. رغم ذلك فإنّ الإعلام البديل ومن بينه شبكة التواصل الاجتماعي، تمكّنت من فرض منطقها في محاولة لتعديل الكفّة. ويحتلّ “ميلونشون” إلى حدّ الآن المرتبة الأولى في استعمال الفايسبوك أساسا في التواصل مع المواطنين وحشد أنصاره حتى أنّه تمكّن من الاستقرار في مرتبته والتقدّم الطفيف في سبر الآراء رغم معاداتهم له.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×