الرئيسية / منظمات / أخبار / ما وراء “الكورونا”
ما وراء “الكورونا”

ما وراء “الكورونا”

أثرياء تونس أغلبهم لم يرتق بعد إلى مرتبة “القشار”. فقد أغلقوا مصانعهم منذ زمن وتحوّلوا إلى وكلاء وسماسرة للمنتجات الأجنبية. والأدهى أنهم تعوّدوا لعقود طويلة أن يأخذوا كلّ شيء من الدولة حتى بطرق غير مشروعة. ويمتنعون عن مساعدة شعبهم ولوكان ذلك زمن المحن على عكس نظرائهم المغاربة والإيطاليين مثلا خلال هذه المحنة.

والأغرب من هذا وذاك هذا الخطاب المتعالي على الشعب والدولة في ظل هكذا ظرف. بطبيعة الحال سنرى أكثر من هذا في قادم الأيام لأنّ هذه الفئة للأسف هي صاحبة اليد الطولى في صناعة القرار وصناعة الحاكمين وتملك الإعلام والإعلاميين. ولكن ما لم يفهمه “ماجول” ومن في حكمه من “الكمبرادور” الرث أنّ تغيرات كبيرة ستفرضها هذه الكارثة الصحية العالمية سواء على مستوى العلاقات الدولية أو الإنسانية أو أنماط الحياة أو على مستوى النظم الاقتصادية.

دوام الحال من المحال.

تواجه البشرية هذا الفيروس وقد بدأ بعد يتدفق علينا سيل التحليلات السوسيولوجية والاقتصادية وغيرها حول طبيعة هذه التغيرات. ومن المبكر التكهن بحجم هذه التغيرات وعمقها. ولكنها في جميع الأحوال ستكون منعطفا في تاريخ البشرية على غرار ما حدث إثر طاعون أوروبا في القرون الوسطى الذي شكّل سلطة الضبط والربط للدولة الوطنية مكان رجال الدين على رأي ميشال فوكو. لكن هذه المرة سيكون التغيير بوتيرة ونسق أكثر سرعة.

وأكثرنا تفاؤلا سيسارع بالقول إنّ الوباء سيطيح بالرأسمالية العالمية. غير أنّ شواهد التاريخ تبيّن أنّ الرأسمالية لها قدرة رهيبة على تجديد خلاياها عند كلّ أزمة تعيشها لتخرج منها بأكثر صلابة وشراسة متجاوزة أخطاء الماضي. غير أنّ الفعل الإنساني المقاوم لهذا النظام يبقى من الشروط الأساسية لهزيمته أو على الأقل تحويله إلى مشروع مستحيل. فكلّ ثمن ندفعه في المقاومة إذا لم نأخذه في حياتنا سنأخذه لاحقا.

ونحن جميعا تحت وطأة الخوف في هذه اللحظة ممّا هو آت لا ينبغي أن يغيب عنا أبدا أنّ المأساة الإنسانية التي نعيشها سببها الرئيسي الرأسمالية المعولمة فهي التي أخضعت كلّ ما هو فوق الأرض وما تحتها إلى قوانين السوق. وحوّلت الإنسان إلى مجرّد وسيلة للإنتاج. وحوّلت الصحة إلى سلعة وحوّلت التعليم إلى سلعة والثقافة إلى سلعة والبحث العلمي إلى وسيلة لتكديس الثروة عوض إسعاد البشر.

تنتظر البشرية بعد أن تمرّ المحنة بسلام عالما جديدا. لكنّ هذا العالم لن يتغير من تلقاء نفسه وبصفة حتمية فذلك نقيضا لقانون الدياليكتيك للإنسان. هذه المقولة تصدر من وعي تاريخي بحالة مقاومة مستمرة وإن كانت لا تحقق الانتصار على هذا النظام المتوحش فإنها على الأقل تعطّل وصوله إلى حسم الصّراع لصالحه منذ أكثر من قرنين .كما تصدر هذه المقولة عن الإيمان العميق بدور حركات المقاومة المتعاضدة والرافضة لقوانين العولمة ورافعة راية الأمل في المستقبل وفي الإيمان بالنصر. سننتصر على فيروس “الكورونا” وعلى كلّ أعداء الحياة بإذن الله.

بردا وسلاما عليكم جميعا.

                محمد زهير حمدي الأمين العام للتيار الشعبي

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×