الرئيسية / منظمات / أخبار / سليانة: الولاية المنسيّة
سليانة: الولاية المنسيّة

سليانة: الولاية المنسيّة

رغم ما تزخر به جهة سليانة من ثروات فلاحيّة ومائية وغابيّة وتاريخية وثقافية، وبقدر ما تتوفّر عليه من طاقات بشريّة في شتّى الميادين، إلاّ أننا نجدها في ذيل ترتيب الجهات في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
باستثناء بعض النواتات الصناعية وبعض المحاولات المتواضعة في مستوى السياحة البيئية والثقافية، لا نجد أثرا لتنمية اقتصادية حقيقيّة، فخيراتها الفلاحية من حبوب وخضر وغلال تحوّل بعيدا هناك الى المناطق الساحلية أين تتركز المصانع لتحويلها ومقاطع الرخام تُحمل بالشاحنات لتصنّع خارجها وأراضيها الدولية الشّاسعة فائقة الخصوبة يُفوّت فيها للمُوالين للحكومات المتعاقبة، وغالبيتهم لا علاقة لهم لا بالفلاحة ولا بالفلاحين.. تنمية اقتصادية ضعيفة في الفترة البورقيبيّة، ازدادت ضعفا وضحالة مع انتهاج الإصلاح الهيكلي زمن نظام بن علي الاستبدادي، وتفاقم الوضع مع حكومات الالتفاف على الثورة ممّا عمّق التفاوت التنموي والاجتماعي بشكل صارخ.
اليوم ونحن نعيش على وقع جائحة كورونا، تعرّت الأوضاع الفلاحية أكثر وانكشف مدى ضعفها وضحالتها فبطالة العمّال غير المؤهّلين متفشّية، ومثلها أو أكثر بطالة أصحاب الشهادات، جعلتا الجهة في مقدمة الجهات من حيث نسبة البطالة وهو ما أثّر على مستويات الدّخل وزاد في نسبة الفقر والاحتياج ودفع بالعديد من طاقاتها البشرية صوب الوطن القبلي والعاصمة والسّاحل بحثا عن مورد رزق في المصانع التي أُنشِئت هناك لتحويل خيراتها.
أمّا المؤسّسات التعليمية فهي في أسوإِ حالٍ تجهيزًا وبناءات ووسائل عملٍ، فيما تفتقد المؤسّسات الصحية إلى أبسط التجهيزات التي تمكّنها من مجابهة هذا الوباء. أين الأسرّة المجهّزة الخاصّة باستقبال مرضى “كوفيد 19″؟ أم أنّ النيّة تتّجه كالعادة لترحيل المصابين إلى مستشفيات العاصمة ليموتوا في الطريق؟ لم بقي عدد التّحاليل شحيحا ولا يتجاوز عددها عدد أصابع اليد الواحدة؟ لمَ يواجه الإطار الطبّي وشبه الطبّي الوباء بصدورٍ عارية دون كمّامات لوا قفازات ولا غيول مطهّر ولا أجهزة قيس الحرارة عن بعد؟ وهذا حال أغلب مستشفيات جهة سليانة، بما فيها المستشفى الجهوي، وكأنها تنتظر كارثة قد تحلّ، بينما السلطة لا تحرك ساكنا.
أين الوالي من كل هذا؟ لم لا يبادر باتّخاذ قرار عزل الولاية ومعتمديّاتها وإقامة نقاط مراقبة في مداخلها خاصّة وأن ذلك مطلب شعبي، وتنادت به عديد القوى الحيّة بالجهة؟ أم هل تراه ينتظر إلى حين حصول الكارثة ليتّخذ القرار؟ وكأنّ شعارا من قبيل: “مسؤول بلا قرارْ يمشي يشدْ الدار” أصبح ضروريا.
كلّ هذه الأوضاع والمعطيات تقدّم التفسير الموضوعي لسبب كون الجهة من أكثر الجهات عرضة للانفجارات الاجتماعية منذ العهد البورقيبي مرورا بأحداث 92 زمن بن علي، التي كانت أول انتفاضة تشهدها تونس ضدّ حكم النظام النوفمبري، وصولا إلى أحداث الرشّ زمن الترويكا، وأخيرا وقد لا تكون الأخيرة، ما حدث منذ أسبوع في مدينة مكثر حيث أقدم شابّان على محاولتي انتحار، وهو حدث يلخّص إلى حد بعيد ما تعانيه الجهة من فقر وتهميش ممنهَجيْن لكنّها تكشف أكثر عن سياسة خرقاء ومرتبكة للمسؤولين مركزيّا وجهويا ومحليا.
إحدى المظاهر السياسية والإدارية المفضوحة هو المناصب والمسؤوليات الإدارية بالجهة، حيث تكون أغلب التّعيينات بالمحاصصة والموالاة والمُصاهرة، مناصب على قارعة الطريق لمن يدفع ويُوالي أكثر. غياب رؤية استراتيجية تراعي خصوصية المنطقة الفلاحية 45 ألف هكتار من الأراضي الخصبة مهملة. وإن تقرر التفويت فيها فلفائدة أفراد لا يكونون في الغالب من أبناء الجهة، والأدهى أنّ الطاقة التشغيلية بها جدّ متواضعة.
في هكذا وضع متأزّم، جدير بنا التساؤل: لم لا تتخذ الدولة قرارا بإلغاء ديون الفلاحين، خاصة وأنّ عديد القطاعات استفادت من هكذا قرارات كالبنوك والسياحة وغيرهما؟ ولم لا يقع الشروع حالا في إصلاح زراعي شامل ويقع التفويت فى تلك الأراضي فى شكل مركّبات فلاحية مندمجة تشغّل أبناء الجهة كل حسب اختصاصه وحيث يرتبط بالمركب مصانع تحويليّة كمصانع للحليب والأجبان ومطاحن ومصانع السّميد ومصانع تحويل الطماطم وغيرها من الصناعات التي يمكن أن ترتبط بشكل مندمج بهذه المركبات؟
للأسف، يبدو أنّ الدولة لا تشغلها مثل هذه الملفّات الحارقة، بل كلّ همّها هو التفويت فى كلّ ما هو عمومي، خضوعا لضغط رأس المال وإملاءات صندوق النقد الدولية والبنوك العالمية النهّابة؟ بل قل ما الذي ننتظره من دولة تخلّت عن بعدها الاجتماعي غير هذه المعتمديات المهمشة والمفقرة قبل الثورة وبعدها؟ فكلّ من بوعرادة والعروسة وقعفور والكريب وبورويس وبرقو والرّوحية ومكثر وسليانة معتمديّات يعيش أهلها على الإعانات الاجتماعية، أمّا شبابها فمُحبَط فاقدٌ للأمل همّه “حرقة” أو “يحرق روحو”، ويغزوه اليأس من إمكانيّة الإصلاح والصّلاح في ظلّ حكم نفس المنظومة الرأسمالية الليبرالية المتوحّشة التي تتبني منوالا اقتصاديا لا يخدم إلا مصالح بعض العائلات النافذة؟

زياد الجبالي

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×