الرئيسية / صوت الوطن / في اتّجاه تطوّر الوضع الصحي والاقتصادي: فرضيّات سيّئة مطروحة
في اتّجاه تطوّر الوضع الصحي والاقتصادي:  فرضيّات سيّئة مطروحة

في اتّجاه تطوّر الوضع الصحي والاقتصادي: فرضيّات سيّئة مطروحة

هيكل شمام

تعيش المنظومة الرأسماليّة العالميّة سواء في بلدان المركز أو في الأطراف، ومن ضمنها تونس، أزمة حادة ليست وليدة اللحظة، وليس وباء فيروس الكورونا هو المتسبّب فيها، لكنه الزّناد الذي أشعل سلسلة من الهزّات الاقتصادية والاجتماعية، وسوف يتفاقم هذا الأمر مع زيادة عدد القطاعات التي ستعاني من الأزمة، فقد لعب الفيروس دور المحفّز بنفس الطريقة التي حفّزت بها أزمة النفط عام 1973مثلا الأزمة العامّة التي عاشها النظام الرأسمالي في تلك الفترة.

لمحة عن أزمة النظام الرّأسمالي في العالم وفي تونس

لقد لعبت عديد الأحداث، كلّ بطريقتها الخاصة، دور المحفز لحدوث أزمة اقتصادية أعمق وأشمل كانت تختمر بالفعل تحت السطح، وتنتظر أيّ قادح لإشعال فتيلها، وكان يمكن لأيّ حادث أن يلعب ذلك الدور.

إن موجة العولمة التي أفادت الرأسمالية عن طريق تكثيف المبادلات التجارية العالمية، بدأت تسير الآن في الاتجاه المعاكس، وبدأت سلاسل الإمداد الضّخمة وخطوط الانتاج في الوقت المحدّدjust in time production lines  تواجه اضطرابا كبيرا، وبالتّالي فإن جميع العوامل التي عزّزت الطّفرة السابقة بدأت تتحوّل بشكل ديالكتيكي إلى نقيضها.

إن هذه الأزمة التي يعرفها النظام الرأسمالي ستكون كبيرة، ولم يسبق للوضع العالمي أن كان محفوفا بالمخاطر كما هو الآن، وعلاوة على ذلك، فإن فيروس كورونا “حادث” يجب ان يُنظر إليه على أنه محفز فقط لأن الازمة الاقتصادية كانت حتمية. ويبدو هذا وكأنه رجوع إلى ركود سنة 2008 لكن على نطاق أوسع.

أما فيما يخصّ تونس، فان “كوفيد 19” سيعمّق الأزمة الاجتماعية عبر اتّساع وتيرة التسريح والبطالة الفنية التي باتت تهدد مئات الآلاف من العمال. وقد تأتي نهاية شهر أفريل الجاري بمزيد من التفاصيل عن المتضررين الجدد اجتماعيا من الأزمة الاقتصادية، وهي حلقة ستشمل أساسا، وفقا للدراسات والتّحاليل الدولية، العاملين في قطاع النقل الجوي وقطاع السياحة والفندقة والمَعارض وقطاع التّصدير والخدمات اللّوجستية والتجارة والخدمات.

وأمام فرضيات التّمديد في فترة الحظر الصحّي الشامل لا على المستوى الوطني فقط بل على المستوى الدولي، ينتظر أن يتّخذ التأثير الاقتصادي الاجتماعي لازمة الكورونا شكل كرة الثلج التي ستتّسع حلقتها تدريجيا لتشمل فئات المؤسّسات الجديدة في نفس الوقت وستتباين مخلّفاتها وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية حسب حجم المؤسّسة.

هذه الأزمة الاقتصادية التي تجلّت مظاهرها الأولى على الفئات الاجتماعية الأكثر هشاشة، وهي العائلات المعوزة والمحدودة الدّخل، سرعان ما التحق بها مع نهاية مارس الماضي أصحاب المهن والحرف اليدويّة المُشتغِلين بها.

وحسب التوقّعات الإحصائيّة يُتوقّع أن يخسر حوالي 300 ألف عامل تونسي مواطن شغلهم كتداعيات للأزمة الاقتصادية والذي قد يُرفّع في نسبة البطالة إلى حدود 21 %.

وبالرجوع إلى ما صدر عن صندوق النقد الدولي بتاريخ 10 أفريل 2020، فإنه يتوقع أن يسجّل الاقتصاد التونسي الركود الأسوأ منذ سنة 1956، وستكون نسبة النمو سلبيّة، متوقّعا أن تصل إلى 3,4 – % وهو ما ينبئ بتراجع حادّ في مواطن الشغل. وهي توقعات تؤكّد تقريبا فحوى الدراسة الصادرة مؤخرا عن المعهد العربي لرؤساء المؤسسات التي توقّعت أن تقوم 61 % من المؤسسات بإحالة عمّالها على البطالة الفنية أو التوجّه نحو تسريح جزء منهم. وقد بين التقرير في نفس الإطار أن 81 % من المؤسسات التونسية قد لحقها ضرر اقتصادي من أزمة فيروس الكورونا.

الوضع في بلادنا يثير المخاوف

الوضع بالفعل يتّجه نحو فرضيّات سيّئة، خاصة لدى الفئات الهشّة والفئات المتوسّطة، حيث ستتوسّع تدريجيا دائرة المتضرّرين اجتماعيا من الأزمة الاقتصادية الجارية، ففعليّا وحسب نفس التقرير هناك 56 % من المؤسّسات الصغرى لن تصرف أجور عمّالها وموظفيها كاملة خلال شهر أفريل، في حين تكون النسبة أقلّ بكثير لدى المؤسسات المتوسّطة حيث ينتظر أن تكون في حدود 14 % فقط، وتتراجع النّسبة أكثر في صفوف المؤسّسات الكبرى، حيث وحسب تقرير المعهد العربي لرؤساء المؤسّسات تنوي 7% منها خصم جزء من الأجور لعمّالها وموظفيها خلال شهر أفريل.

وسيكون العاملون والموظفون في قطاع الصّناعة وقطاع البناء وقطاع التّجارة والخدمات أكثر تضرّرا من غيرهم بمسألة البطالة الفنية.

لقد عمقت أزمة فيروس الكورونا من هِنات السياسات الاقتصادية والاجتماعية بتونس، التي ثبت فشلها منذ فترة، كما أن سياسة الارتجال والمفاجئات ذات الوقع النفسي السّيئ على التونسيّين بقيت تميّز أداء كل الحكومات المتعاقبة. وفي هذه الجائحة، عمدت حكومة إلياس الفخفاخ إلى تخصيص إجراءات اجتماعية ومالية لمساعدة بعض الفئات من التونسيين والتي كانت دون تطلعاتهم، خاصة الفئات الهشة والضعيفة والفقيرة. وفي المقابل، تناقض هذه الاجراءات قرارات أخرى تضرب بصفة مباشرة المقدرة الشرائية والمعيشية لهذه الفئات. فقد أقرّت الحكومة مساعدات مالية وفي نفس الوقت قررت الترفيع في تسعيرة الماء، أضف إلى ذلك غياب مراقبة فعلية لارتفاع أسعار الخضر والغلال واللحوم بأنواعها، ناهيك عن المواد الطبّية وشبه الطبية التي أصبحت تحتكرها لوبيات من أثرياء الحرب، منتهزي الأزمة للاستثراء، وهو ما دهور قفّة المواطن وأرهق الطبقة الوسطى والمهمشة.

وإن أوضح الرئيس المدير العام لشركة “صوناد” في تصريح لموزاييك بتاريخ 09 أفريل 2020 أن 43 % من التونسيين لا تشملهم الزيادة الأخيرة في تسعيرة استهلاك الماء الصالح للشراب، فإنه من المستغرب أن يتم الإعلان عن هذه الزيادة في مثل هذا التوقيت بالذات، والحال أن جلّ العائلات التونسية قد تأثّرت أشدّ تأثير بالحجر الصحي، وكان على الحكومة تجنّب هذا الارتجال والتناقض في القرارات.

نحن اليوم في تونس في مرحلة صعبة، فقد أظهرت الكورونا أزمة كبيرة في المجتمع التونسي بتوقف الاقتصاد وإحالة عدد كبير من أصحاب الأعمال الهشة إلى البطالة الإجبارية وكذلك في تدني مستوى معيشة الطبقات الاجتماعية الشعبية والوسطى وتواصل الآثار السلبية على الناس بسبب الحجر الصحي. وستضاف إلى هذه الآثار السلبية مظاهر التسيب وعدم احترام قواعد الحجر الصحي، ومظاهر الاحتكار والزيادة غير القانونية للأسعار وغيرها من المظاهر التي تزيد من حدّة معاناة الناس وتؤثر في المجهود الوطني الجماعي لمواجهة الكورونا.

لا لسحق الفئات الهشّة والفقيرة:

لقد عمّت في صفوف قسم من الرّأي العام، وخاصة عبر المنابر الإعلاميّة، اتّهامات لبعض الفئات الاجتماعية، خاصّة الضعيفة والمهمشة (من محدودي الدّخل والمعوزين) واعتبارها متسبّبة في اختراق الحجر الصحي، وهي حملات ممجوجة لأنّها توجّه سهمها لغير وجهته. هذه الفئات هي الضحيّة الأولى للحجْر ولأزمة الكورونا لأنهم يعانون الخصاصة المضاعفة. وقد كان من الأسلم توجيه الاتهامات للحكومة والدوائر الحاكمة لأنها لم تضع الآليات الكفيلة بحماية هذه الفئات، خاصة باستباق توفير المساعدات الاجتماعية وبتنظيم طُرق الحصول عليها، حتى لا يحصل ذلك الاكتظاظ والتّدافع.

هناك أهمية في إيجاد حلول على مستوى التلقيح. ولكن كذلك يجب أن نبدأ من الآن في التفكير في المستقبل، فأزمة كورونا ستحدث هزّات عميقة في البنية السياسيّة والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وستؤثّر على مستقبلنا لمدة عقود، نحن اليوم في حاجة إلى البحث في نوع المجتمع الذي يتوق إليه شعبنا، هل هو المجتمع الذي أدّى إلى هذه الأزمة، مجتمع انعدام العدالة وانتهاك الكرامة البشرية وعدم الاهتمام بسياسات الحياة مثل الصحّة والتعليم والنقل والخدمات وغيرها، أو هو مجتمع قيم جديدة مثل المساواة والكرامة والعدالة ومجتمع التّضامن، على قاعدة مثال جديد للتنمية يستجيب لحاجيات الشعب والوطن، ويعتمد على أولويات جديدة وعلى رأسها التعليم والصحة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×