الرئيسية / صوت الوطن / المحكمة الدستورية: فشل منظومة حكم
المحكمة الدستورية: فشل منظومة حكم

المحكمة الدستورية: فشل منظومة حكم

 تعرّض الدستور التونسي لسنة 2014 ضمن الباب الخامس المتعلّق بالسلطة القضائية للمحكمة الدستورية وخصّص لها القسم الثاني من هذا الباب (الفصول 118 إلى 124).عرّف الفصل 118 من الدستور المحكمة الدستورية بأنها “هيئة قضائية مستقلّة تتركّب من اثني عشر عضوا من ذوي الكفاءة…” وضبط الفصل 120 من الدستور اختصاص المحكمة فنصّ على أنها تختصّ دون سواها بمراقبة دستوريّة:

  • مشاريع القوانين بناء على طلب من رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة أو ثلاثين عضوا من أعضاء مجلس نواب الشعب
  • مشاريع القوانين التي يعرضها عليها رئيس مجلس نواب الشعب
  • المعاهدات التي يعرضها عليها رئيس الجمهورية
  • القواني التي تحيلها عليها المحاكم
  • النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب الذي يعرضه عليها رئيس المجلس

كما تقوم المحكمة بالمهام الأخرى المسندة إليها بمقتضى الدستور مثل معاينة حالة شغور منصب رئيس الجمهورية أو توزيع الصّلاحيات بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة…

ونصّ الفصل 124 من الدستور على أن القانون يضبط تنظيم المحكمة الدستورية والإجراءات المتّبعة لديها والضمانات التي يتمتّع بها أعضاؤها. وقد صدر القانون الأساسي عدد 50 لسنة 2015 المؤرخ في 03 ديسمبر 2015 المتعلّق بالمحكمة الدستورية الذي نصّ خاصة على أن المحكمة الدستورية هيئة قضائية مستقلّة ضامنة لعلويّة الدستور وحاميّة للنظام الجمهوري الديمقراطي وللحقوق والحريات في نطاق اختصاصاتها وصلاحيّاتها المقرّرة بالدستور.

لكن هذا القانون لم يفعّل وبالتالي لم يتم إلى حدّ هذا التاريخ إرساء المحكمة الدستورية وهو ما يجعلنا نتساءل عن  أسباب تعطّل بعث المحكمة إلى حدّ هذا التاريخ أي بعد قرابة خمسة سنوات من دخول الدستور حيّز النّفاذ وقرابة أربعة سنوات منذ صدور القانون الأساسي المنظّم للمحكمة.

قد يكون أوّل الأسباب -على الأقلّ ظاهريّا- هو طريقة تعيين أعضاء المحكمة الدستورية في حين يبدو السّبب الأهمّ هو دور النّواب في مجلس نواب الشعب ومن ورائهم الأحزاب التي ينتمون إليها

أولا- تعيين أعضاء المحكمة الدستورية

ينصّ الفصل 118 من الدستور فيما يتعلّق بتعيين أعضاء المحكمة الدستورية على ما يلي: ” يعيّن كل من رئيس الجمهورية ومجلس نوّاب الشعب والمجلس الأعلى للقضاء أربعة أعضاء على أن يكون ثلاثة أرباعهم من المختصّين في القانون ويكون التّعيين لفترة واحدة مدّتها 9 سنوات”

يتّضح من أحكام الفصل 118 من الدستور أن السّلط الثلاثة تتقاسم تعيين أعضاء المحكمة الدستورية بالتساوي إذ يرجع للسّلطة التّنفيذية ممثّلة في رئيس الجمهورية تعيين أربعة أعضاء وهو ما لا يمثّل إشكالا باعتبار أن التّعيين سيتمّ من قبل شخص محدّد ألا وهو رئيس الجمهورية في حين يرجع التّعيين بالنسبة للسّلطتين القضائية والتشريعية إلى المجلس الأعلى للقضاء من جهة ومجلس نوّاب الشعب من جهة أخرى. ويطرح هذا التّعيين إشكاليّة طريقة التّعيين سواء كان بالنّسبة للمجلس الأعلى للقضاء أو مجلس نوّاب الشعب.

  • بالنسبة للمجلس الأعلى للقضاء

ينصّ الفصل 12 من القانون المتعلّق بالمحكمة الدستورية على ما يلي: “يعيّن المجلس الأعلى للقضاء أربعة أعضاء طبقا لما يلي:

  • لكلّ مجلس قضائي الحقّ في ترشيح أربعة أسماء وعرضها على الجلسة العامة على أن يكون ثلاثة منهم مختصّين في القانون
  • تنتخب الجلسة العامة للمجلس الأعلى للقضاء بالاقتراع السرّي وبأغلبيّة ثلثي أعضائها أربعة أعضاء على أن يكون ثلاثة منهم مختصّين في القانون

تعاد عند الضّرورة دورات انتخابيّة متتاليّة إلى حين استكمال انتخاب الأعضاء الأربعة وفي صورة التّساوي في عدد الأصوات المتحصّل عليها يفوز المترشّح الأكبر سنّا

  • بالنسبة لمجلس نوّاب الشعب

ينصّ الفصل 11 من القانون المتعلق بالمحكمة الدستورية على ما يلي:  “يعين مجلس نواب الشعب أربعة أعضاء طبقا لما يلي:

  • لكلّ كتلة نيابيّة داخل مجلس نواب الشعب أو لكل مجموعة نواب غير منتمين للكتل النيابيّة يساوي عددهم أو يفوق الحد الأدنى اللاّزم لتشكيل كتلة نيابيّة الحقّ في ترشيح أربعة أسماء وعرضهم على الجلسة العامة على أن يكون ثلاثة منهم مختصّين في القانون
  • ينتخب مجلس نواب الشعب الأعضاء الأربعة بالاقتراع السرّي وبأغلبية الثّلثين من أعضائه فان لم يحرز العدد الكافي من المرشحين الأغلبية المطلوبة بعد ثلاث دورات متتالية يفتح باب الترشّح مجدّدا لتقديم عدد جديد من المرشّحين بحسب ما تبقّى من نقص مع مراعاة الاختصاص في القانون من عدمه

و في صورة التّساوي في عدد الأصوات المتحصّل عليها يفوز المترشّح الأكبر سنّا

ثانيا- دور النواب بمجلس نواب الشعب                                    

  • نصّ الدستور ضمن الباب العاشر المتعلّق بالأحكام الانتقاليّة على أن أحكام القسم الثاني من الباب الخامس المتعلّق بالمحكمة الدستورية باستثناء الفصل 118 تدخل ” حيّز النّفاذ عند استكمال تعيين أعضاء أوّل تركيبة للمحكمة الدستورية” كما نصّ على انه يتمّ “في اجل أقصاه سنة (من تاريخ الانتخابات التشريعية) إرساء المحكمة الدستورية”

تمّت الانتخابات التشريعية أواخر 2014 غير أن  القانون الأساسي المتعلّق بالمحكمة الدستورية لم يصدر إلا بعد سنة من هذه الانتخابات (ديسمبر 2015) بما يعني ان اجل السّنة المنصوص عليها بالدستور لم يتمّ احترامه إذ كان من المفروض ان يصدر القانون قبل هذا التاريخ بكثير .

تمّ إثر صدور القانون الأساسي المتعلّق بالمحكمة الدستورية الإعلان عن تقديم الترشّحات للمحكمة وتمّت عمليّة الفرز وعقد مجلس نوّاب الشعب العديد من الجلسات لانتخاب أعضاء المحكمة الدستورية غير أن هذه الجلسات كانت دوما تنتهي بالفشل أي عدم فوز أيّ مرشّح .

  • أمام هذا الوضع الذي طال دون جدوى طالب البعض بمراجعة أحكام الدستور المتعلّقة بتعيين أعضاء المحكمة الدستورية.

لكن هل الإشكال في أحكام الدستور؟ وبالأحرى هل الإشكال قانوني بما يعني ضرورة مراجعة الدستور أم الإشكال سياسي مرتبط بدور النواب بمجلس نواب الشعب وبدور الأحزاب التي ينتمون إليها؟

يبدو ان الإشكال ليس قانونيا ذلك أن طريقة تعيين أعضاء المحكمة الدستورية التي توخّاها الدستور ليست بدعة وهي مستوحاة من أنظمة قانونية أخرى وبالتالي فالإشكال أساسا سياسي.

إن النواب بمجلس نواب الشعب -على الأقلّ الأغلبية بالمجلس- لم يبحثوا عن حلّ يخدم المصلحة الوطنية ويسرّع في عملية التّعيين بل كان كلّ همّهم إرضاء مصالح أحزابهم وحساباتها الضيّقة وقد تكون بعض الأحزاب الماسكة بالسلطة (النهضة والنداء) لا ترغب في تفعيل القانون الأساسي المتعلّق بالمحكمة الدستورية حتى تعمل دون رقابة دستورية فعلية.

ومن هذا المنطلق اعتبرنا أن عدم تفعيل هذا القانون وبالتالي تعطيل إرساء المحكمة الدستورية يمثّل فشل منظومة الحكم كاملة وأعني الأحزاب الحاكمة ونوّابها بمجلس نواب الشعب والحكومة التي تمثّل هذه الأحزاب. وقد بات ثابتا الآن أن إرساء المحكمة الدستورية قد تمّ تأجيله عمليا إلى ما بعد انتخابات 2019 التشريعية والرئاسية.

الأستاذ محمود مطير

*المحامي لدى التعقيب و المستشار الجبائي 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×