الرئيسية / أقلام / الفيروس المستجد، الرأسمالية المستجدّة
الفيروس المستجد، الرأسمالية المستجدّة

الفيروس المستجد، الرأسمالية المستجدّة

منذ بداية انتشاره من مدينة يوهان الصّينية في اتّجاه الغرب، سلك الفيروس المستجدّ طريقا نعرفها جميعا، طريقًا قديمة تعرف محاولات إنعاشٍ، إنها طريق الحرير الشّهيرة …
مرّ هذا الفيروس من شرق آسيا مُرورًا بوسطها وغربها ليترك بصماته في إيران وتركيا …ويعبر الى أوروبا الغربية: إيطاليا /البندقية ثم فرنسا فإسبانيا والبرتغال …
هذه الطريق هي طريق تكديس الثّروة في أواخر القرون الوسطى وقبل الاكتشافات الجغرافية والتّحوّل الكبير إلى الرأسمالية التّجارية وتغيّر الطرقات التّجارية إلى المحيطات واكتشاف العالم الجديد / أمريكا وثرواتها ومغامراتها …ثم تحوّلها إلى قطبٍ من أقطاب الرأسمالية الصناعية …
سلك الفيروس المستجدّ نفس هذه الطريق الجديدة، طريق التجارة المثلّثة بعد أن ضرب أقطاب الثروة في أوروبا القديمة (إيطاليا، هولندا، فرنسا، إسبانيا) وها هو يضرب أمريكا وغرب إفريقيا، نفس طريق الذهب والعبيد …
الفيروس المستجدّ ليس جديدا بالكامل، له أسلافٌ وحسبٌ ونسبٌ وهو يعرف تاريخه جيّدا، بل إنه يعرف تاريخ تشكّل الرأسمالية الغربية بكل مراحلها من نمط الإنتاج الآسيوي إلى ما بعد الثورات الصناعية والنيوليبرالية …
يبدو أن “الكوفيد 19” أو فيروس الكورونا ذكيّ أو أنّه يهدف من وراء انتشاره إلى القضاء على الرأسمالية “القديمة” بكل مراحلها وتطوّراتها المذكورة، وكأنّه يبشّر برأسمالية مستجدّة وليست جديدة بالكامل. كما الفيروس قاتل وانتقائيّ يستهدف الخلايا المريضة للفئات الهشّة والمتهرّمة، فإنّه يستهدف أيضا منظومة رأس المال العالمية، المتأزّمة والمتداعية.
هل يمكن أن يكون انتشار الفيروس بهذه الجغرافيا إعلان وفاة لنمط / لمرحلةٍ من تاريخ النظام الرأسمالي العالمي وفي نفس الوقت انبعاث لمنظومة رأسمالية بطاقم قيادة جديد وبقوانين قيادة جديدة وربّما طرقات جديدة وميادين جديدة؟
هل الفيروس وانتشاره صدمة تُميت الرأسمالية لتحييها؟.. رُبّما…
بالنسبة للبلدان والأقاليم التي كان دورها هامشيّا أو ثانويّا في تاريخ تراكم الثّروة وتشكّل النظام الرأسمالي، ستبقى هامشيّة في تأثّرها بالفيروس وبالتّبعات الاقتصادية والجيوسياسية المستقبلية …

جمال اليوسفي

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×