الرئيسية / صوت الوطن / مخلفات الوباء عميقة، لكن مخلّفات العنف أعْمق منه
مخلفات الوباء عميقة، لكن مخلّفات العنف أعْمق منه

مخلفات الوباء عميقة، لكن مخلّفات العنف أعْمق منه

تتالت الكتابات والتقارير العلمية والطبية لتؤكّد خطورة فيروس COVID-19 وذكاء تركيبته الجينيّة وتفوّقها الصحّي على مناعة بعض الأجسام ليجتاح خلاياها ويحوّلها إلى آلات طباعة جينيّة لحمضه النّووي وناسخة لآلاف النّسخ من الفيروس. وأكّدت تقارير أخرى أن هذا الكائن المجهري العابر للقارات لا يكرّر نفسه، بل يعشق الإبداع الجيني ويقوم بتحوّلات ذاتية أكثر خطورة بانتقاله من دولة إلى أخرى لنكون أمام عدّة نُسخٍ لذات الكائن الميكروسكوبي.

في خضمّ كل هذا الصّخب الطّبي، تغفل الغالبية العظمي لبني البشر عن التحوّلات الأبرز والأكثر فتكًا لهذا الفيروس. تحوّلات أنتجت أوبئة بمثابة سُوسٍ ينخر قوام مجتمعنا وغاية في الوضوح على رادار ضمائرنا، ليتجلّى لنا الكورونا اليوم على شاكلة جوائح اجتماعية ينحت ملامحها وباء الجوع والعنف العائلي.

ما أضحى جليا اليوم هو أنّ الأوضاع الاجتماعية تمرّ بفترة رديئة وصعبة تُنْبؤ بمزيد التأزم. وتتجلّى هشاشة الأوضاع في مؤشّراتٍ عن حالة من الاحتقان لدى مختلف الطبقات ليس فقط العائلات المعوزة منها، بل تتّسع الرقعة لتشمل كلّ من أحيل على البطالة الفنية، مثل صغار الفلاحين وعمال المصانع وأصحاب المهن الحرّة والورشات وغيرهم، لترتسم في أذهان هذه الفئات أشباح جوعٍ بات وشيكا ومستقبل ضبابيّ الملامح.

الحاجة اليوم أصبحت ملحّة لتجد الحكومة حلولا جذريّة لتفادي تفشّي وباء الجوع بين الفئات الأكثر تضرّرا من جرّاء الحجر الصحي, حلولا اجتماعيّة واقتصادية فعليّة وليس مجرّد خطابات أشْبه بوعود الحملات الانتخابية لتكون ذرّ رماد على العيون. وحتما يجب أن لا تكون هذه الإجراءات خارجة عن نطاق الأمن الصحّي لأبناء شعبنا.

ولا يختلف إثنان بخصوص التأثيرات النفسية السّلبية التي تصاحب هذه الأوضاع الاجتماعية المزرية؛ من ضغطٍ نفسي وإحساس بالعجز وانسداد الأفق وقتامة الطّريق نحو لما هو آتٍ. وهو ما قد ينجرّ عنه حتما توتّرٌ يسود العلاقات العائلية والزوجية خاصة؛ يؤدي لنشوب خلافات تعكّر صفو الحياة العادية للعائلات، وقد يؤدي في حالات عدّة إلى الانفصال، وأحيانا أخرى إلى ما يكون أكثر خطورة وهو العنف المادّي والمعنوي على النساء والأطفال خاصة.

الحجْر الصحّي أصبح اليوم جحيمٌ تكتوي بنار عُنْفه النساء والأطفال عِوض أن يكون فضاء للتّقارب الأسري بسبب التّأثير السّلبي للأوضاع الاجتماعية الرّثة. فعددٌ من النساء التونسيات يعِشْن معركة مُزدوجة أكثر ضررًا وألما وأكثر خوفا وتوجّسًا، فهنّ صُحبة أطفالهم يواجهن خوف الكورونا ورُعب العنف، وهو ما يضعهم جميعا داخل حربٍ نفسيّة خانقة مع الكائن المجهري والأوبئة الاجتماعية المتّصلة بمجيئه، حربٌ غير متكافئةَ القوى وقد تكون الهزيمة قاسية للجنس البشري.

العنف ضدّ المرأة في تونس في فترة الحجر الصحّي وبحسب تقارير حقوقية تضاعف سبعة مرّات على مستوياته السابقة، وهو ما يدقّ ناقوس الخطر حيث تكون المرأة ضحية لـِوبائيْن إثنين، وهما الكورونا والعنف، لتتحوّل الحياة في بيوت التونسيين اليوم مناطق موبوءة تسكنها جوائح أشبه بالأمراض المزمنة أو السّرطانية. فالكورونا جائحة جديدة، لقاحها قد يتوفّر في غضون أسابيع، أما جائحة العنف فهي أقسى وأطول وهي بمثابة بركانٍ راكد أيقظ حِمَمه الحجر الصحي…

نادر الأطرش

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×