الرئيسية / أقلام / «حدود الحريم» من الدّيكور إلى عروس الشّمع المحترقة
«حدود الحريم»  من الدّيكور إلى عروس الشّمع المحترقة

«حدود الحريم» من الدّيكور إلى عروس الشّمع المحترقة

 بقلم الشّاعرة أمامة الزاير/ عضو حركة نصّ

 57قد نبدو لوهلة متشائمين كثيرا ممّا يحدث في أوطاننا. قد نبدو سرياليين ونحن نفتّش في كلّ جهات الأرض عن سبب واحد لنضحك ملء قلوبنا الصغيرة. قد نبدو حالة من الرومنطيقا ونحن نكدّ يوميّا في اتجاه رفض كلّ ما قد يهدّد كينونتنا أو يضعها مرمى النار والحجر، أو في اتّجاه الغياب والتهميش والإقالة القسريّة من العالم ومن الحياة وتجميد الأفكار والعودة بالتاريخ إلى هرطقات رجال الدّين يلوّحون بألواحهم المقدّسة ويتهدّدون ويعدون بالجحيم والجنّة يوزّعونها علينا مثل حلوى العيد.

قد نبدو عبثيّين ونحن نرفض المتاجرة بأحلامنا وبدم كلّ الذين غادروا مشيئة القطيع وانطلقوا في رحلة بحث شاقّة عن الإنسان تمجيدا له ولفعله ولحلمه بدءًا بقاسم أمين والطاهر الحداد وغيرهما.

قد نبدو شكاكين، نتساءل ثم نتساءل ثم نتساءل شوقا إلى المعنى والحريّة الحمراء. قد لا نكون خيّرين جدا لعلمنا بأنّ العنف القائم على أساس الجنس استمدّ مشروعيّته من قراءة مغلوطة للمقدّس.

“إنّ العنف هو الواقعة الأولى ومحور نسق المقدّس ونظامه” ينبني أساسا على الإقصاء و “إنكار للآخر باعتباره قيمة مماثلة للأنا،  إنه استبعاد للآخر من مجال الحياة ومن مجال الفعل ومن مجال القول..”

ولا يمكننا أن نفهم هذا العنف الموجّه ضد المرأة بعزله عن سياقه التاريخي والدينيّ، لا يمكننا تفكيكه وإعادة قراءته بغضّ النظر عن رصد تفاصيل الانتهاك الرمزيّ للمرأة في مجتمعاتنا العربية ومجتمعنا التونسي تحديدا قبل 14 جانفي وبعده باعتباره تحوّلا جذريّا في مسار منجزات الدولة الحديثة.

المرأة التونسيّة قبل 14 جانفي 2011: أوهام الدّيكور

تبجّح النظام السابق لبن علي بأنّه ضمن امتيازات عديدة للمرأة التونسية وأنّه حمل مشروعا تحديثيا يقوم في جوهره على تحقيق مطلب المساواة التامة والفعلية بين المرأة والرّجل، وعلى النهوض بدورها في المجتمع التونسي.

 حقوق كثيرة زعم هذا النظام أنّه كفلها لنساء تونس من خلال الإلحاح على التمسّك بمجلّة الأحوال الشخصيّة.. وروّج لذلك لا فقط خارج البلاد، وإنّما أراد ترسيخ هذه الفكرة في كلّ الأوساط التونسية.. قوانين شكليّة لا يتمّ تطبيقها عادة وانتهاكات تمارس يوميّا ضدّ المرأة نفسها وسخرية منها في كلّ المجالات..

 ألم تكن أداةً استعملها النظام الدكتاتوري لشرْعنة دفاعه عن حقوق الإنسان أمام العالم فيما كانت المرأة التونسية  تتعرّض إلى أشكال متنوعة من الانتهاكات ضدّ كيانها الإنساني؟

فقد رفض النظام السابق من جهة الإمضاءَ على اتفاقيات دولية تكفل حقوق النساء وتحفّظ على بنود كثيرة من عديد الاتفاقيات… وصوّر نفسه من جهة أخرى راعيا رسميّا لحقوق المرأة.

وكانت المرأة المثقّفة في الواجهة تماما، إمّا مرضيّ عنها في دواليب الدولة، تحمل حقائب الوزارة أو مسؤوليّة رئاسة اتّحاد الكتّاب وهي الصحافيّة والفنّانة والسياسيّة.. واجهة لا غير، منخرطة فيما يُرسم لها من دوائر، وردة بلاستيكيّة في المحافل الرسميّة وعلى موائد السلطان. وإمّا نراها في السّاحات تعبّر عن رأيها دون خوف، تكتب فتُمنع مقالاتها، تُحاصر سياسيّا وتُقمع اجتماعيّا…

ألسنا في مجتمع عربيّ إسلاميّ ادّعى نظامُه الحداثةَ؟

لقد مُورس القمع والعنف على أساس الجنس في تونس قبل 14 جانفي بطرق ملثّمة أو مفضوحة بالسّجن والتهديد والتّشويه وعرقلة كلّ مسار ثوريّ تقدميّ يطمح حقّا إلى تحقيق الحريّة والمساواة في مجتمع شبه تقليديّ يرفض أن يعلو فيه صوت المرأة العورة.

 وكان المشهد الحقوقيّ في تونس غائما لا يصحّ فيه إلاّ ما قاله أدونيس:

“دخان يتنكّس

يتحامل على الهواء

لا يقدر أن ينتهي لا يقدر أن يبدأ

البحر يرفض البحر

الصّحراء تنفي الصّحراء

وللشّمس أجفان من شمع”

 المرأة التونسية بعد 14 جانفي: عروس الشّمع

«لست شيئا آخر غير حياتك»(4)، هذا ما اعتقدناه لوهلة في حراك ثوريّ هائل بعد سقوط النّظام.. آمال كثيرة وأحلام تشاطرنها انكسرت عند المنعطف الأوّل.

لقد تحدّث أغلب الناشطين في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة بالخصوص عن تخوّفهم وقلقهم من إمكانية الارتداد عن المكتسبات الحداثيّة التي ناضلت من أجلها المرأة التونسية وعن القوانين التي أقرّها المشرّع التونسي وإن تحفّظوا على أشكال تطبيقها في الواقع.

 كان التهديد صارخا من قوى الشدّ إلى الخلف والرجعيّة الظلاميّة التي استندت إلى فهم مغلوط للنصّ الدّيني. إذ أثبتت الإحصائيّات الأخيرة التي قدّمتها بعض المنظّمات المهتمّة بالدّفاع عن حقوق المرأة مثل الجمعيّة التونسيّة للنّساء الدّيمقراطيّات تزايد نسبة العنف ضدّ المرأة بمختلف أشكاله وتنوّع مظاهر التمييز التي تمارس ضدّ النّساء التي يكرّسها المجتمع الذّكوري. ومن ذلك تكريس التفريق بين الجنسين «فالمرأة كائن ناقص قاصر الإدراك مُواطن من الدّرجة الثانية وغير مؤهّل لأن يتحمّل أيّ مسؤوليّة خارج البيت.. إذ تنحصر وظيفتها في الإنجاب والعناية بالأبناء والزّوج.. وطبعا تستحقّ التّأديب والتقويم وهو ما يبرّر العنف الأسريّ.

 وقد قفزت «الخلايا النائمة» إلى الساحة ممثّلة في الحركات السلفيّة التي تقدّم تصوّرا للمجتمع يتنافى تماما مع قيم المجتمع الحداثي الذي نطمح إليه. وانطلقت حملات التجريح والتشويه ضدّ بعض المفكّرات التونسيات (ألفة يوسف، رجاء بن سلامة وغيرهما..) وتكفيرهنّ والمطالبة بإقامة الحدّ الشرعيّ عليهنّ ومحاكمة أفكارهنّ وترهيبهنّ.

 ليس ثمّةَ ما يبرّر اليوم حالة النّكوص التي بدت في نقاشات عادت بنا مئات السنوات الضوئيّة من وجوب الحجاب أو النقاب أو ملازمة الدّار وستر العورات (الصوت عورة).

نقاشات طالت ومحاولات للارتداد عن مجلّة الأحوال الشخصيّة التي تستحقّ مراجعة لتطويرها وليس نفيها، أثارت جلبة لتشددّ الأطراف الدّينيّة فيما يخصّ حقوق المرأة، في المجلس التأسيسيّ وغيره من فضاءات الدولة «رغم أنّ مقاصد الإسلام الجوهريّة تحثّ على تكريم الإنسان بقطع النظر عن جنسه”

المرأة التونسيّة اليوم تناضل من أجل حريّتها ومن أجل كيانها الذي أصبح مستهدفا من قوى الظلام التي تُجهد نفسها في أن تفكّك المجتمع بأسره وتعيد صياغته وفق رؤية إسلامويّة متطرّفة من خلال التهجّم على الحرم الجامعيّ ومحاولة فرض النقاب أوالمنتقبات في الجامعة التونسية وغيرها من الفضاءات العامّة، ومن خلال تفشّي جرائم الاغتصاب والعنف الأسريّ.

لقد تحوّلت المرأة بعد 14 جانفي من أداة لتزيين الواجهة الإعلاميّة التي روّجها النظام السابق، إلى عروس الشمع المحترقة التي تُرجم بحجارة الإرهاب والتطرّف الديني، وتعتقل أفكارها بدعوى التّحريم والتجريم.

محاولات كثيرة لتهميش حضور المرأة في مواقع القرار (حضور شكليّ للنساء في المجلس التأسيسيّ مثلا) يجهد أن يحافظ على مستلزمات الدّيكور، ومحاولات كثيرة لتشريع قوانين لا تهدف أساسا إلاّ لفرض بيت الطاعة على النساء.

“أهو ذنبك أنّك يوما ولدت بتلك البلاد” ليس ذنبك إنّما لنا أن نكون كما نشاء.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×