الرئيسية / صوت الوطن / عيد العمّال بطعم الاحتقان والاحتجاجات الشّغل غائب في عيد الشّغّالين
عيد العمّال بطعم الاحتقان والاحتجاجات الشّغل غائب في عيد الشّغّالين

عيد العمّال بطعم الاحتقان والاحتجاجات الشّغل غائب في عيد الشّغّالين

لم يخرج الاحتفال بعيد الشغل لهذه السنة عن المألوف بالنسبة إلى السّلط الرسمية، حيث قام رئيس الجمهورية بتسليم الفائزين جائزة »العامل المثالي «في قطاع الوظيفة العمومية والقطاع الخاص والجائزة الوطنية للصحة والسلامة المهنية وجائزة التّقدّم الاجتماعي وجائزة اللجان الاستشارية للمؤسّسات ونيابات العملة بعنوان 2016. في حين يظلّ الشغل الهاجس الرئيسي بالنسبة إلى الشباب المعطّل عن العمل من أصحاب الشهائد العليا وغيرهم، والمعضلة الاجتماعية الحادة التي تمثّل أحد أركان الشعار المركزي للثورة والتي لا تعرف طريقا إلى الحلّ بعد أكثر من ستة سنوات من الوعود والانتظار.Sans titre-2
الدّور الاجتماعي للمؤسّسات العموميّة
بعيدا عن هذا الفولكلور الرسمي فإنه لا وجود للمثاليات ولا لمؤشرات إيجابية في هذا المجال، حيث أنّ أعداد المعطّلين تتزايد من سنة إلى أخرى بما أنّ نسبة البطالة وصلت إلى حدود 15.6 % ، أي ما يناهز 7000 عاطل عن العمل. إنّ هذا الارتفاع ليس مفاجئا بالمرّة بما أنّ حكومات ما بعد 14 جانفي عمدت جميعها وبصفة منهجيّة إلى خلق الظروف الموضوعية لتفشّي البطالة وذلك عبر جملة من الإجراءات والممارسات. أوّلها تلك التي تبرز عبر سياستها التقشفية المملاة من صندوق النقد الدولي والمتعلقة أساسا بغلق باب الانتداب في الوظيفة العمومية والتفويت في القطاع العام لصالح رؤوس الأموال المحلّيين والأجانب. إنها أهمّ بنود برنامج الإصلاح الهيكلي القائم أساسا على خفض النفقات الحكومية من خلال كتلة الأجور وتفريط الدولة في قطاعات استراتيجية مثل البنوك العمومية الثلاثة وكذلك مؤسسات عمومية تعاني من صعوبات هيكلية ومالية مثل شركة الفولاذ وستيب، وقرار الحكومة الأخير التفويت في مناب الدّولة في شركة إسمنت قرطاج والمقدّر بنسبة 41 % من رأس المال، والقائمة تطول في خصوص المؤسسات والمنشآت العمومية التي سوف تعرف نفس المصير كما أعلنت على ذلك صراحة حكومة الشاهد منذ شهر نوفمبر الفارط.
علاوة على أهميتها الاستراتيجية فإنّ هذه القطاعات تلعب دورا اجتماعيا مهمّا، حيث أنّ لديها قدرة تشغيليّة عالية سوف تتقلّص بشكل ملموس عندما تتحوّل إلى القطاع الخاص الذي يلجأ بادئ ذي بدء كما هو معلوم إلى تسريح عدد مهمّ من العمّال.
السبب الآخر الذي يساهم في تهيئة هده الظروف الموضوعية لتعميق البطالة هو فتح الباب على مصراعيه أمام التّوريد العشوائي وكذلك سياسة الإغراق التي تمارسها بعض الشركات الأجنبية المنتصبة في تونس، ممّا أضرّ بعدّة قطاعات أمثال الجلد والأحذية والموبيلية وخصوصا النسيج أين اضطرّ قرابة 300 مؤسّسة إلى الإغلاق وأحيل أكثر من 40 ألف عامل على البطالة الفنية.
الفساد الإداري يُخرّب النّسيج الصّناعي الوطني
إنّ المتسبّبين في هذا التخريب الذي يتعرّض إليه نسيجنا الاقتصادي هم بكلّ تأكيد هياكل الدّولة وبالتحديد وزارة المالية والديوانة الذين تخاذلوا بل وتواطؤوا في عدم حماية المؤسسات التونسية من هذه المنافسة غير الشريفة وذلك بعدم تفعيل القوانين الحمائية الموجودة على غرار القانون -19999 والقانون 106-1998 المستوحيين من اتفاقيات المنظّمة العالمية للتجارة التي يبدو أنّها أحرص على مصالحنا الوطنية من السلط المحلية.
إنّ هذه الممارسات غير القانونية سواء منها المتعلّقة بسياسة الإغراق أو بالتوريد العشوائي تتسبّب في انقراض العديد من المؤسّسات وخسارة آلاف مواطن الشغل. ورغم كلّ هذه الخسائر الكبيرة التي تتكبّدها الدولة التونسية فإنّ وزيري التشغيل والصناعة والتجارة لم يحرّكا ساكنا، ربّما لأنّ الحليف التّركي يتصدّر قائمة المستفيدين الأجانب. فالأوّل لم يغيّر من واقع التشغيل الذي بقي المطلب الرئيسي الذي يؤجّج التحركات في كافة الجهات، أمّا الثاني فإنه لم يتمكّن من الحدّ من عجز الميزان التجاري الذي وصل إلى أرفع معدّلاته. فشل هذين الوزيرين النهضاويّين دفع عدد من مكوّنات المجتمع المدني إلى شنّ حملة ضدّهما انطلاقا من غرة 1 ماي 2017.
إنّ الحكومات اليمينيّة المتعاقبة لم تكتف بكلّ ذلك لتأزيم وضع التشغيل بالبلاد، بل مكّنت الشركات المصدّرة كلّيا من تشغيل اليد العاملة الأجنبية دون سقف في خرق للفصل 18 من مجلّة التشجيع على الاستثمارات من خلال تحويل الأُجراء الأجانب بصفة صورية إلى “ناشطين مستقلّين ومستثمرين أو باعثين مصدّرين كليا”، وتفوّت على الخزينة العامّة قبض الضّريبة على الدّخل بعنوان الأجور الممنوحة لهؤلاء الباعثين الصّوريّين الذين هم في الحقيقة أجراء. وبالتالي فبالإضافة إلى التوريد العشوائي فإنها تورّد لنا أيضا البطالة.
إذا كما نرى فإنّ الأسباب الحقيقية لهذه الآفة الاجتماعية هي من جهة منوال التنمية الذي يتمّ من خلاله رهن البلاد إلى الدّوائر المالية العالميّة ومن جهة ثانية الفساد الذي ينخر الإدارة التونسية وأجهزة الدولة عامة. فطالما ظلّت هذه الأسباب قائمة فإنّ المناخ الاجتماعي لن يعرف الهدوء ولن يستعيد عيد الشغل بهجته إلاّ بتمكين الآلاف من المعطّلين عن العمل من حقّهم في الشغل حتى يسترجعوا كرامتهم ومواطنتهم.
فوزي القصيبي

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×